عرب ٤٨ / الأناضول
جابت آلة العود رحلة طويلة على مدار آلاف السنين، بين الشرق والغرب بعد أن طورها العرب في شكلها الحالي، ويواصل صناع الآلة اليوم، بـ"الترحال" منتقلين من مدينة حلب السورية، إلى إسطنبول التركية.
وتسببت الحرب الدائرة في سوري، بلجوء الشاب عبد العزيز محمد جميل حداد، وشقيقه عز الدين، إلى تركيا، ليزاولا المهنة التي ورثاها عن والدهما، وفتح أسواق جديدة، بعد أن ضاقت الأمور في حلب.
آلة العود التي تعتبر من الآلات الشرقية المهمة، هي أساسية في الموسيقى التركية التقليدية والشعبية، وكان لها انتشار واسع زمن العثمانيين.
وتكاد لا تخلو فرق الموسيقى الشرقية منها، حيث تم الحفاظ على الآلة في المنطقة، ونقلها للشعوب الأخرى.
وفر السوق التركي الكبير، لعبد العزيز وأخيه فرصة كبيرة من أجل الوصول للمواد الأولية اللازمة، لتحول أناملهما، بطريقة فنية مبدعة، تلك الأخشاب الصماء، إلى آلات تعزف عبر أوتارها، نغمات الشوق والحنين والحب.
وفي ورشة بأحد أحياء إسطنبول، يتم تصنيع الأعواد، إلى جانب آلة القانون، فعبد العزيز مختص بالأعواد، وعز الدين في القانون، يعملان سويًا على تلبية الطلبات من السوق التركي، والأسواق العربية.
وبعد شراء الأخشاب المناسبة، تخضع لعملية التقطيع والتشريح، ومن ثم الإحناء حراريا، ثم جمعها وترتيبها وصقلها، وشد أوتارها بحسب الطلب، ليتم وضع اللمسات الأخيرة، عبر ضبط الأوتار، والعزف على المقامات التي تؤكد جهوزية الآلات.
وفتحت المواد اللازمة، مع الإمكانيات المتواجدة في تركيا، الطريق لتصدير الآلات خارج تركيا، وخاصة الدول العربية، وهو الأمر الذي ليس متاحا في الوقت الحالي داخل سورية الممزقة بالحرب.
وقال عبد العزيز الذي بدء العمل في تصنيع الآلات الموسيقية يدويا في إسطنبول: "والدي يصنع آلتي القانون والعود وعندما كنت صغيرا اكتسبت الخبرة منه وتعلمت المهنة".
وأضاف "عندما كبرت ووجدت التطورات في سورية، جئت إلى تركيا، وباشرنا في العمل بإسطنبول، والحمدلله هناك تصدير للدول العربية وهناك متاجر تركية تشتري منا الآلات".
ويوضح: "عندما كنت في حلب قررت العمل في هذه الصنعة، وكنت أتقنها، في البداية كانت الأمور صعبة، من خلال إيجاد الأدوات اللازمة والمطلوبة، ولكن بعدها تيسرت الأمور".
وتابع مضيفًا: "ما جعلني أباشر في العمل أيضا هو السوق العربي، حيث إن العرب يرغبون بالعود الشرقي (السوري)، خاصة مع رغبتهم عزف أغنيات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز، فيجدون الشرقي مناسبًا له".
ولفت إلى أن "العود التركي يركز على التكنيك، فهناك طلب للعود الشرقي، ويزورنا الزبائن العرب، نعزف سوية وندردش معهم ويشترون، وهناك طلب دفعني ذلك كله للبدء بهذا العمل".
وحول ما يميز العود السوري، أوضح "تتميز بصوتها الشرقي المتميز، وحنية العود، والزند أيضا عياري، أي إذا خرب الدوزان (الضبط) يعود لوضعه، والقياسات صحيحة دقيقة".
وتطرق إلى مراحل صناعة العود بالقول: "هي صناعة يدوية، يصل الخشب ويتم تشريحه، ثم ثنيه، ليجمع عبر القوالب، ويفك منها، ويتم صقله وتطعيمه، وإضافة الزند وبخه، ووضع الفوجه والفرس والطبشة والمناوي والأوتار، ليتم الدوزان أخيرا".
وبشأن توافر المواد والأخشاب بتركيا، قال عبد العزيز،: هناك توافر كبير لكافة أنواع الأخشاب، أكثر من سورية، مثل السيسم، والورد، في سوريا موجودة ولكن بشكل نادر جدًا، والمواد هنا مختلفة وأفضل.
وعن الطلب العربي للأعواد قال إن "العود السوري له صوت شرقي مختلف، وكلما كان العود حنونًا يكون أكثر طربًا، لذا يتم التصدير إلى دول عربية مثل فلسطين، والمغرب، والأردن، والجزائر، والسعودية، وداخل تركيا توزع في بورصا، وأنقرة، وغازي عنتاب، ومرسين".
وختم بالقول "هناك إقبال من الأتراك على العود العربي، لأنه مختلف عن التركي، العود التركي تكنيك وفيه رخامة، فبعض الأتراك من العازفين والأساتذة جاؤوا لزيارتنا، واستمتعنا بالعزف، ووجدوا الصناعة السورية رائعة".
أما عز الدين، فقال من ناحيته عن صناعة آلة القانون: "كنت في سورية قبل القدوم لتركيا، وفكرة صنع الآلات في تركيا كانت مطروحة، لأن العمل ووسائل الشحن غير متوافرة في سورية، ولا توجد إمكانية التصدير للدول العربية وأوروبا".
وأردف "ولكن هنا البلاد منفتحة على أوروبا والعالم العربي، ووسائل الشحن متوفرة، وبدأنا العمل هنا بالعود حيث نواصل عملنا".
وعن آلة القانون ومميزاتها قال "هناك اختلاف بين آلة القانون العربية والتركية، من ناحية الحجم والماكينة، وفي الدوزان، وحتى الصوت مختلف بينهما، القانون العربي طربي، والقانون التركي فيه قوة أكثر".
وأشار إلى أن المحال التركية والمعاهد فيها طلب، وهي تستهدف السياح والزائرين عامة، الطلاب يحبون العزف على القانون السوري، والعمل هو على التصدير بشكل كبير للدول العربية، إلى جانب".
وختم بالقول "عرض علي صناعة القانون التركي، ولكن حاليا مشغول بالقانون السوري، ولكن بالمستقبل سأعمل على الأمر".