الرئيسية / الأخبار / فلسطين
ناديا أبو مريم.. بين نقد المجتمع وحلم الوصول
تاريخ النشر: الجمعة 22/02/2019 13:49
ناديا أبو مريم.. بين نقد المجتمع وحلم الوصول
ناديا أبو مريم.. بين نقد المجتمع وحلم الوصول

كتبت: إيناس سويدان وأثير باسم

تحرير: تسنيم ياسين

كانت جالسة بين أبنائها، تراقب اللمعة في عيونهم، وتتغنى بكلمات الفخر التي يرددونها وهم ينظرون إلى شهادتها التي علقت على حائط منزلهم اليوم وسط شهادات أبنائها الجامعية.
تلك الشهادة التي كانت نجاحاً عائلياً، حلماً بدأت به دعاءها في كل ليلة.
اعتبرت الحاجة الستينية ناديا أبو مريم شهادة الصف السادس الخطوة الأولى في طريق العلم، الذي لا نهاية له، كانت الأمية العقبة التي لطالما أشعرتها بالنقص، وأدركت أن معنى حياتها، وسعادتها، يتوقف على خوض هذه التجربة.
خطوة أولى على الطريق
بدأت الحاجة أبو مريم ارتياد مدرسة التعليم الموازي منذ سنتين، بعد اتصال هاتفي من صديقتها، لتخبرها عن مشروع التعليم الموازي الذي جاء لقريتها عزون شرق قلقيلية، وهنا كانت البداية.
تقول أبو مريم برازيلية الأصل لموقع أصداء الإخباري: "أتيت إلى هذه البلاد عندما كان عمري عشرة سنوات، ولم أستطع حتى الآن إتقان اللغة العربية، تعلمت بعض الكلمات، ولكن كانت أصعب من أن أقرأ وأكتب بها، خاصة بعد زواجي بسن مبكر، وتركي لعالم الدراسة".

دعم عائلي
لم تسيطر الحاجة أبو مريم على دمعتها ولمعة الفرح في عينيها، وهي تتحدث عن أبنائها وزوجها ودعمهم لها، وهم يرددون "فقط تابعي في هذا الطريق"، وعن إصرار ابنها الأكبر الذي يدرس في خارج البلاد، على التكفل بمصاريف تعليمها الجامعي.
تضيف أبو مريم وهي تضحك بخفة: "يتسابقون لشراء الدفاتر والأقلام ومستلزمات دراستي، ونظموا جدولاً لتدريسي، وتبدأ حالة الطوارئ في المنزل بالتزامن مع فترة امتحاناتي، وبالأخص امتحان اللغة العربية".
وتؤكد أبو مريم أنها لم تكن ستستطيع الإكمال بدون دعم عائلتها، فهي جدة لأربعة أحفاد وأم وزوجة، وسيكون صعباً أن توافق بين مرضها وواجبات منزلها وإكمال تعليمها.
سلبية عيون المجتمع
لم تعتبر أبو مريم عمرها عقبة للوصول إلى حلمها، فالعائق الحقيقي هي عقولنا ونظرة المجتمع، التي تهدم الطموح والأمل، وتتابع: "لماذا لا أتعلم، أول كلمة نزلت على رسول الله كانت إقرأ".
استهزأ أهالي البلدة من إصرارها على تحقيق حلمها، ولم تخلُ كلماتُهم من التجريح والإهانة،"مين منكم عريفة الصف"، "بعد ما شاب ودوه عالكتاب "، "المهم حسن الختام"، والكثير الكثير من العبارات المماثلة التي تلاحقها يومياً.
المرأة التي كانت تخشى من كلام الناس، وتشعر أنهم يلاحقونها في كل خطوة، لم تعد تكترث الآن، أصبحت أقوى، وأكثر إصراراً للحصول على شهادتها الجامعية في تخصص اللغة العربية.
تضيف أبو مريم: "ليس ذنبي أنني حرمت من التعلم في صغري، برأيي سيكون ذنباً كبيراً إن وضعتني الأيام على بداية طريق العلم وأنا لم أتابع فيه".

حلمُ الطفولة
تتحدث أبو مريم لموقع أصداء الإخباري عن شغفها بالقصائد والمعلقات الجزلية، وعن حبها للإبحار في عالم اللغة العربية، يمضي الوقت دون أن تشعر أن هناك شيئاً آخر ينتظرها، تستمتع وهي تقرأ وتكتب وتتعلم.
اثنتا عشرة طالبة بظروف مختلفة وشغف واحد، يتحدين صعوبة الدراسة في عمر متقدم، يستعدن أيام طفولتهن المسروقة، يتشاركن المزاح والضحك، ويتبادلن المعلومات والدفاتر.
تقول أبو مريم: "نتشارك أنا وزميلاتي التلوين وزخرفة دفاترنا، نزين الواجب بالورود والألوان، لنقدمها لمعلمتنا التي تصغرنا سناً، ومع ذلك لم نخجل يوماً من أن نقول لها معلمتي، بالعكس نشعر بأننا طالبات في السابعة من عمرنا ونتلقى المواد في صفنا الصغير".

بين الدراسة والعمل
تعود أبو مريم يومياً من مدرستها لتفتح بقالتها الصغيرة، ترتب بضاعتها وتنشر كتبها على طاولة البقالة وتبدأ بدراسة ومراجعة ما أخذته في المدرسة.
وترى أبو مريم أن الأصعب من الدراسة هو المحافظة على هذه المعلومات وعدم نسيانها، تخونها ذاكرتها في معظم الأحيان، لتكرر دراسة موادها عدة مرات.
وتتابع أبو مريم: "أتمنى أن لا يأتي يوم علي وأقول فيه لن أكمل دراستي، هذا أكثر ما أخاف منه، ولكنني متأكدة أن شيئاً لن يحدني عن هذا الطريق سوى الموت".

المستقبل القريب
استلمت أبو مريم في شهر نوفمبر الماضي، شهادة الصف السادس بعد سنتين من التعليم الموازي، وخطوتها التالية الحصول على شهادة الصف التاسع في العامين المقبلين، حتى تتبقى لها شهادة التوجيهي التي تفصل بينها وبين إتمام دراستها الجامعية.
وتحدث الحاجة أبو مريم موقع أصداء الإخباري، عن حماستها لتأدية امتحانات التوجيهي النظامية، وعن الامتيازات التي منحتهم إياها وزارة التربية والتعليم، بحضور سنة التوجيهي مع الطلاب في المدارس الحكومية.
ويستطيع المنتسب لبرنامج التعليم الموازي إتمام تعليمه، من فك الحروف وحتى الحصول على الشهادات العليا.
ويمتلك البرنامج نظاماً كاملاً، لا ينقص عن التعليم العادي، ابتداءً من المنهاج والكتب الدراسية الخاصة بكل المواد، وصولاً إلى الحصص الرسمية، والشهادات المختومة من وزارة التعليم العالي.
وبلغت نسبة الناجحين في امتحاني محو الأمية والتعليم الموازي في هذا العام 99.5%، بعد أن تقدم للامتحان 815 دارس ودارسة، من كافة المحافظات موزعاً على 22 مديرية.
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017