رامي مهداوي
2019-05-04
الأحداث الأخيرة - التي لن أخوض في قضيتها - في قرية جفنا جعلتني أكتب هذا المقال عن القرية التي أعشقها وأحترم أهلها، وحتى أكون مباشر وباختصار شديد هذه القرية تتراجع بشكل واضح في مختلف القطاعات للأسف، وهنا أتحدث عن الفترة الزمنية التي أعرفها أواخر التسعينيات مقارنة بالوقت الحالي، رغم المحاولات المستمرة لأبنائها باستنهاض ما يمكن استنهاضه.
بالتأكيد المسؤولية أولاً وأخيراً تقع على عاتق أهل البلدة، لكن علينا معرفة الأسباب التي أدت الى هذا التراجع الملحوظ في الزراعة، البنية التحتية، الأمن والاستقرار، المهرجان السنوي، السياحة، البيئة، التعليم والعديد من التفاصيل التي بحاجة الى دراسات مختلفة من أجل استخلاص الدروس والعبر.
للأسف، هذا التراجع أشبه ما يكون بحالة إهمال ـــــ مقصودة أو غير مقصودة ـــــ فالتنمية الريفية يجب أن تكون تنمية متكاملة ومستمرة؛ أي أن تتكامل خطط وآليات التنمية العمرانية في الريف مع خطط وآليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية لها. وذلك من خلال الإستراتيجية الوطنية للدولة وهذا ما لا أشاهده بطبيعة الحال في أغلب القرى الفلسطينية.
لكن أن تتراجع التنمية بمفهومها الشامل في بلدة مثل جفنا يجعلنا جميعاً مُتهمين وليس فقط أهلها، لأن حال هذه القرية يجب أن يتطور الى الأمام وليس التراجع الى الخلف، فالحديث عن الآفاق وتصورات تنمية المناطق الريفية كله خطط على ورق ولا يوجد أي فعل على أرض الواقع.
تنمية جفنا والقرى المحيطة بها، وجميع القرى الريفية بشكل عام وبحالتنا الفلسطينية هو صمود ومقاومة تجاه الاستيطان السرطاني الاحتلالي. لهذا لا بد من النزول إلى واقع الناس بهذه المناطق من أجل ملامسة وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية.
هناك ضرورة تنموية للاستماع لاحتياجات أهالي جفنا ومواقفهم ونظرتهم للأشياء، إلى أنينهم وآهاتهم ومشاكلهم. فلمصلحة من يتم إهمال كنيسة بيزنطية تم بناؤها بالفترة التي تم بناء كنيسة القيامة والمهد في القرن الثالث الميلادي ولا يوجد أي اهتمام من الزاوية السياحية.
هل من المعقول أن أول مشروع تأخذه القرية منذ 10 سنوات هو تعبيد طرق داخلية بمسافة 2 كيلومتر ونصف فقط!! وشوارعها الرئيسية والداخلية أشبه بحفر متلاصقة ببعضها البعض؟! هل تعلم بأنه تضاعف عدد القرية في آخر 10 سنوات أضعافا ولم يتم تطوير البنى التحتية للماء والكهرباء من حيث كمية الاحتياجات لكي تتواءم مع الازدياد السكاني!!
ماذا عن شهرة جفنا بمشمشها المستكاوي؟ مهرجان المشمش توقف للعام الثالث على التوالي الذي تم تنظيمه أول مرة في العام 1985 بمبادرة من الراحل سلامة شقير الذي يعتبر أحد مؤسسي نادي جفنا، هذا المهرجان تحول الى مهرجان ثقافي ولوحة فنية للصمود من خلال دعم المنتوجات المحلية بطرق ترفيهية مختلفة ممتعة للعائلة الفلسطينية. ورغم كل هذا توقف بسبب عدم القدرة الأمنية على حمايته رغم وجود رجال الأمن وعدم محاسبة المخربين!! وكما قيل باختصار لا نريد "وجع راس" للبلد!!
من يقرأ التاريخ يجد بأن جفنا تم هدمها 7 مرات عبر العصور المختلفة، أخشى بأننا من خلال عدم الاهتمام بمتطلبات هذه القرية سنعمل على تهجير أهلها بشكل غير مباشر، وهذا هو الهدف الأساسي للعقلية الصهيونية التهجير غير المباشر وبقناعة فردية.
عندما نتحدث عن تنمية جفنا فنحن نتحدث عن تنمية الهوية الفلسطينية وهذا أقل الواجب تجاه أبناء شعبنا، على الحكومة الحالية أن تقف بجدية أمام المعضلة الدائمة تنمية الريف كجزء من تعزيز جذورنا بأرضنا في مواجهة "البلدوزر" الإسرائيلي الذي يريد اقتلاعنا.