كتبت: إكرام التميمي
عندما تكون الحوارات السياسية للشأن الخاص بالمصالحة تجري في حجرات مغلقة، والصورة التي تخرج بالعلن مثيرة للضحك ولكنها بالتأكيد مثيرة للتساؤل؛ هذا التساؤل الذي قد يتجه إلى اتجاهين متعاكسين، الاتجاه الأول: ما الذي تم نقاشه خلف الكواليس وهل هي معقولة ومقرونة نسبة وتناسباً مع ما يتطلع له السواد الأعظم من أبناء شعبنا المحاصر بين مطرقة الاحتلال وسنديان الانقسام ؟ ما الذي خرج من هذه الحوارات يفيض بالبشر والسرور حتى الضحك وعليه سيبني المواطن أن هذه الحجرات كانت مغلفة بالألفة حتى الإشباع وما فاض هو تغليب حوار العقل والمنطق والمصالح الوطنية العليا على المصالح الحزبية الأقل أهمية وهذا التصنيف وما تتطلبه الأرضية العقلية أو المعرفية التي يعول عليها أبناء الوطن بتكريس الوحدة والعمل معاً وسوياً من أجل تحرير فلسطين وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبذات الاتجاه الثاني رأب الصدع الذي مزق المشروع الوطني وغرس الخنجر المسموم" الانقسام" في خاصرة الوطن .
سيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والقيادة، والشعب متفقون جميعاً بضرورة السعي الحثيث نحو بنات الذات الفلسطينية وتحقيق الاستقلال للدولة الفلسطينية والاتكاء على استقلالية القرار الفلسطيني دون تبعية، وبالتوازي مع المصالح والتصالح للجميع وهناك آراء القاعدة العريضة من أبناء شعبنا التي تطالب بضرورة الوحدة الفلسطينية الداخلية .
فلماذا من المستحيل أن نحقق (نحن الفلسطينيين) هذه الوحدة؟ ما الأرضية أو النظام المعرفي الذي نفكر فيه برغبات ممجوجة يجعلنا نغلق أعيننا عن المخاطر والتحديات التي تنهش بالقضية الفلسطينية وتضيف مآسي لا حصر لها من الانكسار وحصار يشتد على غزة وقرارات مجنونة من الولايات المتحدة " وإعلان ترمب حول القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، والترويج في العلن والخفاء لصفقة القرن يتغلغل في المجتمع الدولي ليلتهم القدس العاصمة الأبدية بين فكيه " هناك وحش كامن بداخله كل من يحاول التغافل عن حقنا الثابت بتقرير المصير ومن يغرد خارج السرب بحيث يكون في تفكيره كما هو ترمب تماما يساهم في نجاح صفقة القرن وعليه إن أي تفكير كهذا سنجده نحن الفلسطينيون غرائبيا أسطوريا وغير محمي من المسائلة وليس من المعقول أن نتغافل عن الاحتلال والاستيطان والجرائم التي تطال أبناء جلدتنا، ومن هذا المنطلق علينا أن نتعمق في السعي الجاد للوحدة والإصغاء لربقة العقل.
لا بد لنا الآن أن نسأل السؤال التالي وهو كيف سيعالج الحوار في إنهاء هذه المعضلة وهذا الانقسام؟ سأجيب مباشرة علينا التحليل المنطقي والذي لا ينتمي إلى تاريخ الإقصاء وبالأحرى دراسة معضلات تعثر جهود المصالحة والاجتهاد في العثور على المنطلق التي كانت منه تلك الأسباب التي عززت جلد الذات والتخوين والتكفير للأخر دونما رقابة للذات، وعلينا تلمس أي القواسم المشتركة بتحقيق شروط الآخر بدراسة وطنية دون التلظي أو النظر للخلف، فمن سعى للخلاص من الاحتلال سيحقق هدف الوحدة اليوم قبل غداً .
وعلينا التفكير والتحكيم بنظرية وطنية وبطريقة واحدة دون التزمت في النصوص والتأويلات وما كل ما يأتي من إملاءات مشكوك بها تتوالى علينا تعيق مشروعنا الوطني، ورسم بوصلة الوطن بأربعة أشكال رئيسية .
أولها، التوافق حول المصالح الواحدة، ومن ثم المنافسة بيننا بمن يبني الدولة المستقلة و لا يهدم ما تم إنجازه، والقبول بضرورة التماثل فنحن جميعاً سواء فلا فرق بين فلسطيني القدس وغزة والضفة والشتات والداخل الفلسطيني، والقيادي والشهيد والأسير والجريح والمغيب قسراً سواء هم جميعاً أبناء وطن ولا فضل لأحد على وطن .
وأخيرا، علينا التعاطف بالشدة وضد العدو والسعي الجاد بحمل الفكر التنويري وحمل الفكرة الواحدة والمصير الواحد وتعزيز لم الشمل خلف الكواليس كما بالعلن لا التمثيل المضلل بالإيحاء الذي تعطيه الصورة المشرقة للعيان، ونصدم فيما بعد ببعض من التمتمات الخارجة من خلف الحجرات المغلقة، ونطحن الماء والحوارات الجدلية تجعلنا كالأشخاص الذين يتبعون الجنازات والتي تعطي إيحاءً دائما بالحزن، أناديكم لا تكتموا صراخ الحناجر واسمعوا وعي الضمير ونداء الوحدة قبل أن تصيح بنا المقابر والشواهد تشير نحو الجميع بأننا نحن ندفن المصالحة ولقد فقدنا البوصلة.