توفيق محمد
قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر منتصف الأسبوع الجاري قرصنة مستحقات الأسرى والشهداء والجرحى من أبناء شعبنا الفلسطيني وهي الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها سلطة الضرائب الإسرائيلية لصالح السلطة الفلسطينية وفق اتفاق باريس، وفي نفس الوقت قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي في وسط الأسبوع بانتهاك السيادة الأردنية على الأوقاف وإغلاق باب الرحمة بالأقفال الإسرائيلية، وإثر ذلك قام أهل الأقصى بكسر هذه الأقفال التي وضعها الاحتلال لفرض سيادة مزعومة على مسجدنا الأقصى، وأدوا صلاة عشاء الثلاثاء في باب الرحمة، وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالإعتداء على المصلين في باب الرحمة وخلف اعتداؤها هذا عددا من الجرحى والمعتقلين.
وقد يدعي البعض ان هذه السياسات الإسرائيلية، هي سياسات حكومة اليمين المتطرف الذي يسعى لتوظيفها إنتخابيا، وأنه يتوجب علينا الخروج بمئات الآلاف حتى ندلي بأصواتنا لتغيير حكومة اليمين المتطرف بحكومة اليمين "المتنور" التي يخطب ودها رئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس، أو حكومة الأحلام (اليسار الإسرائيلي بعيدة المنال) المسؤول أصلا عن كل نكبات شعبنا بدءا من النكبة مرورا بالاحتلال عام 1967 وإقامة المستوطنات ومصادرة أراضينا.
أن يُوَظِّفَ نتنياهو وحكومته عدوانهم على المسجد الأقصى وعلى المصلين فيه، وعلى أموال شعبنا الفلسطيني لصالح حملته الانتخابية، فهو أمر مُتوقع منه، وهل يُتوقع منه غير ذلك، بل إن كل انتهاك لحقوق شعبنا، وكل اعتداء على أبناء شعبنا على خارطة الوطن، سيقوم نتنياهو وعصابته، وكل الأحزاب الصهيونية بتوظيفه لصالح حملتهم الانتخابية، فهم يتنافسون في أيهم أشد انتهاكا لحقوق شعبنا وأيهم أكثر اعتداء علينا، ونتنياهو يعتمد- منذ خاض غمار السياسة والانتخابات- أسلوب التخويف والترهيب لإعادة انتخابه في كل دورة انتخابية، ولكن لا يمكن حصر أسباب العدوانين أعلاه بحملته الانتخابية، وإن اعتقدنا ذلك فإننا نخطئ خطأ جسيما بحق أقصانا وأوقافنا وأسرانا وشهدائنا وجرحانا، وبالمجل بحق القضية الفلسطينية عموما، وبحق ثوابتنا ومبادئنا ومسلماتنا، ونساهم من حيث شئنا أم لم نشأ بترويض عقول شعبنا وأمتنا لصالح الرواية الإسرائيلية واليمينية منها.
إن الذي يتابع السياسة الإسرائيلية يلاحظ سعي المؤسسة الإسرائيلية عموما نحو تجريم عدد من المسلمات والثوابت الدينية والوطنية لدى شعبنا الفلسطيني ولدى عالمنا العربي وأمتنا الإسلامية، ومن هذه الثوابت: الأسرى والشهداء والجرحى والرباط ومقاومة الاحتلال.
شكل الأسرى ثابتا من ثوابت القضية الفلسطينية، فهم الذين ضحوا بأعمارهم، وقضوا زهرتها إن لم يكن أغلبها في السجون الإسرائيلية، وهم يسعون للدفاع عن حقوق شعبنا الفلسطيني، والشهداء هم من دفعوا أرواحهم للدفاع عن العقيدة والوطن، والجرحى هم من فقدوا ساقا أو يدا أو عينا أو أضحى مقعدا أو .... في سبيل دفاعه عن العقيدة والوطن، ولذلك فهم من ثوابت القضية التي لا يمكن لأحد ان ينتقصهم حقا أو مكانة، والأقصى أيضا ثابت من ثوابت الامة، والشهادة كقيمة إسلامية ثابت من ثوابت الدين ولذلك قال الله: "والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم" سورة الحديد آية 19، والرباط في العقيدة الإسلامية له قيمته ومكانته، ولذلك تسعى إسرائيل الآن الى محو هذه الثوابت، وتجريم من يحملها، وينادي بها، وتأثيم من يتمسك بها ويدعمها، ولذلك فان المحاكمة التي يتعرض لها فضيلة الشيخ رائد صلاح ليست محاكمة على جُرم، أو مخالفة، أو جريرة أو جريمة ارتكبها، بقدر ما هي محاكمة لثوابت الدين والعقيدة والوطن، وتجريم للشهادة والرباط وحب الأقصى، وهي ليست خاصة بحكومة إسرائيلية دون أخرى حتى نحمل المسؤولية لهذه الحكومة أو تلك، إنما هي سياسة دولة ضد مجمل الثوابت العقدية والوطنية، وفي ظني أن البيانات التي صدرت مؤخرا وتحمل الحكومة الإسرائيلية فقط مسؤولية الإعتداء على المصلين في باب الرحمة هي منقوصة، وكان الأحرى هو تحميل المؤسسة الاسرائيلية عموما هذه المسؤولية، فالإعتداء على الأقصى لم يبدأ في عهد نتنياهو، إنما كان سياسة المؤسسة الإسرائيلية عبر حكوماتها المتعاقبة، بدءا من حكومة حزب المعراخ التي احتلت المسجد الأقصى في العام 1967 ووصولا الى حكومة نتنياهو الحالية التي تواصل هذه السياسة العدوانية.
لكل شخص أو حزب أو حركة مفهومه الخاص حول المسؤولية الوطنية، فمنهم من يعتبر ان المشاركة في انتخابات الكنيست وإرسال مندوبيه الى أروقتها هي قمة المسؤولية الوطنية، ومنهم من يعتبر ان الالتزام بثوابت الدين والوطن هو قمة المسؤولية الوطنية، ولكل منهم قناعاته التي يعمل وفقها، لكن رجاءنا الكبير أن نضع الأمور في نصابها الصحيح وأن نسمي الأمور بمسمياتها الصحيحة دونما توظيف أي حدث لصالح انتخابات الكنيست الصهيوني، لأن كل اعتداء على حقوقنا ومقدساتنا وثوابتنا الدينية والوطنية إنما تم تشريعه وشرعنته من هناك.
إذا المسعى الإسرائيلي هو تجريم مسلمات وثوابت دينية ووطنية، مثل الشهادة والأسرى والجرحى والرباط وحب الأقصى، وهو وان كان سيوظفه نتنياهو لصالح حملته الانتخابية كما أنه سيسعى لتوظيف حظر الحركة الإسلامية وعشرات مؤسسات العمل الأهلي من ضمن إنجازاته، لكنها السياسة العامة التي يتنافس عليها اليمين الحاكم واليمين المنافس، وحتى اليسار المراقب، فحذار ان يوظف المشاركون في انتخابات الكنيست من العرب هذه السياسات تحت شعار تغيير حكومة نتنياهو لإقناع الناس بالتصويت لهم، ويكونون بذلك قد ساهموا من حيث يعلمون او لا يعلمون بجعل هذا العدوان على ثوابتنا وعلى مقدساتنا وعلى الدين والوطن سياسة خاصة بنتنياهو وحكومته تنتهي بانتهاء حكمه.
من يحاول أن يقنع الناس بهذا فإنه يضللهم ويساعد إسرائيل بتمرير سياساتها العدوانية على الدين والعقيدة والوطن، وليست قضية قرصنة مستحقات الأسرى والشهداء والجرحى الفلسطينيين من أموال الضرائب الفلسطينية قضية قرصنة مال بقدر ما هي محاولة قرصنة مفاهيم وثوابت ودين ووطن وتجريم مفاهيم وثوابت ودين وعقيدة ووطن.
مَنْ يسعى للمشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، حيث تُهَنْدَسُ كل سياسات العدوان علينا وعلى حقوقنا الفردية والجماعية وعلى شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، له حرية الاختيار الكاملة بان يفعل ذلك، وله أن يسعى ليحظى بكرسي ومكانة وراتب عال وامتيازات ولا ننازعه في ذلك، لكن لا تبرروا ذلك بالمسؤولية الوطنية ولا توظفوا قضايانا الوطنية وثوابتنا الدينية والوطنية في لعبة سقفها لا يتعدى منافسة بن غفير وبينيت وشاكيد على ديموقراطية إسرائيلية زائفة يجملها أعضاء الكنيست العرب بمشاركتهم فيها، فيما يصر أعضاء الكنيست اليهود على ان تظهر بمظهرها الأصلي الإضطهادي.
خاطبوا الناس بالحقيقة ولا تستخدموا الشهداء والأسرى والجرحى والأقصى ومسلمات الدين والعقيدة والوطن في خطاب الكنيست وانتخاباتها.