الرئيسية / مقالات
لماذا بكينا ابو نضال ؟
تاريخ النشر: الأربعاء 24/07/2019 09:23
لماذا بكينا ابو نضال ؟
لماذا بكينا ابو نضال ؟

ربما بحث كل منا على ما تبقى داخله من شعور وطني ، الى صلابة موقف ، الى عزة و كرامة ، فوجد أن كل هذه الأشياء قد تلاشت داخله ، فعزى نفسه بأن هذه المكنونات قد بقيت في شخص هذا الرجل ، و طالما هو على قيد الحياة قامة بعظمته تستطيع أن تحمل عنا جميعا ما افتقدناه ، هو نوع من الاستسلام و الاتكال ، ما لا نملك فهو يملكه ، لنصحو على الصدمة ، لقد رحل الرجل و أخذ معه هذا الارث و بقينا عاريين نتحسس اجسامنا و نلتقط أوراق الشجر لنستر العورات ، و نسينا أن العورات داخلنا و ليست على أجسامنا ،،

قد يرد البعض و يقول : ما هذه المبالغة ، اتختزل نضال و مقاومة و تضحيات شعب بأكمله في شخص ، أيحمل أو هل يستطيع أن يحمل كل هذا ؟ و في النهاية هو بشر بكل المعاني و القيم ، فهل موته يحرمنا من كل ما ذكرت ؟ هل سيأخذ قيم الصلابة و العنفوان معه الى القبر و يتركنا فارغي المحتوى ؟!

الجواب بالتأكيد ليس هذا هو المقصود ، بل أن ما قصدته هو أن شخصا وطنيا بهذه المواصفات التي حملها الراحل بلا أرجل سُرقت منه ،تميز فيما تميز بعدم التنازل أو التراجع أو الضعف ، لقد بقي مكافحا عنيدا و صلبا طيلة حياته حتى أثناء مرضه و كبره بقي بسام القومي الوطني المؤمن بمباديء الوطن و الرافض للتسويات و التنازل ، و هذا ما يميزه عن الكثيرين منا ، فمنا من يهادن و منا من يتنازل و منا من يضعف ، و منا من يجامل ، و منا من يغير مواقفه و مبادئه ، و هو لم يكن كذلك أبدا .

رحل أبو نضال كأي رحيل فالموت حق علينا جميعا و ليس فينا مخلد الا في ذكراه ، و بكينا أنفسنا قبل أن نبكيه ، رحل تاركا نموذجا سرمديا جميلا بمعاني الشموخ و العطاء ، مدرسة يجب أن تُدرس فيها هذه القيم ، و للانصاف رحل بنفس القيم و العطاء نماذج رائعة كجورج حبش و حيدر عبد الشافي ، و رحل الشهداء و العظماء و المفكرين و بقيت لنا ذكراهم .

و عيت ابا نضال في مقتبل الشباب ، سرت خلفه في مسيرة الاستيطان ، كنا ندخل مبنى البلدية فنشتم رائحة العزة و الشموخ و يستقبلنا كما الأب و يسخى في العطاء و يحث الآخرين على دعم الحركة الطلابية ، و اذكر يومين الأول عندما حمانا أنا و رفاق لي كنا نحمل المطبوعات و دخلنا عليه و كانت دورية الاحتلال التي تلاحقه خلفنا فتصدى لها و اركبنا في سيارته و أخرجنا من المنطقة ، و المرة الثانية باب منزله القديم و كنا في زياره و اقتادني جيش الاحتلال فخرج بعصاته مزمجرا و حاول تخليصي منهم الا أنهم كانوا بوقاحة الرفض ، و من يومها و قبل ذلك و حتى اليوم و الغد أعتبره المعلم و الأب الوطني و النموذج الذي يحتذى .

لدي الكثير عما أقوله عن هذا الرجل و غيري يقول و ربما أكثر و لا أنسى ذاك اليوم عند محاولة الاغتيال ، كنا طلابا في جامعة بير زيت و جائنا الخبر الاولي باستشهاده ، كيف انتفضنا و أغلقنا محلات رام الله ثم اتجهنا الى مشفى رفيديا و منُعنا من الدخول فقد كان المستشفى محاصرا ، و دخلنا عبر السياج ، ليتوقف قلبه الكبير لدقائق و يتوتر الجميع فيعود الى الحياة ، ثم رحلة علاجه و عودته ، و غير ذلك الكثير .

اليوم ودعنا هذا الرجل العظيم الذي شبهه البعض كالجبل الثالث لنابلس ، امتلأ المسجد و شارك في الجنازة كل محبيه عبر الوطن و من لم يستطع ارسل الاكاليل و اللافتات ، و كانت جنازة حافلة تودع هذا الانسان الوطني ، و اودع التراب ، اراد جنازة شعبية تعبر البلد فكان له ذلك ، كيف لا و هو ابن البلد ؟ عاش شعبيا مدافعا عن الفقراء و رحل كذلك ، عاش مبدأيا وطنيا و الجميع شهد له بذلك ، لم يتنازل و لم تلين عصاته ، فأقر الجميع بذلك ، نعم رحل عنا بسام الشكعة جسدا و لا زالت مبادئه و إرثه لمن أراد أن ينهل منه ، و لا زالت كلماته ترن في الآذان ، و لا زالت صورته عنوانا للصمود و التحدي ، فنم قرير العين أيها القائد فنحن نعزي أنفسنا قبل أن نعزي عائلته ، و لنحول دموع بكائنا عليه الى نهرا من القيم و العطاء لأجل وطن أحبه و ضحى لأجله و بقي مرفوع الرأس حتى في الرحيل .
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017