الرئيسية / الأخبار / فلسطين
رمضان في نابلس لوحة فنية بنكهة الماضي وصبغة الحاضر
تاريخ النشر: الخميس 03/07/2014 06:01
رمضان في نابلس لوحة فنية بنكهة  الماضي  وصبغة الحاضر
رمضان في نابلس لوحة فنية بنكهة الماضي وصبغة الحاضر

 نابلس_

ضحى أبوزنط

"حلوا يا حلوا رمضان كريم يا حلوا".. واحدة من تلك الأغاني الشعبية التي كان يرددها الأطفال في الشهر الفضيل، حينما كانوا يجوبون الشوارع وهم يرتدون أكياس قماشية تمتلأ بقطع الحلوى والسكاكر، فرحين ومبتهجين بها، في عادة قديمة من عادات أهل نابلس الرمضانية، حيث كان الأهل يستخدمون ثمرة البطيخ صغير الحجم لصناعة الفوانيس، يقومون بالتخلص من الحشوة وعمل فتح تشبه النوافذ بها وتلوين الطبقة الخارجية ووضع الشمع بداخل الثمرة، عوضا عن الفوانيس التي يتم استيرادها من الخارج كالصين.

وبالرغم من التطورات والتغيرات التي نشأت مع الزمن، الا أن مدينة نابلس ما زالت تحتفظ بمظاهر رمضانية تميزت بها عن باقي المدن الفلسطينية، لا يشعر بنكهتها الا من عاش في هذه المدينة، فبمجرد قدوم شهر رمضان بل و قبل ايام من ثبوت رؤية الهلال، ينتاب المواطنون صغيرا كبيرا فرحا و بهجة عارمة يُلاحظ  ذلك وبشكل ملفت المتجول في أنحاء المدينة حيث تزدان شوارع المدينة بالزينة بالزينة وتعلق عبارات المديح بالرسول الكريم و غيرها من العبارات الدينية، و يتسارع المواطنون بشراء الاضواء الخاصة بالشهر الفضيلة حيث لا يلق المواطن جهدا بالحصول عليها، فهذه الأضواء تمتلأ بها المحال التجارية والمكاتب وهي على عدة أشكال و أحجام منها الهلال و منها قبب المساجد، يسارع المواطن النابلسي الى تعليقها على نوافذ بيته يف اشارة منه الى ابتهاجه و سعادته لحلول شهر رمضان_ شهر الرحمة والغفران، ولو أخذت صورة مكبرة للمدينة ليلا لوجد أنها تمتلأ بالأضواء والزينة في مشهد ساحر يشعر الإنسان بالقيمة الكبيرة التي يحظى بها الشهر الفضيل في قلوب النابلسين.

ولا تقتصر المشاهد المميزة في الشهر الفضيل على البيوت و الشوارع المضيئة، بل إن أسواق المدينة تكون على أهبة الاستعداد قبل حلول شهر رمضان ببضعة أيام، و تغيير حلتها لتلبس الحلة الرمضانية الشهيرة، فتمتلأ رفوفها بأشهى أصناف المأكولات والمشروبات التي يشتهيها الصائم كالعصائر مثل الخروب والتمر الهندي والليمون والسوس، والتمور والمكسرات والمسليات التي يرغب الصائم بتناولها خلال السهرات والجلسات الرمضانية التي تقام بعد الافطار، كما وينشط عمل محال الحلويات في شهر رمضان، ويتهافت الناس لشراء الحلويات منها خاصة فترة قبل الافطار.

"أرغب بتناول الحلويات الرمضانية "كالقطايف و الكلاج بعد الافطار، وفي فترة السحور و أشعر انها تعطيني قدر لا بأس به من الطاقة و النشاط طوال يوم الصيام" لهذا يجد السيد ابو ناصر  32 نفسه يقف يوميا امام محل بيع الحلويات في نابلس ليشتري الحلويات التي تزوده بالطاقة و الحيوية طوال فترة صيامه، وتعوضه عما فقد جسمه من  سكريات خلال فترة الصيام كما ويضيف أبو ناصر بان جميع افراد اسرته يرغبون بتناول الحلويات خاصة القطايف  بعد  الافطار مباشرة، فبدونها لا تكتمل وجبة الافطار، كما أنها تضفي نوعا من البهجة و السعادة لدى افراد الاسرة خاصة عند قيام ربات البيوت بصناعتها يدويا في البيت.

وتنشط في شهر رمضان المبارك حركة الأهل والأقارب والزيارات العائلية، و تقام العزائم وتفرد الموائد و تزخر بما لذ و طاب من اصناف المأكولات، و بعد الافطار عادة ما يجتمع الاقارب في سهرات رمضانية تمتد أحيانا الى ما قبيل الفجر، يتسامرون و يشاهدون فيها المسلسلات الرمضانية ويتناولون فيها الحلويات و الفواكه و التسالي في جمعة يلتم بها شتات الأسرة بعد مضي أشهر كثيرة فرقتهم بها مشاغل الحياة عن بعضهم البعض.

و أكثر ما يميز شهر رمضان تلك العادة الاجتماعية التي تختص بها مدينة نابلس و هي" فقدة رمضان"، حيث تستقبل المرأة أقربائها من المحارم بعد الإفطار أو قبله في زيارة خاطفة يقوم بها الأب والأخوال والأعمام بزيارتها و تقديم الفقدة لها و التي بالأغلب تكون عبارة عن نقود أو ملابس أو فواكه أو مواد تموينية بعض لوازم البيت..

السيدة منى 45 عام تقول ان ما يقدمه لها أقاربها من المحارم في فقدة رمضان يعينها الكثير، حيث تقوم بشراء ما يلزمها من النقود التي توفرها من مبلغ الفقدة، و تقول: " أعان الله أقاربي على ما يتكبدون من نفقات في سبيل توفير الفقدة لي و لقريباتهم من المحارم، فبالرغم مما نعيشه من وضع اقتصادي صعب الا انهم لا يتوانون لتقديم الفقدة لقريباتهم في كل سنة و شراء ما ينقصنا من لوازم البيت"، و تضيف منى مازحة: "كثيرا مانحن معشر النساء نشكر الله عزوجل أن جعلنا إناثا و ليس ذكورا، لأننا نحن من نأخذ الفقدة في كل سنة لا من نعطيها و نتكبد عنائها كحال الرجال أعانهم الله"!

من جهة اخرى فإن العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية في شهر رمضان تتنافس في فرد موائد الرحمن وعمل الإفطارات الجماعية رغبة وطمعا  بنيل الأجر وعملا بما جاء بالحديث الشريف: "من فطر صائما كان له مثل أجره"، ويقوم القائمين على هذه الافطارات بتقديم الوجبات الغذائية للصائمين و العصائر والتمور والحلويات، و تتخل هذه الافطارات مسابقات ثقافية وفقرات ترفيهية وقد تتبعها امسيات رمضانية التي تحتوي على الابتهالات الدينية و الفقرات الفنية كالوصلات الفنية الغنائية الوطنية أو الإنشادية الدينية.

ولا تقتصر المظاهر الرمضانية في مدينة نابلس على العادات الاحتفالية و الجمعات العائلية، بل إن لهذا الشهر مكانة دينية عظيمة لدى أهالي المدينة، فمساجد نابلس لها رونق خاص في هذا الشهر، اذا انها تمتلأ عن بكرة ابيها في المصلين، حتى أن بعض الأهالي يقومون باصطحاب أطفالهم الى صلاة التراويح بعد صلاة العشاء رغبة بتعويدهم منذ الصغر على القيام بهذه الشعائر الدينية، وعلى سبيل التشجيع فان الأهل يقومون بشراء "الفتاشات" و الالعاب الرمضانية لصغارهم بعد أدائهم لصلاة التراويح، وهذا يشعرهم بالبهجة و السعادة ويزرع في قلوبهم و ذاكرتهم حب رمضان و شعائره الدينية، كما اعتاد النابلسيون على أن تشجيع أطفالهم في سن مبكرة على الصوم بدءا بما يسمونها " درجات الميدنة " وهي ما يعادل نصف نهار أو أقل بقليل، ويحرص الأهل على ايقاظ اطفالهم لتناول وجبة السحور معهم، إحياء لسنة رسولنا، وعملا بالحديث الشريف: "تسحروا ففي السحور بركة"، و يسمع في وقت السحور قرع طبلات المسحرين الذين ما زالوا يتوزعون في جميع ارجاء المدينة وحاراتها، مرددين لبعض العبارات لكي ينبهوا النائمين على وقع أصواتها، إضافة إلى وجود مدافع السحور والإمساك.

تنتاب الأهالي حالة من الحزن في نهاية شهر رمضان الكريم بعد أن كانوا قد استقبلوه وعاشوا أيامه بحذافيرها و ملؤا أوقاته بكل الخير والمودة والاحسان، من بدايته وحتى حلول ليلة القدر التي عادة ما تصادف السابع والعشرين من شهر رمضان في المساجد بدءا بتناول إفطارهم فيها، والإكثار من الأدعية والصلوات وقراءة القرآن الكريم حتى مطلع الفجر. وحاليا يقوم العديد من الأهالي بتقديم التصاريح لعلهم يتمكنون من الذهاب إلى القدس لإحياء هذه الليلة المباركة في المسجد الأقصى المبارك.

و يهرع المواطنون في اواخر الشهر الفضيل لاستعداد لعيد الفطر السعيد وذلك بشراء ملابس العيد الجديدة و مستلزمات العيد العديدة و تقوم ربات البيوت بإعداد كعك العيد و تنسيق البيت لاستقبال ضيوف العيد.. أما أجواء العيد في جبل النار فلها حكاية أخرى..!

 


المزيد من الصور
رمضان في نابلس لوحة فنية بنكهة  الماضي  وصبغة الحاضر
رمضان في نابلس لوحة فنية بنكهة  الماضي  وصبغة الحاضر
رمضان في نابلس لوحة فنية بنكهة  الماضي  وصبغة الحاضر
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017