لا شك ان اضراب الاسرى الاداريين يختلف كثيراً عن الاضرابات البطولية التي خاضها ابطال الحركة الاسيرة خلال السنوات القاسية ولكل واحد ميزات وسمات وملامح وظروف ، من حيث المطالب والنوعيات ، وتقييم ادارات السجون والامن الاحتلالي لكلا الحالتين.
وكانت كافة الاضرابات السابقة عدا الاضرابات الفردية التي أطلقها الاسير المحررخضر عدنان ومن تبعه لاحقاً ، اضرابات مطلبية تتمحور وترتكز على تحقيق انجازات في سياق تحسين الحياة اليومية كدخول الصحف والكتب والحق في التعليم وتحسين نوعي وكمي في وجبات الطعام والخضار والفواكه واللحوم وسواها كتخفيف الاكتظاظ في الغرف والعلاج وجمع الاشقاء والزيارات التنظيمية والزيارات العائلية وتحسين اوضاع أسرى الدوريات وغير ذلك .
بينما يدرك الاحتلال ومسؤولي أمنه نوعية الاسرى الاداريين كنخبة قيادية ذات فعل وتأثير في المجتمع والشارع الفلسطيني ، بين رئيس للمجلس التشريعي ونواب الشعب وقياداته والمثقفين والقضاة والمحامين والحقوقيين والاعلاميين والدعاة والاكاديميين والمعلمين ورؤساء الجمعيات والهيئآت المحلية وقيادات العمل الطلابي والنقابي وغيرهم من النخب النوعية ، ودورهم السابق في تقوية جدار رفض الاحتلال وبقاؤه ، يسعى الاحتلال في ذات الوقت الى تفريغ الشارع من هذه النوعيات ملتقياً بذلك مع رؤى في السلطة الفلسطينية وعموده الفقري بالتفريغ على خلفية الخلافات السياسية والخصومة الفكرية كون النسبة العظمى وغالبية الاداريين ينتمون لحركتي حماس والجهاد الاسلامي ونسبة متواضعة من الجبهة الشعبية .
وتتلخص المطالب للاداريين في انهاء هذا الملف واغلاقه مستندين لسنوات نهاية التسعينيات التي بقي فيها رهن الاداري دون العشرة من الاداريين ابان تسلم يوسي بيلين لوزارة العدل في حكومة الاحتلال ، وهم يدركون صعوبة طي صفحة هذا الملف الاسود وملفاته السرية ، معركة يدرك فيها طرفي المعادلة ان عض الاصابع فيها العنوان ، وان الصمود هو الذخيرة يضاف اليها التفاعل الشعبي والاعلامي والحقوقي والرسمي ، معركة يتشدد الامن الصهيوني وادارات السجون فيها بالاستجابة للمطالب التي تختلف عن غيرها ويرون في الاداريين التحريض المركز على الاحتلال واعتبارهم البنية الصلبة الرافضة للاحتلال والداعية لمقاومته .
ويسابق خصوم واعداء الحركة الاسلامية لتهيئة الظروف المناسبة لهم من خلال تغييب الفعل والاثر الميداني للحركة ، الخصوم من حيث الرغبة في النجاح وتسجيل النقاط في أية انتخابات سياسية عامة وحتى الطلابية في الساحة ، والضغط الامني باتجاه اعادة بناء جدار الخوف ، بينما أعداء الاسلاميين وهم اعداء المشروع الوطني يمثلهم الاحتلال الراغب في تغييب الاسلاميين في السجون والمنافي ليسهل عليه ابتلاع ما تبقى من اراضي وجعل المنظمة بفصائلها وعلى رأسهم حركة فتح ضعيفة تستجيب للاملاءات وتنحني للضغوطات وتقبل بما يعرض من حلول وسط التلويح والتهديد والاعلان بقطع كافة اشكال المصالح ووقف ضخ المال السياسي .
خلفية تاريخية /
من خلال دراسة الاضرابات التي خاضتها الحركة الاسيرة ومن خلال الحضور الشخصي في جوها العام تقوم قيادات الحركة بدراسة الاجواء المناسبة لاعلان معركة الامعاء من حيث التوقيت وهو ما تشير بوصلته الى شهر ابريل وهو المتوسط بين الحرارة والبرد ، واجواء الساحة الداخلية وتهيئة نفسيات الاسرى ورفد معنوياتهم وتجنيد الاعلام والمؤسسات والاهالي لدعم خطوتهم ، ودراسة الاوضاع السياسية ومناسبتها للخطوة من عدمها .
وهنا لا بد من الحديث المقتضب عن الاضراب ما قبل الاخير في العام 2012 الذي كانت ايام اضرابه انطلاقا من يوم الاسير لنحو 28 يوما تحقق فيها الكثير من المطالب ابرزها اخراج المعزولين من اقسام الموت البطيء ، اضراب كان عموده الفقري الاسلاميين بينما كانت قلة من الفصائل فيه وسط التهديد بالفصل وقطع الراتب لمعتقلي فتح من قيادتهم والضغط لإنهاء اضراب نحو 75 منهم في سجون الجنوب وقد كان ، وفي المقام كنت شاهداً في سجن مجدو على الحالة وتداعياتها وامتداداتها في السجون والشهادة لله والتاريخ ان الاسير الفتحاوي ابو صهيب ابو كشك الملقب بالكيغين من مخيم عسكر الجديد كان من القلة النوعية ذات الحس الوطني التي رفضت البقاء دون الاضراب ولحقت بالمضربين رغم ما تعرض له من تلويح وتهديد ، فرج الله عنه.
نقاط على الحروف /
- من اللفتات الهامة والمعبرة عن تحمل قيادات الحركة الاسيرة المسؤولية كونهم شريحة اصيلة من قيادات الشعب الفلسطيني طرقهم ابواب الموت وشروعهم بالاضراب تضامنا مع الاداريين وهم بين المحكومين بالمؤبدات ومن ينتظر الاحكام القاسية ومنهم المرضى نذكر عباس السيد وحسن سلامة وعدنان عصفور .
- تأخر التفاعل للهيئآت الحقوقية والشعبية من خلال نصب خيام الاعتصام ولذلك أسباب منها ما يتعلق بالمناكفة الحزبية والرغبة في تخفيف حدة التضامن الشعبي لأغراض سياسية.
- عرقلة النشاطات والنشطاء في خيام الاعتصام بالاستدعاء والاعتقال والملاحقة بل وصلت للحكم والتغييب كما حصل مع الناشط عماد اشتيوي من جبهة النضال الشعبي مسؤول خيمة الاعتصام من الهيئة العليا والتذرع بمحاسبته لمخالفات كونه عضو في جهاز رسمي وتغطية هذه الملاحقة بغطاء من تنظيمه وتركه وحيداً.
- نجاح الاضراب يعني تحقيق انجازات للحركة الاسلامية التي شرعت مؤخرا خلال السنوات الفائتة بقيادة الاضراب وهو ما لا يروق للسلطة وفتح كونها الخصم العنيد للاسلاميين ووضعت في دولابه العصي لعرقلتها رغم قسوة معاني ما أكتبه عليهم لكنها الحقيقة المرة.
- خشية الجهات الرسمية في السلطة واذرعها من تحول الاعتصامات والمسيرات لنقاط الاحتكاك وحواجز الاحتلال بما يؤدي للخشية من انفلات الامور في غير ما يراد لها .
- ما نقل من تسريبات اعلامية عن قيادات وازنة في منظمة التحرير عن ((خوض الاداريين الاضراب لوحدهم دون تنسيق معنا )) يعني البحث الرسمي عن مبررات لعدم اسنادهم بل وخذلانهم وعدم تفعيل الملف ، ويشير للمعاملة المستندة على الاساس والانتماء الحزبي الضيق.
- التقاط الزوار والمتضامنين مع الاسرى الصور في خيام الاعتصام يشير لحالة الفخر الشخصي بالتضامن مع الاسرى بينما كانت تمثل حالة رفع العتب للبعض الذي زار الخيام على استحياء وبعد فترة طويلة اتسمت بغضب اهالي الاسرى ضد الاهمال والتناسي .
نتائج وخلاصات/
- نجح الاحتلال في تغييب اوضاع المضربين عن الاعلام والمؤسسات الحقوقية حيث عرقلت زيارات المحامين وضيقت عليهم وقامت بتشتيت المضربين في سجون عدة في غرف متباعدة لعزلهم مرتين ، وهو نجاح يعبر عن الخطة الناجحة وفي ذات الوقت عن الخشية من تسريب أية معلومة عنهم.
- أظهرت وسائل اعلام صهيونية خشية الجهات الرسمية من حدوث حالة استشهاد في صفوف المضربين ما يعني انفلات عقال الامور داخل قلاع الحركة الاسيرة والساحة الشعبية .
- تعليق الاضراب تم دون خسائر في صفوف الاسرى ودون شهداء .
- غياب التضامن الرسمي المطلوب تجاه قضية المضربين وبالتالي لم يتم تفعيل القضية رسميا دوليا وهو نقطة سوداء في هذا الملف الحساس بينما يصدع المسؤولين الرؤوس بأولوية الملف على سلم الاهتمامات الرسمية ، وفي السياق يمكن الاشارة لما قامت به حكومة الاحتلال ومؤسساته من تفعيل ملف شاليط ابان أسره لدى حماس وخطوة ابتعاث عائلات الجنود الثلاثة الذين اختلفت الى جنيف بينما لم تكلف القيادة الرسمية للمنظمة -التي تؤكد المرة تلو المرة انها الممثل الشرعي والوحيد – نفسها عناء تفعيل الملف كما يجب وتذكير الشخصيات الدولية بهم من خلال صور حية من عائلاتهم على غرار الفعل الاسرائيلي .
- ما جرى من تفعيل لتدويل ملف الاسرى كان نتيجة جهود فردية او جمعية متواضعة من نشطاء ومؤسسات بتحريك الملف من جوانبه الانسانية والحقوقية والتحذير من استشهادهم في ظل تراجع حاد في اوضاعهم الصحية أدى لموقف لم يتجاوز الاعلام وهو لبان كيمون الامين العام للامم المتحدة الداعي لاطلاق سراح الاداريين ونقطة اول السطر وانتهى الخبر .
- التضامن الشعبي رغم تذبذب مؤشر التأييد كان كما يبدو بحاجة للمزيد من التخطيط والبرامجية وتنسيق الخطوات في مختلف مدن الضفة الغربية وربما كانت هناك بعض الاعذار لهم بسبب المضايقات والملاحقات والاعتداءات التي بثتها شاشات التلفزة ووسائل الاعلام المختلفة .
- سجل الاسرى المرضى من الاداريين حالة نضالية جهادية لافتة عندما قرروا اسناد اخوانهم واعادوا جرعات علاجهم وخاضوا أياماً قاسية من الاضراب .
- يتضح من خلال الخطوات التضامنية للاسرى مع زملاؤهم غياب الخطة الطارئة لدعمهم والوقوف لجانبهم وليس كفاية ان يضرب نخبة من القيادات او اعادة وجبات الطعام ، فالاصل ان يكون بقية الاسرى عمقهم ، ألم يشارك الاداريين في اضراب 2012 برصيدهم الكامل مع المحكومين بمطالبهم ؟ سؤال والف سؤال يطرح حول الاستعداد للخطوة والاستعداد بالمقابل للاسناد.
- اخذ الاحتلال العبرة من الاضرابات الفردية حيث قدر قدرة المضربين على التحمل والصمود من خلال تجارب الاضراب الفردية ، وهو ما ساهم بحالة العناد لدى الاحتلال من الاستجابة لمطالبهم.
- أثبت الاعلام الفلسطيني بانواعه القدرة على الانتصار للمضربين عن الطعام كحالة وطنية تستحق الخدمة والدعم وكان لافتاً ارتفاع وتيرة الاهتمام بالاضراب وخيام التضامن معهم.
- وأخيرا مثل الاسرى حالة الحق بينما في المقابل مثل الاحتلال حالة العنجهية ، ويبقى السؤال من الذي إنتصر يا ترى ؟ سؤال تجيب عليه الايام القادمة عبر بيان قيادة الاضراب بعد مغادرتهم المشافي وفيه الجواب الشافي لمن يسأل عن الدليل الخافي . — .