كتبت:آلاء أبو ذراع
في أزقة المخيم تتمركز الذكريات، وفي شوارعه الضيقة تحاول أن تضيف لنفسها رونقاً جديداً تتخلص من روتينها القاتل ولكن تبقى أسيرة في ماضيها، السير بحاراته المكتظة بالسكان يعكس صورة الصمود، وعلى جدرانه رسومات تحمل في طياتها آلام التشرد وطموحات أبنائه، جدران تحكي ذكريات البلاد وحلم العودة من جديد.
بعد مرارة اللجوء إلى المخيمات، وبخطوة لمجاراة الواقع والعيش، قام بعض السكان بالتوسع بمساحة 90 دونم فوق مخيم عسكر، بسبب ارتفاع عدد السكان، فأصبح هناك انتقال منظم إلى هذه المنطقة ونشأ ما يسمى "عسكر الجديد" غير المعترف به رسميا من قبل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين.
يقول أمين سر لجنة الخدمات الشعبية لمخيم عسكر الجديد أمجد الرفاعي لـ"أصداء الإخباري": "أسس هذا المخيم في عام 1964، وعدد سكانه 7 آلاف نسمة يعيشون على واحد كيلو متر شمال شرق مدينة نابلس، ويبعد عن مركز المدينة 8 كيلو متر".
ويضيف الرفاعي أن سكان المخيم ينحدرون لعدد من القرى التابعة لمدن الساحل الفلسطيني منها حيفا والشيخ مونس والغالبية العظمى من يافا واللد.
ونوه الرفاعي عن قلة الخدمات العامة التي تصل إلى السكان، بسبب عدم تسجيل المخيم بشكل رسمي في وكالة الغوث، وجميع الخدمات والتمويل والمشاريع التي تأتي تحول إلى مخيم عسكر القديم باعتبارهم جزءاً منه.
اضطر السكان في المخيم إلى البناء العمودي غير الرسمي المتشعب في كل الشوارع والأزقة، شبهه الرفاعي بلعبة الدومينو "عدد من البيوت المصفوفة الواحدة بعد الأخرى وما أن حصلت هزة أرضية صغيرة تؤدي إلى سقوط البيوت واحدة تلو الأخرى".
بالقرب من مركز التطوير المجتمعي أقامت وكالة الغوث "الأونروا" مدرستين على أراضي المخيم يرتادهما نحو1100 طالب وطالبة.
يقول أمين سر اللجنة الشعبية "المدارس في المخيم تعاني من مشاكل كثيرة من حيث اكتظاظ الطلاب في الصفوف يصل أحيانا عددهم من 35 إلى 50 طالب في غرفة صغيرة، والبدء في أعمال ترميم المدرسة قبل بداية العام الدراسي بأيام قليلة مما جعل المدرسة أشبه بورشة بناء".
ويتابع "هذه المشاكل دفعت الطلاب إلى التسرب المدرسي وازدياد حالات العنف اللفظي والجسدي ما بين طاقم التعليم والطلاب وما بين الطلاب ببعضهم.. ما جعله وباء سريع الانتشار في المخيم".
يوجد في مخيم عسكر مركز صحي واحد تابع لوكالة الغوث "الأونروا"، أسسته لجنة الخدمات الشعبية، يفتقر العديد من الخدمات أهمها نقص حاد في الطاقم الطبي والأدوية.
"الأوضاع في المخيم صعبة جدا”، وأردف الرفاعي : “كيف لطبيب واحد فقط أن يغطي 7000 نسمة، يعني إذا ذهب باليوم 100 مريض إلى المركز لا يأخذ مع الطبيب دقيقتين للكشف وكتابة الدواء الذي يكاد معدوم في الفترة الأخيرة".
ويعاني أكثر من 300 فرد من سكان المخيم من أمراض مزمنة (السكري والضغط والأعصاب) وخاصة الأمراض الصدرية مثل الربو والحساسية التي ازدادت في الآونة الأخيرة بسبب رطوبة المنازل وقلة التهوية ووصول الشمس إليها.
الأوضاع تزداد سوءاً، الاكتظاظ والفقر، عشرات الأفراد يملؤون الشوارع بسبب نسبة البطالة المرتفعة عند الشباب، أطفال وشباب يلعبون الكرة في الأزقة الضيقة بسبب عدم وجود حدائق ونوادي تلبي احتياجاتهم ولتفريغ طاقاتهم، المخيم مكدس بالنفايات بسبب قلة عدد عمال النظافة داخل المخيم.
يتابع أمجد "هناك نقص حاد في الخدمات التي تقدمها الحكومة الفلسطينية والأونروا لذوي الاحتياجات الخاصة، لجنة الخدمات تتكفل بأكثر من 30 حالة يداومون في المركز بشكل يومي، متكفلين بهم من مواصلات وتدريب وتقديم أدوات مساعدة مجانية".
غير أن الصعوبات تفاقمت على أبناء المخيم بسبب الهجمات الشرسة من الاحتلال الإسرائيلي على أبناء المخيم بحجة وجودهم بالقرب من مستوطنة ألون موريه أو الاعتداء عليها، فيكاد لا يخلو أي منزل في المخيم من أسير أو شهيد أو جريح.
يذكر أن مستوطنة ألون موريه تقع في الشرق من مدينة نابلس بالقرب من قرى سالم ودير الحطب، أقيمت على أراضي المواطنين سنة 1980، وبلغ عدد المستوطنين عند التأسيس حوالي 250 نسمة، وارتفع عددهم إلى أكثر من 1000 نسمة.
من جانبها، تقول مسؤولة المرأة في المخيم وعضو لجنة الخدمات ومركز النشاط النسوي نجاح جبجي عن واقع المرأة لـ"أصداء الإخباري": "يزاد الأمر سوء مع تقلص الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث للمراكز النسوية في مخيمات اللاجئين، فكيف بمخيم لم تعترف به الأونروا منذ البداية، لا يوجد مركز نسوي حقيقي لدينا، لجنة الخدمات الشعبية جهزت مبنى خاص لإنشاء مركز نسوي ولكن إلى اليوم يفتقر إلى جميع المقومات".
وتضيف الجبجي" مع قلة الإمكانيات إلا أننا نحاول دائما حتى نرفع من مستوى المرأة في المخيم اجتماعيا واقتصاديا وصحياً، وخاصة أن هذه الفئة المحدودة هي أكثر عرضة للأذى بسبب الوضع الاقتصادي السيء الذي لا يسمح للأب من إلحاق ابنته إلى الجامعات الفلسطينية، أو ما يتعلق بظاهرة الزواج المبكر التي انتشرت بشكل واسع مؤخراً".
ووضحت الجبجي من خلال اللقاءات الإرشادية لنساء المخيم استطاعت أن تعرف مطالبهن في سبيل إعالتهن في هذا الوضع الصعب وإعالة أولادهن منها تعلم بعض المهن والأشغال اليدوية لتساعدهم في كسب لقمة العيش، ودورات مساعدة في مجال التعليم، وأخذ دورات إسعاف أولي وإطفاء.
في ظل الأوضاع الراهنة وعدم الاعتراف بالمخيم من قبل الحكومة الفلسطينية ووكالة الغوث استطاعت اللجنة الشعبية أن تغير واقعهم من خلال تبرعات المجتمع المحلي والبحث عن تمويل خارجي، فأنشأت عدد من المؤسسات داخل المخيم منها: مسرح ومكتبة، مركز لذوي الاحتياجات الخاصة، مركز نسوي، مركز التطوير المجتمعي، ومركز سفير للطفولة بالإضافة إلى جمعية الكوفية الرياضية.
تصوير: أمين أبو وردة، الاء أبو ذراع.