عبد الستار قاسم
يستمر ترامب في متابعة قراراته المعادية للشعب الفلسطيني. إنه لا يتوقف عن معاداة الشعب الفلسطيني وذلك بالانتقاص من حقوقهم الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف. منذ أن قرر نقل سفارة بلاده إلى غربي القدس وهو يتمادى بإجراءاته التعسفية والمهينة للشعب الفلسطيني. قلص المبالغ التي تدفعها الولايات المتحدة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين على الرغم من أن أمريكا صوتت عام 1948 للقرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. ونشطت عبر سنوات في البحث عن حل لمشكلة اللاجئين علما أن كل مقترحاتها وأفكارها بهذا الخصوص لم تكن مقنعة بالنسبة للفلسطينيين.
وطفقت أمريكا تضغط على دول من أجل التجاوب معها ونقل سفاراتها إلى غربي القدس. وترامب توقف عن صرف مساعدات للسلطة الفلسطينية وأغلق مكتب منظمة التحرير في بلاده. وهو ينشغل كثيرا بما يسمى صفقة القرن ويرسل موفديه إلى المنطقة العربية لإقناع بعض حكام العرب بجدوى الصفقة وإقناع الفلسطينيين بها. وواضح أن بعض حكام العرب قد اقتنعوا منذ فترة طويلة بما يخطط له ترامب، وهم مستعدون لاستعمال أموالهم كأداة ضغط على الفلسطينيين لكي يقبلوا خططه. وكان واضحا أن أبو منشار ولي عهد السعودية والذي حاز مؤخرا على لقب جديد وهو أبو فرن قد تشبع بالمقولات الترامبية الصهيونية وهو في الولايات المتحدة. هذا الصغير أخذ يتحدث بالتاريخ وتوصل إلى نتيجة أن الديار المقدسة الفلسطينية ملك لليهود وليست للفلسطينيين. وطلب من الفلسطينيين أن يخرسوا، عقل الله لسانه.
من الناحية الآيديولوجية، ترامب مقتنع تماما أن فلسطين التاريخية والتي هي أرض كنعان والتي تمتد وفق أطالس أهل الغرب والصهاينة من جنوب طرابلس الشام إلى العريش تعود لليهود وليس للعرب. هو ليس مقتنعا بأن فلسطين الانتدابية التي أقامها ورسم حدودها البريطانيون والفرنسيون والتي تبلغ مساحتها حوالي 27000 كم2 فقط لليهود، وإنما أغلب الجزء الغربي من بلاد الشام ومعه دمشق وسهل حوران وشمال الأردن وشمال سيناء بما في ذلك العريش لهم. هو قد يكتفي الآن بفلسطين الانتدابية، لكنه ومن شابهه من الصهاينة يضمرون آيديولوجيا خطيرة على بلاد الشام والحجاز. تدخل الحجاز تحت الخطر لأن الصهاينة اليهود يقولون إن أباهم إبراهيم هو الذي أرسى قواعد البيت وذلك بتوافق مع المسلمين، وهذا يملكهم الكعبة والمسجد الحرام.
فماذا نتوقع من ترامب في السنين القادمة إن بقي رئيسا للولايات المتحدة. علما أن هذا الشخص ليس ديبلوماسيا، وهو شخص عملي مغامر يورط نفسه ويورط الآخرين معه. ترامب يؤيد الاستيطان في الضفة الغربية ويشجعه بخاصة أن الضفة الغربية هي الجزء الأقدس من كل فلسطين الانتدابية بالنسبة لليهود. ولهذا سنشهد من ترامب تأييدا لمشاريع الاستيطان الصهيونية، وسيؤلب الصهاينة على المزيد من ابتلاع الأرض وزيادة عدد سكان المستوطنات. ومن المحتمل أن تقدم أمريكا معونات مالية للاستيطان، والكونغريس الأمريكي لن يعارض ذلك وأعضاؤه دائما يسعون لإرضاء الجمعيات اليهودية والصهيونية القائمة في الولايات المتحدة.
وترامب مع يهودية دولة الصهاينة، ويرى أن الكيان الصهيوني يجب أن يبقى يهوديا أو عبريا خالصا بدون شوائب قومية تفسد عليه راحته. إنه يرفض آيديولوجيا بقاء الفلسطينيين في فلسطين، والمفروض البحث عن مكان لهم يجمعهم خارج حدود فلسطين الانتدابية. هو لم يقل بعد إنه مع طرد الفلسطينيين وتصفية قضية اللاجئين، لكنه سيقول. وما دام الأمر كذلك، فإنه من المتوقع أن يؤيد تسريع عملية تهويد الضفة الغربية لكي يقوم فيها كيان استيطاني جديد يعيش في حضن الكيان الصهيوني القائم تمهيدا لدمج الضفة الغربية بالكيان الصهيوني. هو سيدعو إلى تمكين المستوطنين ليسيطروا على الضفة الغربية بالكامل بقوة السلاح المسنودة من قبل الجيش الصهيوني، وذلك تمهيدا لإنشاء كيان جديد يتمتع بحكم ذاتي في الضفة الغربية. وهذا حكم ذاتي سيحل محل الحكم الذاتي الفلسطيني، وسيكون مسؤولا عن إدارة شؤون السكان الفلسطينيين المدنية والدينية واليومية. وطبعا هذا يعني إزالة منظمة التحرير تماما وإكمال المشوار الذي بدأته منظمة التحرير ضد نفسها، وإخراج السلطة الفلسطينية من المعادلة.
هذا الحكم الذاتي الاستيطاني سيمارس المزيد من أعمال القمع والإفقار ضد الشعب الفلسطيني لدفعهم خارج البلاد. وبعد حين سيقوم الكيان الصهيوني بخطوات إدارية يبتلع فيها سلطة المستوطنين، وتصبح فلسطين بحدودها الانتدابية كلها معروفة بالكيان الصهيوني. ومن اعترف بسيادة الصهاينة على مرتفعات الجولان، لا يجد صعوبة بالاعتراف بالضفة الغربية كيان المستوطنين.
عندها سينام ترامب مرتاحا هادئ البال، وفي حضنه خونة العرب.