تحل علينا الذكرى الحادية والسبعين لحرب فلسطين، تلك الحرب التي دارت رحاها بعد اعلان قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة بتاريخ 1947/11/29 واستمرت حتى توقيع الهدنة الثانية في تموز 1948. انتهت تلك الحرب بشكل ماساوي على الشعب الفلسطيني الذي حلت علية نكبة الحرب وويلاتها باحتلال ارضه وتشريده الى مخيمات اللجوء داخل فلسطين وخارجها.
خلال تلك الماساة الكلية لشعب فلسطين، كانت هناك اضاءات وصور متعددة للتضحية والبطولة، منها على سبيل المثال معركة باب الواد في القدس، ومعركة تحرير جنين. في هذا المقال نلقي الضوء على واحدة من بطولات تلك الحرب، التي سطرها المجاهدون الفلسطينيون واخوانهم العرب في الجيش العراقي، والتي حدثت في قرية فقوعة، شرق جنين. ففي نهاية ايار 1948، اغارت القوات الصهيونية على مدينتي بيسان وجنين، محتلة المدينتين والقرى الواقعة بينهما، ومن هذه القرى كانت قرية فقوعة.
بدات القوات الصهيونية بمهاجمة القرية مساء 1948/5/31وذلك بقصفها من سلاح الجو في موقعين غرب وشمال القرية، مما اثار الهلع والخوف لدى سكان القرية العزل من السلاح. وما ان حل الظلام حتى كانت القرية قد اخليت من سكانها واتجهوا نحو الجنوب بعيدا عن ضربات الطائرات. لقد امسى اهالي فقوعة لاجئين بين ليلة وضحاها، وتفرقوا في الجبال والقرى القريبة، ولم يفيقوا من هول الصدمة الا عندما قرروا العمل معا لطرق جدان الخزان، للعمل على تحريرها.
عمل ثلة من شباب القرية انذاك على بث روح المقاومة والتضحية بين ابناء القرية، مصممين على العمل العسكري لتحرير قريتهم واراضيهم من الاحتلال.
خلال شهران من العمل والتنظيم تجمع العشرات من ابناء القرية والقرى المجاورة، وحتى البعديدة كعرابة وعنزا وجبع ، حيث التقى الجهد الفردي مع الجماعي، والعمل العفوي مع المنظم، وبمساعدة مباشرة من الجيش العراقي وضعت خطة تحرير قرية فقوعة، وحددت ساعة الصفر لها، وجهزت سيارات الاسعاف، وتمركزت غرفة العمليات اعلى الجبل المشرف على القرية.
حددت ساعة الصفر لبدء معركة التحرير بليلة التاسع من تموز كونها الليلة التي تنتهي فيها الهدنة، وقررت القيادة العراقية ان تكون غرفة عملياتها على جبل ابو مدور المشرف على مكان التجمع (جلبون) ومكان المعركة (فقوعة)، وهو جبل عال يبلغ ارتفاعه نحو 500متر.
قامت الخطة العراقية على تقسيم المجاهدين الى قسمين بناء على مكان السكن، القسم الاول مجاهدو فقوعة، والقسم الثاني مجاهدو القرى الاخرى، والهدف من هذا التقسيم هو الدفع بالمقاتلين الى ارض المعركة على دفعتين، الاولى اهالي فقوعة والثانية متطوعوا القرى الاخرى.
نفذت خطة الهجوم بدقة متناهية، وعند منتصف الليل تسلل مجاهدوا فقوعة الى قلب القرية معتمدين على معرفتهم الدقيقة بشوارعها وازقتها، ومتسترين بعتمة الليل. فيما تقدم بقية المجاهدين بعد شروق الشمس، وكان عددهم نحو مئة مقاتل مسلحين ببنادق عادية.
نجحت الخطة، واستطاع المجاهدون التسلل الى داخل القرية والتمركز فيها سرا الى ان بزغ الفجر وتقدم بقية المقاتلين، وهنا بدات المعركة من الصباح الباكر، وكان عنصر المفاجئة حاسما في تخلخل النظام الدفاعي للقوات الصهيونية التي تكبدت عشرة قتلى وعدد غير محدد من الجرحى، ادى بهم الى قرار الانسحاب مع عصر نفس اليوم.
ارتقى في ذلك اليوم الرمضاني من الجانب الفلسطيني ستة شهداء، وخمس عشرة مصابا، كان من بينهم المجاهد محمد ابراهيم جلغوم الذي اصيب في راسه اصابة مباشرة، نقل على اثرها الى مستشفى نابلس، الا انه ارتقى شهيدا، ودفن في المقبرة الشرقية لمدينة جنين، والجدير بالذكر انه الشهيد الوحيد من سكان فقوعة في تلك المعركة، فيما ارتقى خمسة شهداء اخرين من قرى جلبون وعرابة وجبع وعنزا وصانور.
مفيد جلغوم، باحث في التاريخ الفلسطيني.