يترقب القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية بقلق تسارع التحضيرات لبدء الاكتتاب العام لأسهم "أرامكو"، على خلفية التغييرات الإدارية الأخيرة في قطاع النفط السعودي، وتعيين ياسر الرميان رئيسا لمجلس إدارة الشركة خلفا لوزير الطاقة خالد الفالح.
وشككت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية في قدرة الرميان، على إدارة "عملاق النفط السعودي" بكفاءة. وقالت في تقرير لها، ترجمته "عربي21"، إن "اختيار رئيس صندوق الاستثمارات العامة السعودي، لرئاسة مجلس إدارة أرامكو، هو اختيار مشكوك فيه، كونه لا يملك أي خبرة في مجال النفط".
وجاءت خطوة تعيين الرميان رئيسا لمجلس إدارة شركة "أرامكو"، في إطار أوامر ملكية، صدرت الجمعة الماضية، قلصت من صلاحيات وزير الطاقة السعودي، واستحدثت وزارة جديدة للصناعة والثروة المعدنية، منفصلة عن وزارة الطاقة. كما تأتي في اتجاه السعودية لتسريع عملية طرح جزء من أسهم الشركة الأكثر ربحية في العالم للاكتتاب العام.
وفي أول تصرح لرئيس مجلس إدارة "أرامكو" الجديد ، قال الرميان، الأربعاء، إنه سيعمل مع الوزارات المحلية والجهات العالمية ذات الصلة تمهيدا للطرح العام الأولي لأسهم الشركة.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن الرميان قوله: "سأعمل مع زملائي في مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية على ضمان تحقيق أعلى معايير الشفافية والكفاءة والفاعلية".
اقرأ أيضا: الرئيس الجديد لمجلس إدارة أرامكو: نجهز للطرح العام للشركة
و"لم يكن الفالح متحمسا أبدا للاكتتاب العام لأرامكو" وفقا لمصدر بارز في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بحسب "سي أن أن". وتخطط "أرامكو" لطرح 5 في المائة من أسهمها للاكتتاب العام في 2020 أو 2021، في عملية يتوقع أن تكون أكبر عملية طرح للأسهم في العالم.
وتعد "أرامكو" أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، ويقدر رأس مالها بنحو 16 مليار دولار، ويشكل إنتاجها نحو 13 بالمئة من إجمالي إنتاج النفط بالعالم، وعدد حقولها 121، ويصل عدد موظفيها إلى 54000 موظف وهي مملوكة للحكومة السعودية بنسبة 100 بالمئة منذ نوفمبر 1988.
وأعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لأول مرة، عن اكتتاب أرامكو الجزئي في العام 2016، حيث كان من المقرر طرح الشركة في العام 2018، إلا أن ذلك لم يتحقق بسبب مخاوف من احتمال التقاضي في الولايات المتحدة الأمريكية.
"لماذا الرميان؟"
وأشارت "بلومبيرغ" إلى أن خبرات الرميان كلها تتركز في مجال التمويل، واستثمار أموال صندوق الاستثمارات السعودي في الشركات الناشئة الأمريكية، فضلا عن لعبه دورا كبيرا، بالتشاور مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في استخدام أموال صندوق الثروة السعودي لدعم وتمويل المشاريع الترفيهية بالمملكة أبرزها إنشاء المسارح ودور السينما.
وأوضحت الوكالة أن الرميان، يقود تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى واحد من أكبر المستثمرين في شركات التكنولوجيا العالمية الناشئة، إذ حصل على حصص في شركة تيسلا Tesla لتصنيع السيارات الكهربائية، مع شركة أوبر للتكنولوجيا، والتزم بمبلغ 45 مليار دولار لصندوق التكنولوجيا في "سوفت بنك".
وألمحت إلى أن مؤهلات اختيار الرميان لرئاسة أرامكو هي "كلمة حاضر"، وهو ما يفسر سبب الإطاحة بالفالح، من رئاسة الشركة، واستبعاد الرئيس التنفيذي الحالي للشركة أمين ناصر، وكذلك عبد العزيز بن سلمان الأخ غير الشقيق لولي العهد السعودي الذي كان أستاذ جامعيا وتولى سابقا منصبا رفيعا في وزارة النفط.
اقرأ أيضا: تعرف على دلالات عزل "الفالح" وصلته بصراع السلطة بالرياض
"مخاطر الطرح"
ويرى خبراء في مجال النفط والطاقة أن صفقة طرح "أرامكو" للاكتتاب العام لا يزال أمراً محفوفاً بالمخاطر، خاصة إذا استمرت أسعار النفط العالمية على حالها، وأنه سيكون من الصعب في السوق الحالية تحقيق أسعار تتراوح بين 70 و80 دولارا للبرميل، السعر الذي تطمح له المملكة العربية السعودية.
وللحد من مخاطر "الاكتتاب"، استبعد محللون ماليون طرح أسهم من شركة "أرامكو الأم" مباشرة للاكتتاب العام، مرجحين أن يتم الطرح من حصص مشروعات وقطاعات تابعة للشركة خصوصا قطاعي التكرير والكيميائيات.
وقالت صحيفة "فايننشال تايمز"، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن وزير الطاقة السعودي "يشعر الآن بضغوط جديدة ليستجيب لأهداف ولي العهد، خاصة بعد تجريده من مهامه الأخرى، وهو عرضة للخطر أكثر من أي وقت آخر، فلو أرادت المملكة موازنة ميزانيتها وفي الوقت ذاته تحقيق السعر المناسب من إمكانية اكتتاب (أرامكو) فإنه يجب أن يكون الهدف هو تحديد سعر لبرميل النفط بـ 70 دولارا، وهو ما سيزيد من الفرصة لدى السعودية لتدفع باتجاه تخفيض الإنتاج في الاجتماع المقبل لمنظمة أوبك وحلفائها في كانون الأول/ ديسمبر، وهذا لا يعني ارتفاع أسعار النفط".
اقرأ أيضا: FT: الفالح لا يمكنه رفع أسعار النفط كما يريد ابن سلمان
"تسريع الاكتتاب"
وتوقع الخبير في أسواق المال محمد النويلة، أن تقوم الحكومة السعودية بطرح أسهم أرامكو في بورصة نيويورك، مستبعدا طرحها في بورصة لندن أو بورصة طوكيو، لأسباب تتعلق بأسواق المال في بريطانيا واليابان.
وقال النويلة في تصريحات لـ"عربي21"، إن التغييرات الإدارية في قطاع النفط السعودي، وخاصة المتعلقة بشركة أرامكو، تستهدف تسريع وتنظيم عملية طرح الشركة للاكتتاب العام في أقرب وقت ممكن بعد تأجيلها عدة مرات.
وأضاف: "ظهر ذلك جليا في البدء باستقطاب الشركات الاستشارية والبنوك العالمية لترتيب عملية الطرح، وهو ما يعد مؤشرا قويا على أن الطرح سيتم في وقت قريب"، مؤكدا أن فشل الإدارة السابقة لشركة أرامكو في عمل الترتيبات اللازمة لعملية الطرح كان سببا واضحا في تلك التغييرات التي شهدتها الشركة.
وأكد أن حرص الحكومة السعودية على تسريع عملية الطرح يكشف مدى حاجة المملكة إلى إحداث تغيير كبير في التركيبة الاقتصادية للمملكة، واتجاه واضح ليس لتخصيص قطاع النفط فقط بل ربما قطاعات أخرى سيتم التريب لها خلال الفترة المقبلة.
"مخاوف المستثمرين"
وتوقع المحلل المالي، أن يشهد الاقتصاد السعودي خلال السنوات الثلاث الماضية تغييرا جذريا، مضيفا: "وهذا قد يؤدي إلى مزيد من الضرائب، وتقنين التجارة، وسن قوانين استثمارية جديدة.. الخ".
وأشار النويلة، إلى أن "طرح شركة بحجم أرامكو للاكتتاب في السوق السعودي ييثير تخوفات كبيرة لدى التجار والمستثمرين في المملكة، خاصة في ظل الضبابية التي تلف عملية الطرح".
وأضاف: "قد يؤثر الطرح سلبا على سحب سيولة كبيرة من قطاعات وأسهم شركات كثيرة وذهاب هذه السيولة إلى الحكومة على المدى القصير، أما على المدى الطويل فإن نجاح عملية الطرح سيؤدي إلى زيادة الثقةالثقة في سوق المال السعودي، وقد يؤهله إلى دخول كسوق متقدم".
وأردف: "طرح أرامكو سيحدث منافسة قد تكون غير متكافئة بينها وبين بعض الشركات العاملة في السوق السعودي، وقد تحدث عملية الطرح أيضا تغييرا في ملكيات بعض الشركات العربية والأجنبية العاملة في قطاع النفط".