ربيع عيد
قضى السفير البريطاني الجديد في إسرائيل، نيل ويجن، يومه الأول في منصبه سفيرًا لإسرائيل، في المشاركة بمسيرة الفخر الإسرائيليّة بمدينة تل أبيب. وفي مقابلة قصيرة معه في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (16 حزيران/ يونيو 2019)، قال فيجن عن مسيرة الفخر: "كان من الرائع في يوم عملي الأوّل أن أحتفل بقيم المساواة والتنوع، بالإضافة إلى قضاء وقت ممتع". وفي الصورة الملتقطة له خلال المسيرة وسط الجموع المحتفلة، يظهر السفير مرتديًا كنزة كُتب عليها "الحب شيء عظيم"، إلى جانبها العلم البريطاني.
الحب وقيم المساواة والتنوع شيء عظيم حقًا؛ لكن في السياق الإسرائيلي لاستخدام هذه القيم من خلال مسيرة الفخر والعزف على لحن حريّة التعددية الجنسيّة، هنالك قصة أخرى؛ قصة تبييض صورة إسرائيل والاحتلال.
لا شكّ أن دولة إسرائيل في السنوات الأخيرة، تحوّلت إلى وجهة سياحيّة مركزيّة لعشرات آلاف السيّاح من المثليين/ات والمتحولين/ات جنسيًا، الذين يأتون تحديدًا للمشاركة في مسيرة الفخر السنويّة في شهر حزيران. وأصبحت مدينة تل أبيب تُعرّف كعاصمة من عواصم المثليين حول العالم. لم يحدث هذا التحوّل الضخم في هذه السياحة صدفة، بل هو نتاج عمليّة صناعة سياحيّة استهدفت هذه الشريحة.
إلى جانب ذلك، عملت الحكومة الإسرائيلة ومؤسسات مرتبطة بها، على عمليّات تسويق ودعاية إعلاميّة إسرائيليّة مدروسة لها أجندتها السياسيّة في ما بات يُعرف بسياسة الغسيل الوردي Pink Washing، التي تطمح لتغيير صورة إسرائيل في الغرب والعالم من صورة دولة احتلال أو منطقة حرب إلى صورة دولة حديثة عصريّة جذّابة، حيث يأتي السياح من كل العالم للاحتفال في "عاصمة المثليين في الشرق الأوسط" ويقضون تجربة سياحية مدهشة، ليعودوا بعدها إلى بلدانهم ويصبحون سفراء لإسرائيل.
هذه كانت واحدة من الإستراتيجيّات الرئيسية التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية في بداية سنوات الألفينيات بهدف محاربة حركة مقاطعة إسرائيل عالميًا: التسويق لـ"بضاعة" الحرية والتعددية الجنسية والمساواة، من خلال الاستثمار في مسيرة الفخر في تل أبيب، ما يفيدها على المستوى السياسي والاقتصادي، أيضًا.
هذه الإستراتيجيّة اتخذت خطواتٍ عمليّةً عديدة من بعثات وحملات واستضافات وغيرها من أنشطة يطول شرحها للترويج للبروبوغندا الإسرائيليّة، التقت كلّها مع مع ظاهرة عالميّة هي صناعة السياحة في دول ما بعد الاستعمار التي كرّست من حالة اللامساواة وأعادت خلق منطق استعماري جديد من خلال عمليات صناعة السياحة وممارسات يقوم فيها السيّاح القادمون غالبًا من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الدول التي كانت مُستعمرة من قِبَل دولهم في السابق. ينعكس ذلك، أيضًا، في السياحة المثليّة التي أصبح لها سوقها الخاص في ظل العولمة الاقتصاديّة بعد تغيّرات جرت داخل الرأسماليّة التي غيّرت من مبناها السابق القائم على الغيريّة الجنسيّة لتحتوي فيه الهويّات الجنسيّة المثليّة بهدف توسيع السوق.
طبعًا تبقى ادعاءات إسرائيل و"بضاعتها" حول "الدولة المتحضرة والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تحمل قيم الغرب المتنور الليبرالي" كاذبة وغير حقيقية، ما دامت الأجساد الإسرائيليّة تستطيع أن تحتفل في مسيرة الفخر في تل أبيب بكل حريّة بينما الجسد الفلسطيني محاصرٌ في غزّة ومقتولٌ عند الشريط الحدودي، أو ينتظر ساعات يومية على حواجز الإذلال ومعتقلٌ كل يوم في الضفة الغربية، أو مُهددٌ بالهدم والإخلاء والتهويد في القدس، ومحاصرٌ في غيتوهات في اللد والرملة ويافا، ولاجئٌ في أصقاع الأرض.
وبالعودة إلى سعادة السفير، المحب لـ"الطعام الإسرائيلي" كما يقول في المقابلة ومشاهدة المسلسلات الإسرائيليّة على شبكة "نيت فلكس" لإتقان اللغة العبريّة مثل مسلسل "فوضى" الذي يصور عمل وحدة المستعربين في جيش الاحتلال، يقول إنّ عودته للعمل في إسرائيل (عمل سابقًا ملحقًا في السفارة البريطانية في تل أبيب ومن ثم سفيرًا في الكونغو) هو إغلاق دائرة بعد زواجه من إمرأة إسرائيليّة، وعودته هذه مثل عودته لوطنه. وعبّر عن سعادته للعمل في هذه الفترة التي تشهد فيها علاقات إسرائيل وبريطانيا علاقات ممتازة ومثيرة (أحد أشكال هذه العلاقات صفقات بيع الأسلحة لإسرائيل من قبل الحكومة البريطانية والتي وصلت قيمتها العام الماضي قرابة 18 مليون دولار).
إسرائيل ستكون سعيدة بسفراء من هذا النوع لديها، فنيل ويجن ليس سفير بريطانيا لدى إسرائيل فقط، بل أصبح من يومه الأول سفيرًا للدعاية الإسرائيليّة حول العالم.
عرب 48