كتبت فاطمة عودة
لا شك أن الصراع الجيوسياسي من أكثر الصراعات التي تستنزف الأرض والموارد والإنسان فالقضية الفلسطينية يشكل فيها الصراع على الأرض إحدى أهم الركائز في المشروع الصهيوني وفق مقولة "أرض أكثر عرب أقل", يعني ذلك أنه كلما زادت مساحة الأرض التي تم الإستيلاء عليها, كلما قلت نسبة الفلسطينيون عليها,ومن هنا تنطلق أهمية عنصر الأرض في بناء أي دولة,فالأرض هنا تعني الأرض وما تحتها وما فوقها,مما يحقق السيادة والإستقلال للدولة. تحاول إسرائيل بشتى الطرق السيطرة على هذه الأرض,على رأسها التوسع الإستيطاني الذي يقضم أراضي الضفة الغربية ويعيق مشروع الدولة الفلسطينية المتصلة جغرافيا على حدود الرابع من حزبران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية, هذا التوسع الإستيطاني وسيلة لتحقيق من الوعد الإلهي القائم على أن لليهود الحق التاريخي والديني في هذه الأرض وبناء "دولة إسرائيل الكبرى" هي الأرض التي تمتد من النيل إلى الفرات وطنًا لهم، وهذا الوعد ورد في التوراة في سفر التكوين, الإصحاح 15: الآية 18.
الأرض ومن يسيطر على هذه الأرض!
يعتبر الإستيطان الصهيوني عقبة جيوسياسية للوصول للدولة الفلسطينية المتصلة جغرافياً على حدود الرابع من حزيران 1967, إضافة إلى الإجراءات الإسرائيلية الهادفة لتغير الوقائع على الأرض مثل جدار الفصل والضم العنصري والطرق الإلتفافية والحواجز العسكرية, كلها إجراءات هادفة لتهويد ووضع أمر واقع يجب على الفلسطينين القبول به.
يعد العامل الجيوسياسي من أهم العوامل التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار في القضية الفلطسنية, لاسيما أن إتفاقية أوسلو وتقسيمها للأراضي في الضفة الغربية وخاصة مناطق (ج) التي تشكل 61% من أراضي الضفة الغربية وتعطي حق سيطرة الإحتلال عليها, ومن هنا نجد أن إتفاق اوسلو ساهم في توسيع الرقعة الإستيطانية من خلال منطقة (ج) المنطقة الأكبر, وأن الإجراءات الإستطيانية تحول دون الحديث عن دولة فلسطينية متصلة جغرافياً ولها سيادة وإستقلال.
في ظل الإجراءات الإستطيانية لا يمكن إغفال أهمية عنصر الأرض في العقيدة الصهيوينة وتطبيق الصهيونية على الأرض وتثبيتها لمبادئها وتشكيلها لعوائق جيوسياسية لتشكيل الدولة الفلسطينية, حيث يذكرأيضاً زاد الإحتلال من أعداد المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان حزيران 1967, تمت مواصلة الإرتفاع في الأعداد حتى وصلت إلى 158 مستوطنة في الضفة الغربية بما فيها القدس, وأكثر من 250 بؤرة إستيطانية حتى أيلول 2018, وايضاً إرتفع عدد المستوطنين من 115 ألف قبل التوقيع إلى 765 ألف مستوطن.
في النهاية نجد أن الإستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ليس مؤقت بل دائم بسبب الإستراتيجية الممنهجة وإختيار الموقع الجغرافي بشكل مدروس, حيث أن الإستيطان يعتبر رؤية دينية وقومية لليهود في الأرض الفلسطينية الذين يعتبرون أن لهم حق ديني وتاريخي فيها, بالتالي في نهاية الأمر الهدف هو خلق حاجز لمنع أي تواصل جغرافي بين التجمعات الفلسطينية وحدودها, إضافة إلى تجزئتها إلى كنتونات والتي بدورها تسهل على الاحتلال خنق هذه التجمعات والتحكم فيها والزحف عليها.
كما أنه لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية بدون التطرق الى موضوع الإستيطان، فالأرض هي العامل المهم في نشوء الدولة، ولا يمكن الحديث عنها في ظل الإستيطان الذي تقوم به إسرائيل، كما أن إسرائيل برعت في إختيار أساليب الإستيطان، وتفننت بها حتى تجعل الفلسطيني يستيقظ كل صباح ليجد نفسه داخل قطعةٍ من الأرض تشبه السجن ومترامية الأطراف، فهذا ما عملت عليه إسرائيل منذ أن قامت حتى اليوم هذا وهذا ما سوف تستمر به أيضًا. فليس الهدف من الإستيطان الإسرائيلي سرقت الأرض فقط، ولا التضييق على الشعب الفلسطيني، بل الهدف هو السيطرة التدريجية على الأرض حتى يصل الفلسطيني الى مرحلة لا يمتلك بها عتبة بيته، ولربما يصبح يمتلك العتبة بدون البيت أساسًا، فهذا ما هدفت وتهدف اليه إسرائيل.