كتبت: إكرام التميمي
اليوم سأكتب عن الفكرة الطاهرة والنساء الفلسطينيات اللواتي كتبن وكن سياقات ومن الرعيل الأول المتقدم، ولن أنسى ما تعرضت له منذ سنوات من إصابة وتهتك في جدار الرحم بعد تعرضي للضرب المبرح من قبل المستوطنين الغاضبين إثر عملية " الدبويا" أو ما يسمى " بيت حجاي" بتاريخ في 2 مايو 1980 وكنت حينها حامل في الشهر السابع، ولم يستطع أحد أن ينقلني لتلقي العلاج في المستشفى بسبب فرض منع التجوال على المدينة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، والتي اتبعها موجة من الغضب والإعتداءات التي تمت ضد الفلسطينيين من قبل المستوطنين في الخليل، وردات الفعل الوحشية من قبلهم بالبطش بالمدنيين الفلسطينيين دون رقيب أو حسيب، ولن تنمحي من ذاكرتي ما حييت خروج الجنين الغير مكتمل من رحمي، وتلك الولادة المبكرة والغير طبيعية، وحيث تم نقلي بعد معاناة طويلة وجلوسي آنذاك وحيدة في سيارة شرطة اسرئيلية، وبفضل من خاطر بحياته وقتها قريب من العائلة كان يعمل فيما يسمى بشرطة قوانين السير حينها بالخليل، وكان حكم الإدارة المدنية الإسرائيلية مطبق على فلسطين المحتلة، وبعد وصولي بعناء للمستشفى يمر من أمام ناظري ذاك المشهد وكم كان حجم الألم وأنا جالسة والجنين سوياً القرفصاء على مقعد السيارة، وجاء التقرير الطبي بأنني لن أحمل مجدداً، أو إن حملت سأتعرض وحملي لأخطار عديدة وسأبقى عرضة للإجهاضات وذاك ما حصل، وما يجعلني أذكر تلك الحادثة غياب العدالة، وكيف لم استطع حينها ولم أجد أحداً يصنفني بجريح بسبب غياب الثقافة والصحة الإنجابية في المجتمعات الذكورية، لن يستطيع أحد فهم ألم المعاناة الجسدي والعاطفي والمعنوي والنفسي الذي أحدثه ذلك في ذاكرتي وجسدي وكل ما يتعلق بشؤون حياتي وحتى اليوم تضج الصور في مخيلتي .
وأنتقل للسرد عن المشهد بالسنوات الأخيرة يقال مناضل وأسير وجريح ويشاد لهم بالبنان، أما من هن قابضات على الجمر ومن هن مثلي ورحمهن تهتك لا سلوى لهن، ولكنني جعلت من ركام الماضي جسراً للعبور ولأكون حاضراً وسأكون يوماً نجمة في المسار المضيء رغم العتمة .
تجاوزت السنون العجاف ورغبت أن أكون وأحقق ذاتي والحلم الذي راودني منذ الصغر واجتهدت من خلال مقولة من امتلك الإعلام وامتلك المال امتلك مقومات الدولة؛ وها نحن ما زلنا بعد بمرحلة بناء الذات ولطالما حماية الحريات الصحافية، وتمكين الصحافيين والصحافيات من ممارسة عملهم وعملهن الصحافي دون تقييد ووفقاً للقانون هي من أساسيات حقوق الإنسان، والحقوق لا تتجزأ ولا تنفصل عن المكون الأساس بالمجتمعات الحضارية وذات التفكير النير.
ولكل هامة انحناءات بعد عملي على مدار الأعوام صحافية وحملي هموم عديدة تجاوزت عن العديد من الإساءات والتهميش كي لا تنحرف بوصلة الفكرة، ولكن يا لشدة الغباء بين ليلة وضحاها يتم إقصاء إعلامية مخضرمة ويستبدلوها بالرجعية وليس الذكر كالأنثى.
صدمت من تسلق البعض على الفكرة الطاهرة ذات القيم التحررية الوهاجة والتي تؤمن بالتعددية الفكرية واحترام إبداء الرأي والرأي الآخر واحترام المرأة، ولم أتوقع التدهور بالعلاقات الإنسانية والحقوق الواجبة في مجتمعنا الفلسطيني ولم أتوقع أن تسوده بعض الأفكار الذكورية البشعة والتي تسلقت على استقلالية الفرد وحرية الاعتقاد والتعبير عن الرأي بموضوعية ومصداقية، وكيف تم إقصاء النساء اللواتي طالما حملوا على عاتقهن هموم الوطن وجنبا إلى جنب مع الشريك الرجل؛ بل وتجاوزات البعض من العقول الرجعية التي لا تؤمن بقدرات النساء الفلسطينيات، وفي ليلة ظلماء وأظنها كانت غاضبة مزمجرة لما آل له الحال ببعض النساء ليقبلن بذكورية سياسية وتبعية، وأن يتقبلن أن يكن مجرد عدد في قائمة انتخابية الذكور فيها ثلاث عشر عضواً، والنساء هن مكملات للكوته وعددهن ثلاث .
الفكرة المنيرة والطاهرة تعطي الحق مناصفة للرجل كما هي المرأة؛ وألوم هؤلاء النسوة وكلي ألم، لم يا أخيتي ترتضي لنفسك ولمن عملن طويلاً من أجل إحقاق العدالة مناصفة في أقل تقدير؟ ولماذا لا تنتصر المرأة للمرأة؟ وكان الأوجب أن تثابري وتجتهدي مع قريناتك من الرفيقات بأن تمثلي المرأة بكامل أبجدياتها، أو تكوني أنت لا غيرك.
كم يحزنني ما حصدت بعض النساء من أصوات ضمن ما يسمى كوته، جل ذلك ساهم وسيساهم على المدى القريب بتراجع العمل النسوي الجامع للأطر كافة وسيجبر من استسهل السهل القليل على الرضوخ للإملاءات بأن تبقى النساء في تبعية للذكورية المشبعة بالأنا، إن قرار الفلسطينيات أجدى أن يبقى رهن إرادتهن الحرة ولسنا بحاجة لعبودية تعيدنا لقوامة الرجعية .
لقد تابعت العديد من الآراء حول مفهوم العدالة التي هي مطلب الفلسطينيات بشكل عام وعلى مدار السنوات العجاف، والمرأة القيادية بشكل خاص لها وعليها بقول كلمة حق في ذات الشأن، ولكن أغلبيتهن صمتن والبعض منهن ممن لم يستطعن الفهم العميق لمفهوم العدالة، وهذه مؤشرات تدلل على ضرورة تكثيف الجهود بغربلة المواقف الصامتة وتغليب القوى والسياسات الناعمة بإنصاف الأغلبية الصامتة اللواتي لا حول لهن ولا قوة، والنساء الفلسطينيات منهن من هي الجديرة؛ والحديث والقائمة تطول ممن هن قد تناط بهن والحديث مطولاً، واختصر هنا الحديث بومضة أطالب برؤية نسوية واضحة وحتى لا نبقى في حصار الفكرة والجدلية القائمة بالتحيز دائماً للرجل ولعلنا نجمع بضرورة فض الاختلاف على جوهر الفكرة النقية، والعمل ما أمكن لتمكين وحماية المشروع الوطني بتكاملية المشاركة الفاعلة لكلا الجنسين وضرورة التأكيد بضمان حق الترشح والانتخاب ضمن النظام و معايير النزاهة والشفافية للمرأة الفاعلة، والعمل على ضمان الحفاظ على كرامة النساء، وحماية الإنجازات التي سعت لها التجمعات الفكرية والتشاورية في الأطر النسوية قبل فوات الركب .
وأخيرا: أقولها صراحة دائماً يكون خيار الرجل هي المرأة الأضعف كي تبقى بحاجه له، وحتى يبقى هو صاحب القرار، وهذا لن يكون يوماً منصفاً للنساء القويات اللواتي يستطعن قيادة السفينة وحماية الشراع في وجه الرياح العاتية، وحتى لو انحنت إحداهن احتراماً لمن هم رفاق بالنضال، ولكن نحن حملنا ذات القضية، وأنا أقولها ما هادنت ولا استسلمت يوماً للطاغوت الرجعي الذي قد يحطم حلمي، وأمل شقيقات الدرب الفلسطينيات الماجدات حارسات الثورة والفكرة الطاهرة .