عاد الحديث في الشارع المصري عن غلق النظام العسكري الحاكم ملف أموال عهد حسني مبارك المنهوبة والمهربة للخارج مجددا، مع وفاة أحد رموزه رجل الأعمال حسين سالم بإسبانيا، الثلاثاء.
ومثلت تبرئة القضاء المصري لرجالات عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك بقضايا الفساد صدمة شعبية وعقبة أمام استرداد تلك الأموال، حيث كان الحكم عليهم إثر "ثورة يناير" بالسجن والغرامة ورد الأموال فألا حسنا للمصريين، ومؤشرا على رخاء سيعم البلاد، بالتزامن مع خطوات لاستراد الأموال المهربة، إلا أن جميع القضايا انتهت بالبراءة وبالتصالح مع سالم بدفعه نحو 5 مليارات جنيه.
ولكن.. من هو حسين سالم؟
ولد سالم في القاهرة عام 1933، ومنعته إصابة بعينيه من الخدمة العسكرية، إلا أنه صنع علاقة واسعة بقادة الجيش المصري، وعمل بنقل سلاح المعونة الأمريكية عبر شركة "الأجنحة البيضاء" بشراكة حسني مبارك نائب الرئيس أنور السادات حينها، وقائد الجيش عبدالحليم أبو غزالة، ومنير ثابت شقيق زوجة مبارك.
وظهر اسم سالم بكتاب "الحجاب" للصحفي الأمريكي بوب ود وورد، مفجر فضيحة "ووتر جيت" الشهيرة، كاشفا عن دوره بشركة "الأجنحة البيضاء"، التي وجهت لها اتهامات قضائيا بأمريكا عام 1981، وحاول فيها سالم إبعاد اسم صديقه مبارك عنه القضية.
ومع تولي مبارك الحكم، لمع نجم سالم بأنشطة اقتصادية كبيرة بمدينة شرم الشيخ، حتى أصبح "الرجل الغامض"، الواجهة الخلفية لأعمال مبارك.
وسالم، أهم اللاعبين بصفقة بيع الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل عام 2005، بسعر قليل جدا، عبر شركة "غاز شرق المتوسط" التي ترأسها مع الضابط الإسرائيلي يوسي مايمان، حسب الأكاديمي المصري نايل الشافعي.
وقضت الاتفاقية بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا لإسرائيل لـ20 عاما، بسعر بين 70 سنتا و1.5 دولارا للمليون وحدة حرارية، بينما كانت تكلفة استخراجه 2.65 دولارا.
وكانت ثورة يناير 2011 تاريخا فاصلا بحياة سالم، حيث هرب لإسبانيا، وحصل على جنسيتها لاحقا، ليتحول من "صديق الرئيس" إلى العميل لإسرائيل والمتهم بالفساد، وأحيل للمحاكمة بـ5 قضايا.
ورغم تحركات مصرية عام 2012 لتسليم سالم، إلا أن القضاء الإسباني رفض إلا بصدور أحكام نهائية بحقه، وهو ما لم يحدث.
ففي قضية "غسيل الأموال"، المتحصلة من بيع الغاز لإسرائيل، أدين سالم، عام 2011، وحكم عليه بالسجن 7 سنوات، وغرامة 4 مليارات و6 ملايين و319 ألف دولار، ليتم تبرئته في 2017.
وحكم عليه عام 2012، بقضية تصدير الغاز، بالسجن 15 عاما، ثم البراءة في 2017، وبعد إدانة بـ"محاكمة القرن"، انقضت دعوى اتهامه بتقديم 5 فيلات لمبارك وعائلته.
وأوقف حكما بالحبس 10 سنوات ضد سالم بقضية "بيع الكهرباء"، وهو ما تم بقضية إهدار 700 مليون جنيه على الدولة باستيلائه على "جزيرة البياضية"، بعد المصالحة.
وتصالح سالم مع نظام السيسي بصفقة وصفها خبراء وباحثون بالخديعة، برده أصولا عينية وأموالا بلغت 5 مليارات و341 مليونا و850 ألف جنيه قيل إنها تمثل 75 بالمئة من ثروته التي تم تقديرها أقل بكثير من حجمها المعلن بـ20 مليار دولار عام 2011.
وفي آب/ أغسطس 2016، طالبت مصر كلا من سويسرا وإسبانيا وهونج كونج برفع اسم سالم وعائلته من قوائم المجمدة أموالهم لديها، وقامت بتبييض وجه سالم عبر ظهوره مع الإعلاميين؛ عمرو أديب، ووائل الإبراشي.
"لا تنسوا الأجنحة البيضاء"
وحول غلق نظام السيسي ملف الأموال المهربة، يرى الناشط السياسي سمير عليش، أن "الملف يفضح العلاقات الوثيقة والفاسدة بين السلطة والقيادات العسكرية من ناحية، ورجال الأعمال من ناحية أخرى".
وبحديثه لـ"عربي21"، تساءل المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتغيير: "هل ننسى دور سالم ومن معه بشركة (الأجنحة البيضاء) لنقل المعدات العسكرية من أمريكا لمصر، والتي تم محاكمة المشاركين فيها بأمريكا عام 1981؟".
وأشار عليش إلى دور حسين سالم بـ"تصدير الغاز لإسرائيل، وشراء القمح واللحوم وبيع القطاع العام، وغيرها".
وختم بالتساؤل: "لماذا قفل باب استرداد الأموال المهربة وتلك الملفات الآن، كما قفل باب العدالة الانتقالية؟"، مؤكدا أن "الإجابة واضحة لكل بصير".
شبكة محلية ودولية وإقليمية
ويعتقد الباحث مصطفى خضري أن يغلق النظام ملف الأموال المهربة بعهد مبارك؛ لأن "تلك الأموال تمثل شبكة معقدة من المصالح المتداخلة بين الكثير من السياسيين السابقين والحاليين، ورجال المال والاقتصاد والمافيا العالمية، وبعض القادة السياسيين والحكام بالدول المجاورة، خاصة بالخليج".
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام " تكامل مصر"، أكد لـ"عربي21"، أنه "ونظرا للعلاقة الحميمة بين النظام الحالي وبين أطراف هذه المعادلة؛ فلن يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه تحريك حقيقي للملف".
وحول مصلحة النظام من غلق الملف والتلويح به فقط عند الخلاف مع نجلي مبارك، قال خضري: "دائما يتم التلويح بهذا الملف بإطار التفاوض بين المستفيدين الجدد والمستفيدين القدامى، دون اتخاذ قرار فعلي".
ووصف ملف الأموال المهربة بأنه "قطعة حلوى يتفاوض الأكلة عليها، دون اعتبار لكونها أموال المصريين المنهوبة".
وبشأن تجاهل النظام لهذا الملف رغم إصراره على أن مصر فقيرة وتحتاج الأموال وضغوطه على المصريين لجمعها، أوضح الباحث المصري أن "النظام لا يرى الاقتصاد المصري إلا بعيون البنك الدولي، الذي هو بمثابة شريك فعلي بتلك الأموال المهربة".
وأضاف أنه "بعالم الدولار، لا تنتقل ملكية الثروات اعتباطا، بل بمنظومة سياسية استخباراتية عالمية، ضمانا لعدم وقوع الثروات بأياد لا تنتمي لهم ولا يشرفون عليها".
وبين خضري أنه "ولذلك، دائما ما يرث شخوص النظام الجديد جزءا كبيرا من أموال شخوص النظام القديم، وهكذا دواليك"، مرجحا أن "السبب الرئيسي لمحاكمة أبناء مبارك وغيرهم هو التفاوض على نقل هذه الأموال لأصحاب الامتياز السياسي الجديد".
ونفي رئيس مركز " تكامل مصر" علمه بما يثار حول وجود علاقة لقادة الجيش السابقين بهذا الملف، وأنه لهذا أغلقه النظام الحالي.
وفي مقال للباحث المصري كارم يحيى، فند فيه ما أسماه خديعة التصالح مع حسين سالم، مبينا بالأرقام أن حجم ما تم التصالح عليه لا يرقى لأن يكون 10 بالمئة من ثروته.
القاهرة- عربي21- محمد مغاور