«من دون القطط ستفقد إسطنبول جزءاً من روحها» الجملة السابقة قالها أحد المُشاركين في فيلم « kedi/ القطة» الذي تم عرضه لأول مرة عام 2016 في مهرجان إسطنبول للأفلام المُستقلة، والذي حقق إيرادات 2.7 مليون دولار حين عُرض في الولايات المتحدة الأميركية، مما يجعله ثالث أفضل فيلم وثائقي بلغة أجنبية على الإطلاق. تحاول الجملة السابقة وضع تفسير لظاهرة انتشار القطط في شوارع إسطنبول ، وهي نفسها الجملة التي افتتحت بها صحيفة الإيكونوميست البريطانية تقريرها حول الموضوع نفسه.
طريقة تعامل سُكان إسطنبول مع القطط
عشرات الآلاف ويُقال أيضاً إن مئات الآلاف من القطط في إسطنبول تعيش بين سكان المدينة، يجلسون على أرجل رواد المقاهي، ويُشاركون رواد المطاعم في وجباتهم من الطعام ويقفزون حولهم، وإذا رفض الرواد ذلك فإن القطط تنصرف بهدوء باحثة عن طعامها في مكان آخر، أما إدارة المطعم فتترك قرار قبول أو رفض مُشاركة الطعام للزبائن دون أن تتدخل. وغالباً ما يضع سكان إسطنبول أطباقاً من الطعام والماء المُخصصة للقطط على الأرصفة، وهذا يسمح للقطط التجول بحرية، وفي تجوالها لا تُعاني الجوع أو العطش لأنها تجد دوماً ما تحتاج إليه أثناء تجوالها، ومن الصيادين تستطيع القطط أن تحصل على عينات أسماك الأنشوجة الصغيرة التي يتم صيدها من البوسفور، وتحصل من المطاعم على لحم البقر المشوي وقطع الدجاج المطبوخ الطازج، كما تتمتع بملاجئ صُنعت خصيصاً لها.
فغالباً ما يشعر الناس بأنهم ملزمون برعاية الحيوانات التي تتسكع حولهم في منازلهم وأماكن عملهم. يقول أحد المُشاركين بفيلم «kedi»: «القطط تعرف أن الناس يعملون كوسيط لإرادة الله.. ليس هذا من قبيل نُكرانها لجميل البشر لكنها تعرف الأصوب، هي تعرف جيداً أن الله موجود».
المبررات وراء الاهتمام الكبير بالقطط
يُمكن تجسيد محبة القطط بسلوك «إسرا» الفتاة التركية التي تعمل كمُصففة شعر، تجلس خارج الصالون الذي تعمل به لتُقدم الطعام لقطتين تقوم برعايتهما في أوقات فَراغها. تقول عن سلوكها هذا إن هذه الرعاية هي ما ساعدتها لتجاوز أوقاتها الصعبة، وبالنسبة لـ «نساتي» فالأمر مُختلف قليلاً فهو يضع معه بشكل يومي طعاماً للقطط لكي يُطعمهم إياه حينما يراهم في الطريق، وهو يفعل هذا لأنه يرى أن القطط مُقدسة. دافع «نساتي» هو نفسه التفسير الذي ذهب إليه تقرير صحيفة الإيكونوميست لفهم الدافع وراء الاهتمام الشديد بالقطط في إسطنبول، فتقول إنه ربما تكون تركيا ليست فريدة من نوعها في هذا السلوك، فالبلدان ذات الغالبية المُسلمة تُكرم القطط لأنها كائنات نظيفة في الإسلام. وقد نقلت الأحاديث النبوية بعض المواقف التي تشهد على هتمام النبي مُحمد (صلى الله عليه وسلم) بالقطط، كما أن أحد الصحابة لُقب بـ«أبي هريرة» والتي تعني حرفياً والد القطة، ويُقال إن قطة هذا الصحابي قد قامت بحماية النبي مُحمد (صلى الله عليه وسلم) من هجوم ثعبان عليه، وهو ما جعل هناك قول مأثور شائع يقول «إذا قتلت قطة ورغبت في تجنب الجحيم فعليك بناء خمسة مساجد». وتضيف الإيكونوميست: «وعلى نقيض ذلك كانت القطط تُكره في كثير من الأحيان ويتم التخلص منها في المدن الأوروبية بالقرون الوسطى. وبخلاف القداسة الدينية فقد دافعت القطط عن المكتبات في بعض البلدان من الدمار الذي يُسببه الفئران، وربما ساعدوا في حماية سكان المدينة من الأوبئة والأمراض التي تحملها لهم الفئران».
على عكس تقرير الإيكونوميست الذي يرى أن الاهتمام بالقطط عادة الدول ذات الأغلبية المُسلمة،
يرى
البعض أن الحضور الكبير والمميز للقطط هو علامة امتياز تخص مدينة إسطنبول، وظاهرةً يندر وجودها في مدينة أخرى، ويحلو لبعض الدارسين تشبيه اهتمام إسطنبول بالقطط بمعاملة الهندوس للأبقار في شوارع الهند.
«محمد» و«أورهان» هما زوجان من إسطنبول، لم يُحبا صخب الحياة المدنية ونمطها الآلي السريع، لذا قررا الهرب، لم يحتاجا إلى اتخاذ الكثير من الإجراءات، فقط باعا سياراتهما القديمة، واستأجرا قطعة أرض صغيرة في إقليم أنطاكيا، حيث قررا الزوجان الفرار بحياتهم لحياة أكثر هدوءاً قررا أن يُنقذا أيضاً بعض الكائنات المُحببة معهم، فقررا أن
يخصصا
جزءاً من هذه الأرض لبناء قرية صغيرة للقطط التي لا مأوى لها.
وفي القرية التي أسسها الزوجان يوجد بيوت وفيلات مُخصصة للقطط مُجهزة ومعزولة ضد المطر والحر الشديد، وزودهم عدد من ناشطي ومُحبي الحيوانات ببعض مُتطلبات الحياة اليومية للقطط واللازمة لتأمين حياتهم في القرية الجديدة.
السلوك الذي قررا محمد و أورهان اتباعه تجاه القطط ليس بالسلوك الغريب على مدينتهم وسكانها، فقد عُرفت إسطنبول بأنها مدينة القطط نظراً لحرص سكانها من الآدميين واهتمامهم الكبير بسُكان المدينة الآخرين من القطط، فبعض سكان إسطنبول يقومون بشراء
منازل
للقطط الصغيرة لكي يضمنون حصولهم على الدفء الكافي في الليالي الباردة، وليس من الغريب أن ترى ملاجئ القطط الصغيرة تصطف في شوارع الأحياء الراقية.
القطط بين اهتمام الناس وتصريحات السياسيين
كما أن المتاجر الخاصة بالحيوانات الأليفة تنظم خصومات على المواد الغذائية والإمدادات التي تحتاجها القطط خلال أشهر الشتاء. يقول أوزان وهو موظف بأحد هذه المتاجر: «لا يكون المال مُشكلة بالنسبة لبعض الناس حينما يتعلق الأمر بالقطط، وكثير من الناس يأخذون القطط المكسورة الأرجل أو المُصابة بالعمى أو التي تُعاني من مُشكلات المعدة إلى العيادة الطبية، وعندما يرون أنهم قد شُفوا بالكامل فإنهم يدعوهم للعيش في الشارع بحرية مرة أخرى». الانتشار المُبالغ به للقطط في إسطنبول هو ما زجّ بها في أحداث سياسية، إذ أدلى وزير الطاقة تانر يلدز عام 2014 بتصريحات تُلقي لوم انقطاع التيار الكهربائي خلال الانتخابات المحلية على قطة كانت تسير في محطة توليد كهرباء.
أشهر قطط إسطنبول وألقابها
ووفقاً لفيلم «kedi» فهناك 7 أنواع من القطط في إسطنبول والمشهورة بمواصفات مُعينة، ومنها: – «ساري المحتالة».. وهي قطة صفراء تتصف بكونها مُحتالة تتحرك لمهام محددة وواضحة، هدفها الحصول على الطعام والشراب، فتقوم بسرقة أو تسول أي شيء وتحصل دائماً على ما تريد. – «أسلان الصياد».. وهو قط يعيش بجانب شاطئ البوسفور، حارس المنطقة التي تتميز بمطاعم الأسماك، وهو دائم التباهي بقدراته على صيد الفئران، ويحب تشجيع المشاهدين له وهو يقتلها، ومجرد وجوده في أي مكان يُبعد الفئران عن هذا المكان. – «بينجو العاشقة».. وهي قطة نظراتها دوماً رومانسية وحالمة وتسعى للحصول على الاهتمام. – «دينزي الاجتماعي».. وهو قط يُرى دوماً أثناء لعبه بين الناس للفت أنظارهم، ينام بين الصناديق بجانب الأطفال، يتسلق سيقان الأشخاص الجالسين، يحب أن يكون محاطاً بالبشر طول الوقت. – «سيكوبات المجنونة».. وهي القطة التي لا تخاف أحد حتى كلاب المنطقة لا يجرؤون على مشاكستها، هي هادئة معظم الوقت ولكن بمجرد أن تشعر بالاعتداء فإنها تتحول إلى سيكوبات المجنونة. – «دومان الرجل المهذب».. وهو القط الذي لا يجلس إلا أمام أفخم المطاعم ويظل ينظر لرواد المطعم وللجارسونات نظرات كلها كبرياء ولكن بتركيز عالٍ إلى أن يأتي إليه أحد الجارسونات حاملاً وجبة مخصوصة له. – «جامسيز اللاعب».. وهو قط بارع جداً في سرقة الطعام من المنازل، وهو يعرف كل حركات الصراع والقتال وبارع في تسلق الأسوار والزحف من تحت الأبواب.