تظم الحروف بعضها وراء بعض لتنتج كلماتً متنوعة، ثم تتجمع هذه الكلمات لتكوّن جملاً ففقرات فنصوصاً تتألف في كتاب، فتصل بقارئها الى عالم المعرفة، ولكنّ هذه المعلومات تظلّ حبيسة الأوراق ما لم تجد من ينشرها، ويقدّمها إلى النور، لتزداد بها المعرفة الإنسانية، ومن هنا يتوجّه كاتبها إلى مَنْ يقدّمها إلى العالم في كتاب مطبوع.
لا شك بأن صناعة الكتب في فلسطين التي تعكس الدور الثقافي لها، مازالت تعاني قلّة التطوّر، لأن الاستثمار بهذه يحتاج الى سوق واسعة تتوفر فيها مواصفات خاصة لتسويق السلع الثقافية، ولعلّ أبرز الأسباب التي تقف وراء هذه الصعوبة هي الآتي:
أولاً: واقع دولة فلسطين منذ زمن، فالوضع فيها غير مستقر لا سياسياً ولا اقتصاديا، ما أوجد للمؤلفين أسباب الهجرة الثقافية خارج حدود دولتهم باحثين عن الانتشار الثقافي الأوسع، وعن المردود المعنوي والمادي الأكثر من خلال ذلك الانتشار.
ثانياً: الكلفة العالية في مراحل انتاج الكتاب في فلسطين والخدمات اللوجستية التي تحتاجها صناعة الكتاب، ترهق الكاتب والناشر في آن واحد، ناهيك عن صعوبات تصدير الكتاب الفلسطيني إلى الخارج عبر المعابر التي تسيطر عليها اسرائيل، وينطبق الأمر على نقلها ما بين المدن الفلسطينية، بسبب تقطيع اوصر التواصل الجغرافي فيما بينها. أضف الى ذلك النقص الكبير عند الناشر الفلسطيني في العلاقات التبادلية ما بينه وبين الناشر العربي، ويعزى الأمر الى قلة مشاركة الناشر الفلسطيني في المعارض العربية بسبب التكاليف الباهظة التي يتكبّدها من تصدير الكتب، ثمّ تنقله واقامته في تلك الدول، ما قد يعود عليه بالخسارة وذلك لقلة الاصدارات أو لقلّة إقبال القارئ العربي على الكتب التي تكون بحوزته.
ثالثا: تفتقر المدن الفلسطينية إلى البنية التحتية لتوزيع الكتب، وقد يكون ذلك عائد الى عدة امور، منها: 1- قلة المكتبات المتخصصة في تسويق وعرض الكتب بعكس الانتشار الكبير في مكتبات القرطاسية، 2- قلة موزعي ومستوردي الكتب ساعد على انتشار ظاهرة التزوير والتقليد للكتب بطرق غير مشروعة في ظل غياب قوانين الملكية الفكرية أو الرقابة من الجهات الرسمية على مطابع الكتب.
رابعاً: قلّة الاهتمام الواضح من الجهات المسؤولة في السلطة الفلسطينية في تشجيع النشر في فلسطين ودعمه وتطويره، وفي إقرار قوانين الملكية الفكرية وحقوق المؤلف والمكتبة الوطنية، ناهيك عن تقصير المؤسسات المعنية في الشراء من الداخل، وتوجّه معظم المؤسسات الرسمية والجامعات ومراكز التعليم للشراء من مطبوعات الدول العربية. ولعلّ سبب ذلك أنه لا شروط عليهم في كيفية تسديد أثمان الكتب المشتراه منهم، بعكس ما يتم شراؤه من الناشر الفلسطيني فإنه يطلب منه احضار العديد من الأوراق الرسمية وفرض الضرائب عليه. ما لا يحفزه على التقدم لتوريد الكتب التي تطلب.
خامساً: قلة الاشراف والرقابة من المختصين على عمل المكتبات العامة ومكتبات الجامعات، وعدم السعي في تحديثها وتطويرها، وقلة عمل المعارض الداخلية الدورية للحفاظ على أهمية القراءة.
سادساً: تقصير المؤسسات العلمية كالجامعات الفلسطينية في حماية حقوق المؤلف، وعدم التعريف بأن التعدى على الملكية الفكرية للآخرين يعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، بل ساعدت هذه المؤسسات في التعدي على هذه الحقوق عبر نشر آلات التصوير فيها، فأضحى هناك شبه ثقافة بين الطلبة بعدم وجود كتب أو التقليل من أهمية الكتاب، فانعكس ذلك سلباً على تشجيع النشر لدى الناشر الفلسطيني، وأُحبط مستوردو الكتب، بأن تبيّن لهم بأنه لا فائدة من طلب تلك الكتب لأنها ستكون مستباحة في التصوير، فيكون هو ضحية الأمر، ويعاني خسارة مالية عالية.
وبناء على الأسباب السابقة كلّها يجب تضافر الجهود جميعها لتطوير صناعة الكتب في فلسطين، لأنّ بها نهضة المجتمع ثقافياً وعلميّا، ومن خلالها تكون مقاومة وجودية للاحتلال، وبها يكون إبراز الصورة الحضارية والثقافية للإنسان الفلسطيني. وهناك نقطة مهمة تقع على عاتق الجهات الحكومية الفلسطينية، تكمن في التخفيف من الضرائب المفروضة على صناعة الكتب، وإقرار القوانين الخاصة بالملكية الفكرية، وإنشاء المكتبة الوطنية. ويضاف إلى ذلك وعي المؤسسات الثقافية الفلسطينية بضرورة الحفاظ على الملكية الفكرية ونشرها بين الطلاب والمثقفين.
بكر محمد زيدان
أمين سر اتحاد الناشرين الفلسطينيين
عضو مجلس ادارة اتحاد الناشرين العرب