بقلم: تيسير نصر الله / عضو المجلس الوطني الفلسطيني
يُحيي الشعب الفلسطيني عموماً، وأبناء المخيمات واللاجئون على وجه الخصوص، ذكرى النكبة الواحدة والسبعين بمزيد من الإصرار والعزيمة على التمسك بالحقوق الوطنية الراسخة رسوخ الجبال، في عقول كل الفلسطينيين، وبنفس الوقت تزداد الضغوط وتحاك المؤامرات ضد قضية شعبنا الفلسطيني في محاولة جديدة لشطب حقوقنا وتصفيتها والنيل من إرادتنا، خاصة مع التقاء المصالح الإسرائيلية والأمريكية، والسعي إلى تجاوز القرارات الدولية الخاصة بفلسطين التي أقرتها المنظمات الدولية وعلى رأسها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتأتي هذه التطورات الخطيرة في ظل انشغال العديد من الدول العربية والإسلامية بقضاياها الداخلية والمشاكل المفتعلة، وقيام بعض هذه الدول بفتح أبوابها لحالة غير مسبوقة من التطبيع مع عدو الأمتين العربية والإسلامية الذي يحتل جزء من أرضها في فلسطين ولبنان وسوريا، والسعي لخلق "عدو" جديد وصناعة تحالفات جديدة، تصبّ جميعها في خدمة المشروع الاستعماري الإسرائيلي، للاستمرار في نهب ثروات شعوب الأمتين العربية والإسلامية.
ولعل أحدث هذه المؤامرات هي صفقة القرن، أو ما أطلق عليها الخطة الأمريكية للسلام، والتي بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنفيذها قبل ان يتم نشرها، ولقد مست هذه الصفقة كل مكونات القضية الفلسطينية المقدسة، وضربت كل القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، وكأنها، وهي كذلك، تشبه الوعد الذي قطعه وزير خارجية بريطانيا بلفور للملياردير اليهودي روتشيليد عام 1917م بمنحه وطن قومي لليهود في فلسطين، فقد أعطى من لا يملك لمن لا حق له ولا يستحق أرض فلسطين، وجرّاء هذا الوعد حدثت النكبة وتشرّد الشعب الفلسطيني، واغتصبت فلسطين على أيدي عصابات الحركة الصهيونية المجرمة، التي ارتكبت المجازر تلو المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني الآمن في وطنه، كل ذلك حدث بدعم وتواطؤ من حكومة بريطانيا.
وها هو التاريخ يعيد نفسه من جديد، مع تغير في الجهة التي قطعت الوعد الجديد " وعد ترامب"، حين أصدر قراراً باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده إليها، وطالب بإلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأونروا "وعمل على تجفيف مواردها المالية، وطالب الدول بعدم دفع الأموال لصندوق الوكالة، كي تصل إلى درجة الإفلاس وتوقف برامجها في مخيمات اللاجئين وأماكن سكناهم، وشرعنة الاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية المحتلة في محاولة مكشوفة لضم المستوطنات إلى الكيان الصهيوني الغاصب، كما حدث مع الجولان السوري المحتل حين اتخذ قراراً بضمه إلى " إسرائيل "، هذه هي معالم صفقة القرن التي يُبشرّ بها ترامب، وهي تشكل خطرا وجوديا جديدا على القضية الفلسطينية برمتها، وتلغي ما كان يسمى ب " حل الدولتين " إلى الأبد، فعلى أي بقعة من الأرض ستقام الدولة الفلسطينية؟ إن هذا الوعد الصفقة والصفعة في آن معاً، جاء لينسف كل الجهود الدولية التي قامت عليها عملية السلام.
لقد فاجأ موقف القيادة الفلسطينية الرافض لصفقة القرن الإدارة الأميركية، ويبدو أنها لم تكن تضع هذا الموقف في الحسبان، ولعلها كانت تراهن على حالة الانقسام الفلسطيني الذي سببّ ضعفاً وشرخاً في الساحة الفلسطينية، بعد أن راهنت على حالة الضعف العربي وتساوق البعض معها؛ ولكن صلابة موقف الرئيس ابو مازن ومعه حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية أفشل هذا الرهان، وحال دون دخول أطراف أخرى لدعم الصفقة؛ ولعلّ موقف بعض الدول الأوروبية والصين وروسيا واليابان، إضافة لموقف بعض الدول العربية والإسلامية تجاه دعم صندوق الأونروا كان حاسماً باتجاه انحياز العالم لاستمرار عمل الوكالة باعتبارها أحد شهود نكبة اللاجئين الفلسطينيين؛ وعملها مرهون بالحل العادل لقضيتهم. لقد انحاز العالم لصالح قراراته التي أصدرها عبر عشرات السنين والتي نصّت على اعتبار الأراضي الفلسطينية عام 1967م هي أراض محتلة، وأن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين تأتي من خلال تنفيذ القرار الأممي رقم 194 بعودة اللاجئين إلى ديارهم التي طُردوا منها عام 1948م وتعويضهم؛ وأن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية التي يجب أن تقام في حدود الرابع من حزيران عام 1967م، وأن الاستيطان الإسرائيلي غير شرعي، لذا فإن إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يتم إلا عبر تنفيذ قرارات المجتمع الدولي وليس التنكر لها وتجاوزها بأفكار وصفقات لا تخدم إلاّ بقاء الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية.
إن الرد على صفقة القرن وقانون العنصرية الإسرائيلي يكون بإنهاء الانقسام وتنفيذ اتفاق القاهرة عام 2017، واتخاذ حركة حماس موقفاً واضحاً برفض كل ما يترتب على هذه الصفقة المؤامرة، فالقضية الفلسطينية هي قضية سياسية بامتياز وليست قضية اجتماعية أو إنسانية أو إغاثية أو اقتصادية، فلا حل لها إلا الحل السياسي المبني على قرارات الشرعية الدولية، الأمر الذي يُحتّم على المجتمع الدولي أخذ المبادرة لعزل الإدارة الأمريكية وإفشال صففتها، والضغط على الحكومة الإسرائيلية لتذعن لإرادة المجتمع الدولي، من خلال الدعوة لعقد مؤتمر دولي تشارك به الدول الكبرى، وإلاّ فإن المنطقة ستبقى في دائرة الصراع والحروب مما سيؤثر على السلم والأمن الدوليين.
وفي ذكرى النكبة الواحدة والسبعين يُجدد الشعب الفلسطيني عهده بعدم التنازل عن حقوقه الوطنية المشروعة مهما طال أمد الصراع، فلا حل إلاّ الحل الفلسطيني، ولا سلام إلاّ السلام الفلسطيني، ولا استقرار في المنطقة إلا بعد نيل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة غير منقوصة.