د. خالد معالي
في الوقت الذي تستعد فيه غزة للمسيرة المليونية في الذكرى ال 43 ليوم الارض، وتستعد الضفة لمسيرات على نقاط التماس وحواجز الاحتلال، تواصل جرافات المستوطنين قضم ما تبقى من الارض الفلسطينية في الضفة لصالح التوسع الاستيطاني وبناء دولة المستوطنين على حساب ما كان يفترض ان تقام فيه دولة فلسطينية خلال خمس سنوات من عمر اتفاق "اوسلو" والذي مضى عليه 25 عاما.
ما يهم "نتنياهو" وما يريده هذه الايام هو عدم تعكير صفو الانتخابات، في جلب المزيد من اصوات الناخبين له، وافضل الحلول له مع غزة هو عدم القيام بالحرب فهي مكلفة وليس وقتها، وعدم القيام بتنازلات علنية، خشية ان يستخدمها خصومه ضده في دعايتهم الانتخابية، والحل الامثل له هو ان يتنازل بالسر ومن تحت الطاولة، وهو ما يضمن ان تبقى اصوات ناخبيه في صندوقه الانتخابي.
يوماً بعد يوم يتضح أن "نتنياهو" يعبّر حقيقة عن مكونات نفسية المحتلين المشتاقة للمزيد؛ من ظلم الشعب الفلسطيني وتهجيره وطرده في منافي الأرض؛ وترك ما تبقى من الفلسطينيين بلا أرض يتشبثون بها، وهذا كان نتاج طيلة 25 عاما من الماوضات عبر اتفاقية"اوسلو"، بينما نجحت غزة في طرده من داخلها.
بعد 43 عاما على يوم الارض، ومع إطلالة كل شمس يوم جديد في الضفة، يتم فرض الوقائع على الأرض بقوة السلاح والإرهاب من قبل المستوطنين؛ وصار للمستوطنين صولات وجولات في مختلف المناطق، والمحبب لهم على الدوام هي الأرض.
الاستيطان يتوحش، ويأكل اليابس والأخضر، ولا مجال للمزيد من الضعف والانقسام؛ ولا مجال للتأني وإطالة الوقت؛ وعلى الجميع – قبل فوات الأوان- سرعة التوحد ضمن برنامج وطني موحد؛ يظل الجميع دون اجتهادات فردية أو حزبية؛ فيد الله مع الجماعة؛ وليس مع المشتتين المنقسمين الذين يهدرون طاقاتهم في خلافات جانبية، وفبركات وتشويه والتصيد والانتقاص من الاخ لاخيه.
تحلّ ذكرى يوم الأرض في ذكراها ال 43 والاستيطان ينتعش بشكل غير مسبوق ولم يحدث مثله سابقاً؛ وذلك كما وعد "نتنياهو" "ناخبيه" من المستوطنين والمتطرفين في دولة الاحتلال في كل مرة تجري فيها انتخابات.
يوم الأرض الخالد؛ يحييه الفلسطينيون منذ عام 76 وحتى الآن في كافة المناطق؛ تحت شعار "إنا باقون، ما بقي الزعتر والزيتون"؛ وهو ما يتوجب الحفاظ على ما تبقى من الأرض بحمايتها من الاستيطان وجعله مكلفاً وباهظاً؛ وليس رخيصاً ومريحاً كما هو حاصل الآن.
ماذا تبقى أكثر من هكذا صراحة؛ عندما يصرّح "نتنياهو" بكل وضوح وصلافة وعنجهية؛ ويقول: لا عودة لحدود 1967، ولا تراجع عن توحيد القدس باعتبارها عاصمة لدولته المزعومة، ولا وقف للاستيطان، ولا لعودة اللاجئين.
الإعلان عن ضم الجولان السوري للاحتلال من قبل ترمب، والمصادقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس والضفة، ومحاولات تقسيم الحرم القدسي، وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وتجريفها، في القدس والضفة والنقب والداخل المحتل؛ كلها عناوين المرحلة المقبلة، وقد يتم ضم الضفة ما دام لا يوجد ثمن يدفعه الاحتلال، فضم الجولان تم بلا ثمن وحتى الاستنكارات باتت باهتة جدا.
المستوطنون فرحون بالاستيطان الرخيص؛ وتزداد عربدتهم كل يوم؛ ولا حسيب ولا رقيب عليهم، وصاروا يسرحون ويمرحون ويجرفون المزيد من الأراضي، في مختلف مناطق الضفة الغربية، ويعتدون يومياً على مركبات المواطنين ويغلقون الطرق متى شاؤوا، ويعربدون، وكل ذلك بحماية جيش الاحتلال الذي لا يتدخل إلا في حال تعرّض المستوطنين للخطر، بينما غزة تتحرش بالاحتلال وتقصفه في عقر داره وقلب كيانه في تل ابيب، وتقوم بمسيرة مليونية على محيط غزة، في بوصلة صحيحة حتى كنس الاحتلال.