د. خالد معالي
بداية، لا يصح مقارنة ما يملك الاحتلال من سلاح عسكري مادي، بما تملك المقاومة في غزة من اسلحة عسكرية، لكن يصح مقارنة قوة المقاومة من ناحية الارادة والعزيمة والاصرار على نزع الحرية من حلق عدوها، والحرب النفسية وتحييد قوة الاحتلال العسكرية والمتمثلة بسلاح الطيران عبر سلاح الانفاق، واستنزاف الاحتلال بجولات متتالية وليس معركة كسر عظم دفعة واحدة، حيث رأينا كيف ينتقم الاحتلال من مقاومة غزة في كل جولة يخسرها، بقتل المدنيين وهدم العمارات السكنية الضخمة.
كيف نفسر تصريحات "زئيف ألموغ" القائد الأسبق لسلاح البحرية "الإسرائيلي" في مقاله بصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، بان "إسرائيل "خاضت مع حماس تسع جولات عسكرية في قطاع غزة، وكل عملية أكثر فشلا من سابقتها؟! أليس هذا اقرار بفشل الاحتلال بخطر المقاومة المتعاظم، بفعل دقة تخطيط المقاومة وفهم نفسية الاحتلال، وعدم الارتجال والفهلوة في امور حساسة فيها تحرير وطن لاحق، ان احسنت المقاومة ادارة الجولات.
لو كانت دولة الاحتلال تملك التفوق التكنولوجي على مقاومة غزة، فلماذا عجزت عن اعتراض صواريخ المقاومة، والطائرة التي اطلقت قذيفه نحو مدرعة، وصوارخ الكورنيت الذي ضرب مركبة عسكرية، وكيف نفهم دعوة "ألموغ " قائد بحرية الاحتلال السابق بالتفكير خارج الصندوق لتحدي ومواجهة قوة المقاومة البحرية المتنامية.
وان كان الاحتلال متفوق كيف نفسر عدم قدرته على معرفة مكان جنوده الاسرى في غزة التي هي محاصرة جوا وبرا وبحرا، ومغطاة بالكامل من قبل طائرات الاحتلال الاستطلاعية على مدار الساعة!؟
صحيح انه لا يصح تعظيم قدرات حماس العسكرية اكثر من اللازم – احيانا الاحتلال يستخدم هذا الامر لتبرير اجرامه- وهو ما دفع احد عملاء امريكا للقول ان حماس توجه صواريخها الباليستية للخليج، ولا يصح الاستخفاف بقدرات دولة الاحتلال في المجال التقني العسكري، بل المطلوب على الدوام التعامل مع قدراتها في المجالات المختلفة كما هي دون تهويل ومبالغة يصل حد الهوس؛ لان ذلك يقود دولة الاحتلال للانتصار مسبقا ودون حرب، عبر الحرب النفسية والتي هي أحد أسس الانتصار في الحروب.
نصر بلا معركة، هكذا يعتقد الاحتلال انه بامكانه هزيمة المقاومة، حيث يحاول جيش الاحتلال بكل ما أوتي من قوة، إتقان فن الحرب النفسية بهدف تثبيط العزائم، والاستسلام والإذعان له، خاصة كذبة تفوقه في مختلف المجالات وتحديدا التقنية العسكرية منها.
مع كل جولة لعدوان الاحتلال على غزة، ما عادت تنطلي على أحد كذبة الجيش الذي لا يقهر لتفوقه التكنولوجي وامتلاكه أسلحة لا تقهر ولا تجابه؛ فهذه الأكاذيب عفا عليها الزمن؛ خاصة بعد إخفاق الاحتلال في حربه العدوانية الاخيرة لمدة يومين على غزة والحرب العداونية عام 2014، طيلة 53 يوما من القصف الجوي والبحري والأرضي دون أن يحقق أيا من أهدافه التي أعلنها.
دائما الاحتلال يروج إلى نجاحاته الاستخباراتية والعملياتية، وانه اليد الطولى يصل لكل من يفكر بمحاربته، ولا ينشر اخفاقاته التي جعلته يخشى غزة المحاصرة جوا وبرا وبحرا، فصارت هي من تحاصره بدل ان يحاصرها، مع ادراكنا ان ثمن الحرية كبير، ولا تقاس الجولات بالخسائر بل بتحقيق الاهداف.
الاحتلال يعمل بالمثل القائل :"أكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدق الآخرون"، وتصريح "آفي ديختر" قائد الشاباك السابق لدى الاحتلال بانه سيقوم بنكبة ثالثة للفلسطينيين، بعد ان نجحت المقاومة بقصف منزله المسروق من الفلسطينيين، وهذا يدل على مدى دقة صواريخ المقاومة ونجاحها، وان قادة الاحتلال صاروا يهددون ولا يفعلوا، بينما كانوا في السابق يفعلوا ويشنوا الحروب، ومن ثم يهددوا.
يا الله، كيف الزمن دوار، والايام دول، فكيان الاحتلال ما عاد قويا كالسابق، فصار يضرب من قبل الفلسطينيين بالصواريخ، فقد انتهت فترة الشباب والفتوة، وما يسمى ب"اسرائيل" الآن دخلت في مرحلة الشيخوخة والانكماش والاندثار، كما قال ابن خلدون في مقدمته.