رامي مهداوي
2019-06-01
مجدداً، يفاجئنا نبيل عمرو - العم أبو طارق - بملف جديد يستخرجه من ذاكرته التي تجاوزت 70 عاماً، تلك الذاكرة التي لن يستطيع الصينيون أو الروس وحتى اليابانيون اختراع ذاكرة تستوعب هذا الحجم من الذاكرة، التي أصبحت على شكل ذكريات يقوم بتمريرها لنا بأساليب مختلفة جميلة ممتعة شيقة، والآن يخرج ملف ذكريات النكسة على شكل سردية أحداث كان هو مشاركاً ولاعباً متعدد المواقع فيها بعنوان "وزير إعلام الحرب".
ما كتبه عمرو ليست رواية بالمفهوم الكلاسيكي بما يجب أن تحتويه الرواية من عناصر ومكونات، حتى نهاية السردية جعلها مفتوحة من خلال الشخصيات التي تحدث عنها باستمرار حياتها، كل حسب المكان الذي أراده أن يكون به، وحتى من غادروا الحياة في سردية عمرو جعلهم الكاتب أحياء بأشكال مختلفة، أهمها أن القضية الفلسطينية بشكل خاص والقضايا العربية بشكل عام ما زالت تنبض... تنبض... تنبض...
سردية الحروب في الوعي الجمعي الفلسطيني مُشكلة بنسب عالية ومتقاربة بالقصص، عندما انتهيت من قراءة "وزير إعلام حرب" تذكرت سردية أبي عن تلك الفترة، وكيف كان جدي لاعباً أساسياً أيضاً، خصوصاً أنه امتلك خبرة قتال الشوارع في حيفا عام 48، وكيف لعب دوراً مختلفاً في 67 داخل قهوته "قهوة أبو عطا" التي يعرفها ليس فقط أهل قريتنا شويكة، وإنما طولكرم وبالأخص مخاتير منطقة الشعراوية.
ذاكرة نبيل عمرو في هذه السردية التي تحدث عنها بحيز مكاني محدد، أستطيع أن أقول: إنها كانت تمثل الكُل الفلسطيني في كيفية التعاطي مع النكسة، وكيف استيقظ الفلسطيني من الوهم أو أحلام اليقظة التي كان كل فلسطيني وعربي يرسمها، حتى أنا القارئ وقعت في فخ السردية بأني كنت أقرأ على أمل الانتصار في الحرب على الرغم من أن النتيجة ما زلنا نعيشها على أرض الواقع!!
يدخلنا العم أبو طارق في عالم المواقف المتصارعة والمتناقضة التي صدرت من مختلف الشخصيات. في لحظة ما من السردية تدرك أن تلك المواقف المتصارعة ما زال الشارع الفلسطيني يعاني من نتائجها حتى هذه اللحظة... ليس فقط على الصعيد السياسي وإنما الاجتماعي أيضاً وهو الأخطر بالنسبة للنسيج المجتمعي" يا حبيبتي حلّاق ولاجئ وبدو يناسب جابر أبو الجود".
حتى في كيفية تعاملنا وتعاطينا مع المعلومة والجهة التي قدمتها لنا، وهذا أيضاً ينطبق على واقعنا الحالي على الرغم من أن العالم أصبح قرية صغيرة، إذا ما تمت مقارنة المذياع في ذلك الوقت وأي إذاعة يجب أن نسمع، نجد نجاح صفحة "المنسق" على الفيسبوك باجتذاب العديد من المتابعين له، وهذه الجدلية التي أدخلنا بها الكاتب ما بين "إذاعة إسرائيل" وأحمد سعيد، وهل كان المطلوب زراعة الوهم؟؟ "أحياناً يكون الرضا بفعل تواطؤ مع الذات".
لو كنت أستاذ علم اجتماع أو إعلام في الجامعة، لجعلت من "وزير إعلام الحرب" متطلباً للقراءة والعمل على إعادة صياغة السردية كل حسب الشخصيات الموجودة، اعتماداً على سردية العائلة القادم منها الطالب، مع إيماني بأن شخصيات نبيل عمرو كانت هي المجتمع الفلسطيني وليس مجتمع بلدته دورا، ففي كل قرية ومخيم ومدينة سنجد: أبو علوان، نعيم، فواز أبو الجود، عبد الشقي، السكرتير يوسف، سرحان، جابر أبو الجود.
لا أعتقد أن سردية العم أبو طارق انتهت في نهاية العمل عند صفحة رقم 196، على يقين تام بأنه سيخرج لنا مجدداً بأعمال جديدة من ذاكرته وذكرياته التي تفيض بأحداث ووقائع مليئة بالمفاجآت؛ تجعلنا أسرى متابعة إنتاجاته الكتابية كما كنّا نفتخر بحضوره الإعلامي الوطني الفتحاوي في الزمن الماضي الجميل.