نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحليلا، كتبته المعلقة ناتالي نوغيريد، تساءلت فيه عن إمكانية محاكمة الرئيس السوري، بشار الأسد والدور الأوروبي في تحقيق ذلك.
وقالت الصحيفة في التحليل الذي ترجمه موقع "عربي21"، إن السلطات الألمانية والفرنسية اعتقلت في الفترة الأخيرة ثلاثة من أفراد المخابرات السورية بتهمة التعذيب، وأن هذه الاعتقالات خطوة إيجابية في اتجاه محاكمة رموز النظام السوري الضالعين في جرائم القتل والتعذيب.
وتضيف أن المسألة قد تأخذ وقتا طويلا، ولكن المحققين الجنائيين سيحاولون بناء تسلسل في المسؤولية، لكي يصلوا إلى "الدكتاتور" الذي ظل يقتل شعبه طوال الأعوام الثمانية الأخيرة.
وقالت إن محامين وناشطين يحضّرون في أوروبا لليوم الذي يمثل فيه من ارتكبوا الجرائم في سوريا أمام المحاكم كي يُحاسبوا على ما فعلوا.
وبدأت نتائج هذه الجهود تثمر في أوروبا. وتقول إنه من أجل فهم السبب، علينا النظر إلى مئات آلاف السوريين الذين وصلوا إلى القارة فارين من الكابوس الذي عاشوه في وطنهم. ولدى الكثيرين منهم شهادات عن الجرائم ويساعدون في توثيقها. واستفاد عدد من المقربين للنظام من أوروبا التي قصدوها للسياحة أو تخزين أموالهم التي سرقوها في بنوكها. كما أن الكثير من دول أوروبا تعترف بـ"السلطة القضائية العالمية" التي تسمح لمحاكمها بالتحقيق وإدانة المسؤولين عن جرائم جماعية، حتى لو لم يرتكبوها على أراضي الدولة وعلى يد مواطن فيها ضد مواطنيها.
وتعترف الكاتبة أن ميزان القوى تغير لصالح الأسد منذ التدخل الإيراني والروسي لصالحه. والدور الذي أدته روسيا لعرقلة محاولات الأمم المتحدة وقف نزيف الدم وتحويل سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، فيما تخلت أمريكا عن السوريين عندما لم تتحرك للرد على المذابح الجماعية. وفعلت أوروبا الشيء ذاته. وتقول إن معظم النقاش المتعلق بسوريا يدور اليوم حول تنظيم الدولة الإسلامية وآخر معاقله الأخيرة وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا. وهناك بالطبع نقاش حيٌ في الصحافة ودوائر السياسة الغربية حول مصير المواطنين الغربيين، الذين أغرتهم دعاية التنظيم للانضمام إلى أيديولوجيته القاتلة. وفي معرض هذا النقاش تم نسيان السوريين الذين عانوا أكثر، أي الأطفال الذين خنقهم غاز السارين والأسلحة الكيماوية الأخرى، وغرف التعذيب في السجون والتغييب القسري والمدن والأحياء التي تعرضت لهجمات صواريخ سكود والبراميل المتفجرة، التي كانت تلقى دون تمييز.
ولهذا السبب، ترى الكاتبة أن الاعتقالات في ألمانيا وفرنسا مهمة جدا. وعلق لاجئ سوري تعرّف على الرجال الذين عذبوه عندما قرأ الأخبار، بهذه الكلمات : "لقد بكيت بابتسامة على شفتي، وظللت أرتجف لساعات، وأستطيع القول إن حصانة عملاء الأسد التي حمتهم أوروبا قد انتهت. والأمل الآن هو وقوف الأسد نفسه أمام المحكمة".
وتعتقد الكاتبة أن محاكمة مرتكبي الجرائم الجماعية لا يشفي الغليل، وكان من الأفضل منع حدوثها في الأساس. ولكننا نعرف أهمية محاكمة مجرمي الحرب في مرحلة الحرب العالمية الثانية في نورمبيرغ، وفي محكمة جرائم الحرب التي أنشئت في التسعينيات من القرن الماضي ومحاكمة مرتكبي الجرائم في يوغسلافيا السابقة ورواندا تبقى مهمة للناجين وعائلات الضحايا. ونعرف أهمية الاستماع للشهود وأهمية عدم تجاهل المبادئ الإنسانية الأساسية التي جسّدتها المواثيق الدولية. ونعرف أن هناك رهان كبير لدينا نحن المراقبون عن بعد ويتعلق بكرامتنا، خاصة عندما يأتي جيل المستقبل وينظر للخلف ويكتشف أن نصف مليون شخص ذبحوا وتم تشريج الملايين ويتساءل ماذا فعلنا؟ وترى الكاتبة أن البحث عن العدالة للسوريين هو بلا شك "ماراثون"، ولكن التاريخ يعلمنا أنه يجب عدم ترك انتهاكات حقوق الإنسان دون عقاب، مهما طال أمد العدالة وليس لأن قرارات المحاكم والإدانات تعد ردعا عن جرائم قادمة. فجمع الأدلة وبناء الحقائق تظل مركزية لمنع إعادة كتابة التاريخ ممن يحاولون إنكار وقوع جرائم كهذه. وتمت محاكمة المسؤولين عن جرائم الخمير الحمر في كمبوديا بعد عقدين واعتقل الديكتاتور التشيلي بينوشيه بعد نهاية حكمه بثمانية أعوام، ومات سلوبدان ميلوسوفيتش في السجن وليس في قصره.
هذه أوقات صعبة للعدالة الدولية وإن لم توجد محكمة دولية لمساعدة السوريين، فيجب أن تقوم المحاكم الوطنية بمساعدتهم. وبعد هذه الاعتقالات في ألمانيا وفرنسا اتصلت الكاتبة بالقاضية الفرنسية السابقة كاثرين مارشي أوهيل، التي تترأس آلية تحقيق للأمم المتحدة أنشئت عام 2016 لتحضير ملفات جنائية عن سوريا، وسألتها إن كان الأسد سيُقدم للمحاكمة؟ وكان الجواب "ربما"، وليس الأسد لأن الأمم المتحدة تبحث في جرائم تنظيم الدولة والمقاتلين في المعارضة السورية. إلا أن القاضية كان لديها رسالة وهي أن العدالة الدولية ستجد طريقا، "والوضع لن يظل مسدودا للأبد" و"يجب أن تكون لدينا رؤية".
ويقوم فريقها بجمع الأدلة والمصادر ويحتاج لمتحدثين باللغة العربية ولمحللين وخبراء في التكنولوجيا للعمل على "تحليل الأدلة الرقمية". وتضيف: "هذه دعوة: لو كنتَ مهتما فادعم فريق العدالة وسيصل إلى هدفه"، فالأدلة الضخمة موجودة لأن النظام السوري احتفظ بسجل شرير لأفعاله الآثمة وتم تهريب الوثائق، وهناك جبل من البيانات للبحث خلالها لبناء تسلسل يقود في النهاية إلى الأسد الذي يقف على قمة الجريمة. وتختم بالقول: "تذكروا أن عمره لم يتجاوز الـ53 عاما".