نشر موقع "ناشيونال إنترست" مقالا للباحثة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط في جامعة كامبريدج، بورسو أوزكليك، تقول فيه إن هناك فرصة لإسرائيل وتركيا للاعتراف بتوافق المصالح الجديد.
وتقول أوزكليك في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "في الوقت الذي تصل فيه الحرب الأهلية في سوريا إلى نهايتها، فإن هناك عدم وضوح حول مستقبل البلد، ما يشجع على إقامة تحالفات جديدة واختبار علاقات قائمة".
وتشير الكاتبة إلى أن "كلا من إسرائيل وتركيا تحدان سوريا، ولهما مصالح استراتيجية في التسوية التي تسفر عنها نهاية الحرب، ومع أن إسرائيل وتركيا لا تنقصهما الخلافات على مدى العقد الماضي، إلا أن كلا منهما ترغبان في رؤية استقرار عبر حدودهما مع سوريا، لكن لكل منهما مجموعة مختلفة من الأولويات بناء على ضروريات الأمن القومي والضروريات الجيوسياسية، وكيفية سير الأمور لها تداعيات كبيرة للاستقرار في سوريا ما بعد الحرب، ويجب أن يكون ذلك محط اهتمام لأمريكا، الحليفة لفترة طويلة لكل من إسرائيل وتركيا".
وتلفت أوزكليك إلى أنه "من خلال اتفاقيات تعاون فإن هناك تحالف تاريخي بين إسرائيل وتركيا منذ تسعينيات القرن الماضي في سعي لتحقيق هدف مشترك: لمنع النظام السوري من القيام بأعمال عدائية ضد البلدين من خلال تحصين الحدود الشمالية والجنوبية الغربية، وكان الدور الإسرائيلي المباشر في الحرب الأهلية السورية هو إحباط تهديد تنظيم الدولة ووجود حزب الله -إيران بالقرب من الجبهة مع الجولان ولبنان".
وتقول الباحثة: "أما تركيا، فعلقت في مسرح الحرب وبتكلفة أكبر، وقامت القوات التركية بعمليتين كبيرتين عبر الحدود في الشمال السوري على مدى عامين: عملية درع الفرات وعملية غصن الزيتون’ وتسيطر تركيا على الأراضي في عفرين والمناطق المحيطة، وحشدت جيشا على حدودها البالغ طولها 566 ميلا، واستقبلت تركيا أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري منذ عام 2011، ما شكل عبئا كبيرا على الاقتصاد التركي الذي يعاني أصلا، وتسبب بتغيرات ديمغرافية لا يمكن الرجوع عنها".
وتنوه أوزكليك إلى أن "إسرائيل لم تستقبل أي لاجئين، ومع ذلك فكانت قلقة من أن مشكلة اللاجئين في الأردن قد تزعزع استقرار النظام فيه، وبالرغم من التجربتين المختلفتين بين تركيا وإسرائيل خلال الحرب الأهلية السورية فإنهما تشتركان في قلقهما بالنسبة للاستقرار المستقبلي في سوريا".
وتقول الكاتبة: "أولا، الهدف المشترك الأساسي هو حد إمكانية الحركة للمجموعات المسلحة والمليشيات غير المسلحة، وقد أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي في موضوع نشره على (فيسبوك) عام 2013 إلى أن السبب خلف اعتذاره للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن حادثة سفينة مرمرة هو الوضع في سوريا: (سوريا تتفكك وبدأت الأسلحة المتقدمة تقع في أيدي قوات مختلفة.. ومن المهم أن تتمكن إسرائيل وتركيا من التحدث معا)".
ويورد الموقع نقلا عن الباحثة في مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي غاليا لندنستروس، قولها إنه في الوقت الذي لم تتطور فيه سوريا إلى مساحة للتعاون بين تركيا وإسرائيل، إلا أنها لم تتحول إلى مجال للتنافس بين البلدين، وسبب هذا هو الأولويات المباشرة المختلفة: فإسرائيل تهتم بمحفزات الصراع في جنوب سوريا، وتركيا مهتمة بمستقبل شمال سوريا.
وتشير أوزكليك إلى أن "تركيا ترى في إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمال سوريا تهديدا وجوديا، وتسعى لضمان بقاء أراضي الدولة السورية موحدة، وتسعى تركيا لوضع حد للمكاسب التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا على الأرض، خاصة أنها تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، وهي مليشيات كردية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وتعدها تركيا وأمريكا منظمة إرهابية".
وتلفت الباحثة إلى أن "تأييد إسرائيل عام 2017 لاستفتاء الاستقلال في كردستان العراق قد وضعها في خلاف مع تركيا، فبحسب خبير تركي في السياسة الخارجية التركية تحدثت معه، فإن أنقرة تعلم أن مقاربة إسرائيل هي "الأصغر أفضل" عندما يتعلق الأمر بالدول المجاورة لها، وهو ما يعني أن تمزق سوريا إلى دويلات، أو مناطق حكم ذاتي، سيخدم أمن اسرائيل أكثر من وجود سوريا موحدة وقوية".
وتقول أوزكليك: "قد تكون مخاوف تركيا مبالغا فيها، لكن خبرة إسرائيل بالهجمات الإرهابية عبر حدودها يعني أنها تستطيع أن تتفهم التحديات التي تواجه تركيا في سوريا، وقالت لندنستروس إنه وبسبب القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا فإنه من غير المتوقع أن تتخذ إسرائيل موقفا قويا من قضية الاستقلال الذاتي الكردي".
وتبين الكاتبة أن "الأولوية بالنسبة لإسرائيل هي تفكيك تهديد حزب الله على حدودها الشمالية، وهو ما يجعل إخراج القوات الإيرانية والمليشيات الشيعية من سوريا أمرا ضروريا جدا، ومع قرب توقف الصراع في سوريا فيخشى أن تتحول أنظار الحزب إلى عدوه المعلن إسرائيل، بالإضافة إلى أنه مع انتهائه داخل سوريا، فإنه يتوقع أن يقوي الحزب من موقعه في لبنان".
وتنوه أوزكليك إلى أن "الهدف الثاني ذا العلاقة هو أن كلا من تركيا وإسرائيل ترغبان في الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وكانت الغارات الإسرائيلية، بما فيها غارة أيلول/ سبتمبر 2018 على مخازن الذخيرة في الغرب السوري، مؤشرا واضحا على نية إسرائيل أن تحافظ على هيمنتها العسكرية الإقليمية، مهملة أي رد فعل من روسيا، وبعد هجوم على مخزن أسلحة إيرانية بالقرب من مطار دمشق الدولي في كانون الثاني/ يناير أعلن نتنياهو أن القوات الإسرائيلية هاجمت (أهدافا تخص إيران وحزب الله مئات المرات)".
وتفيد الباحثة بأنه "مع أن تركيا تتبع لتحالف يدعم إيران، إلا أنها متخوفة من ثأثير طويل الأمد لإيران في سوريا، بالإضافة إلى طموحات الهيمنة الإقليمية لإيران، وسعت تركيا لأن تضع حدا لتمدد إيران، لكنها واجهت نكسات بفشلها في الإطاحة بنظام الأسد".
وتشير أوزكليك إلى أن "القيادة الإسرائيلية لديها عدد قليل من الحلفاء في محاولتها مواجهة تثبيت القوة الإيرانية-حزب الله في سوريا، ولكن هذه مساحة تشترك فيها مصلحة تركيا وإسرائيل، وبحسب رئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية نمرود غورين، فإن (الإسرائيليين يميلون للمبالغة في علاقة تركيا مع إيران، وتركيا تميل للمبالغة في علاقة إسرائيل مع الأكراد في شمال سوريا) وتجاوز هذه المفاهيم الخاطئة سيفيد الطرفين في بناء ثقة متبادلة، مهما بدا هذا الأمر صعبا على المدى القصير، ما سيفيد الدولتين في وقت يتم فيه تشكيل البنية الأمنية الجديدة في سوريا".
وتقول الكاتبة: "ثالثا، تؤيد كل من الدولتين عملية سياسية للانتقال إلى ما بعد الحرب، ومن منظور براغماتي، تدرك الدولتان أن بشار الأسد قوى من قبضته على المناطق التي خسرها لصالح المعارضة في معظم أنحاء البلاد، وأن لا بديل لقيادته".
وتستدرك أوزكليك بأنه "بالرغم من المصالح المعقدة المشتركة المتعلقة بمستقبل سوريا، والتعاون في مسألة المصادر الطبيعية والاستثمار والتجارة، إلا أن هناك عددا من العوامل على المستوى الإقليمي والمحلي تعقد على المدى القصير التقارب بين إسرائيل وتركيا".
وترى الباحثة أن "الوضع الحالي يعتمد على ما تخبئه روسيا لسوريا، وبالرغم من الخطاب العام، إلا أن علاقة تركيا مع الجيران العرب ليست جيدة، والتنافس التاريخي يضع حدا للتأثير التركي، واضطرت تركيا للميل نحو روسيا لتعديل بوصلتها، بعد أن ارتكبت أخطاء خلال الربيع العربي، ولكسب أهمية استراتيجية في مستقبل الجار السوري، وتستمر تركيا بالميل نحو روسيا، الأمر الذي يختبر موقع تركيا بصفتها عضوا لفترة طويلة في حلف الناتو".
وتلفت أوزكليك إلى أن "إسرائيل، بالإضافة لعلاقتها المتميزة مع أمريكا تحت رئاسة ترامب، حسنت من علاقاتها مع روسيا، في محاولة للحد من النفوذ الإيراني، وقد طمأنت روسيا إسرائيل من أنها ستمنع إيران وحزب الله من فتح جبهة جديدة مع إسرائيل، لكن تأثير روسيا على نظام الأسد ليس أمرا واضحا، ما يجعل وعودها لتركيا أو إسرائيل غير مضمونة".
وتنوه الكاتبة إلى أنه "في الوقت ذاته تحسنت علاقات إسرائيل مع دول الخليج، وهو ما يشير إلى منعطف مهم، وتقيم إسرائيل علاقات تجارية مع الكثير من الدول، حتى وإن لم تكن هناك علاقات دبلوماسية، وجزء من شبكة العلاقات هذه هي مصر، التي تحاول العودة لتكون لاعبا إقليميا مهما، وبتصرفها بصفتها وسيطا مع حركة حماس، فإن مصر سحبت من تركيا بطاقة أساسية، وهي اللعب بصفتها وسيطا في السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومع عودة مصر الى الصورة فإن إسرائيل تعلمت التخفيف من الاعتماد على تركيا في الوساطة مع قيادة حركة حماس في غزة".
وتبين أوزكليك أن "هناك عقبات محلية في كلا البلدين أمام تحسين العلاقة بينهما، فتركيا تعاني من ركود اقتصادي، وأكدت الانتخابات البلدية الأخيرة الانقسام في الرأي في البلد، وقد يلجأ حزب العدالة والتنمية إلى لفت انتباه ناخبيه الساخطين عن طريق اتخاذ موقف معاد لإسرائيل، وفي الوقت ذاته فإن اسرائيل تعاني من المشكلات لمقاربة أحادية تجاه صناعة السياسات، وما ساعد على ذلك هو إدارة ترامب، وهو ما أضعف الفصائل الحمائمية في إسرائيل، ومن المبكر القول قبل إجراء الانتخابات المزمعة في البلدين إن كانت تلك الانتخابات ستخفف من الضغط الشعبي، وتشجع التعاون في المصالح الاستراتيجية المشتركة".
وتجد الباحثة أن "هناك سببا آخر للغموض، وهو عدم معرفة كيف ستكون ردود أفعال الدول في المنطقة للإعلان الوشيك عن تفاصيل (صفقة القرن) لحل الصراع العربي الإسرائيلي، الذي فكر فيه المفاوض الرئيسي وزوج ابنة الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، وستجد تركيا من الصعب العمل مع إسرائيل إن أنهت الصفقة حل الدولتين".
وتشير أوزكليك إلى أن "تركيا وإسرائيل تعاونتا في الماضي عندما كانت مصالحهما المشتركة أهم من خلافاتهما قصيرة الأمد، ولا يبدو حاليا أن هناك أسبابا كافية لعلاقة أكثر قربا، وبحسب خبير في تركيا كان يعمل في تل أبيت، فإن (الله وحده يعلم) ما الذي يخبئه المستقبل للعلاقات التركية الإسرائيلية".
وتستدرك الكاتبة بأنه "بحسب سيناريو غورين، فإن سيناريو أن تطلق إسرائيل وتركيا قناة للحوار الاستراتيجي والسياسي بشأن سوريا سيعود على البلدين بمنافع (تخسرها البلدان بسبب أزمتيهما المشتركة)، إن نهاية الحرب السورية ستوفر فرصة لإسرائيل وتركيا للاعتراف بتلاق جديد للمصالح".
وتختم أوزكليك مقالها بالقول إنه "يمكن لأمريكا أن تؤدي دورا فعالا في تقريب البلدين لتسهيل الاستقرار في سوريا، خاصة ضد النفوذ الإيراني المتنامي، وواضح أنه بالرغم من الخطاب اللاذع، فإن التعاون في المجالين الأمني والسياسي سيصبح أمرا ضروريا في الفترة القادمة".