صدقت سفيرة البحرين السابقة في واشنطن، هدى عزرا نونو، في قولها إنها لحظةٌ تاريخيةٌ أن ترى صلاةً مع رقصةٍ تلموديةٍ في كنيس في بلدها، الأربعاء الماضي، اليوم الثاني لأعمال ورشة المنامة عن السلام والازدهار إياهما. أما أن تأدية الصلاة كانت مناسبةً عاطفيةً لها، على ما قالت، فهذا أمرٌ يخصّها، وما لا يخصّها أبداً هو تاريخية هذه الواقعة، لا بالمعنى الذي أوحت به السيدة نونو، سليلة العائلة البحرينية اليهودية العتيقة، وإنما لزوبعةٍ من المغازي التي نطق بها مشهد الصلاة والرقصة، ومنها أن الكنيس الذي بُني في 1930 صعُب، منذ اعتبرته وزارة الثقافة البحرينية التي يعود إليها أحدث ترميمٍ له قبل خمس سنوات "معلماً سياحياً"، أن يتوفّر "نِصاب" أداء الصلاة فيه، أي عشرة من مواطني المملكة اليهود، وهم الذين بالكاد يصل عددهم إلى أربعين فرداً، ليصلّوا فيه. وبعد نجاحها، إبّان كانت سفيرةً في الولايات المتحدة، في جمع ولي عهد البحرين ووزير الخارجية مع مسؤولين وفاعلين إسرائيليين، ها هي تنجح، بعونٍ من صحافي إسرائيلي مستضافٍ إلى الورشة، في جمع خمسة حاخاماتٍ ومعهم رجال أعمال ومراسلو تلفزات، وقبل هؤلاء، مبعوث الرئيس الأميركي ترامب إلى الشرق الأوسط (وإلى الورشة حُكماً)، جيسون غرينبلات، ليؤدّوا الرقصة بعد طقوس صلاة الصباح في الكنيس، ثم يغتبط المبعوث المذكور، وهو يُخبرنا مغرّداً إنه "صلّى من أجل عائلته ومن أجل السلام"، وإن التضرّع الذي قام به في الكنيس البحريني كان "فرصةً رائعة"، وختم بأن هذا هو "المستقبل الذي نستطيع أن نبنيه معاً".
وحكاية المستقبل في غبطة غرينبلات تزدحم بمخاطر غير خافيةٍ، فالهتاف الذي تردّد في أثناء الرقصة الطقوسية اليهودية (التاريخية حقاً) في صالة الكنيس غير المستخدم غالباً، كان يُحيي إسرائيل وشعبها الحي، "تعيش دولة إسرائيل". وهذا إنجازٌ إسرائيلي كبيرٌ وغير مسبوق، ما كان له ليصير لولا أن حكام البحرين استجابوا لمطلب الحاكمين في العربية السعودية، استضافة محفل السلام والازدهار، والإنصات مع المدعوين إلى بدائع جاريد كوشنر عن النعيم الغزيز الذي سيغرق فيه الفلسطينيون، وجيرانُهم، من فرط ما سيتوفر لهم من رغد. وكوشنر بالمناسبة احتاج (وزوجته التي اعتنقت اليهودية) إلى فتوى من حاخامٍ أجازت له حضور حفل تنصيب حماه، دونالد ترامب، رئيساً للولايات المتحدة. والبادي أنه آثر أن يكون علمانياً صرفاً، وهو يحيط العالم علماً بما ستحققه خمسون مليار دولار ستتجمّع في عشر سنوات للفلسطينيين وبعض جيرانهم، فيما آثر رفيقُه في صناعة صفقة العصر، غرينبلات، مسحةً من الدين، وهو المتديّن حسب الظروف، في غضون مناسبة نشر السلام هذه التي يسّرتها مملكة البحرين. والظاهر أن تديّن المسؤولين الأميركيين، اليهود الكثيرين منهم، غزير، وكثيراً ما يعمدون إلى تظهير تضرّعهم، وهم في غضون الخوض في قضايانا، نحن العرب، فليس منسياً أن المبعوث الأميركي الأسبق للشرق الأوسط، دينيس روس (الناشط أخيراً ضد دولة قطر)، كان يفعلها، ويقطع مداولاته مع الفلسطينيين، إبّان همّته الشهيرة من أجل سلامهم مع إسرائيل، ليؤدّي طقوس صلاته اليهودية.
إنما أراد غرينبلات، في الصلاة والرقصة في الكنيس البحريني، أن يوضح أن المملكة الخليجية هي النموذج الذي يصلح للمستقبل المُراد، هي البلد الذي يُتاح فيه التغنّي بإسرائيل، وببقائها، ليس فقط في قاعة فندقٍ ينشغل مستضافون فيها بترويج السلام والازدهار، وإنما أيضا في كنيسٍ، غير خاضع للاستخدام إلا نادراً، وأيضاً على شاشات تلفزاتٍ إسرائيليةٍ، يتحدّث فيها وزير خارجية المملكة، خالد آل خليفة، أن إسرائيل وُجدت لتبقى. ولمجتهدٍ أن يخمّن، أو يرجّح على الأصح، أن عضو مجلس الشورى البحريني، اليهودية، نانسي خضوري، أصابت تماماً في قولها مرة إن النظام في بلدها يستعمل أبناء الجالية اليهودية لفتح علاقاتٍ في إسرائيل.. وهذه صيحات الفرح بإسرائيل الباقية، مع مزامير تلمودية، بحضور واحدٍ من صهاينة الإدارة الأميركية العتيدين، جيسون غرينبلات، تدلّ على صدق هذا الكلام.معن البياري