كتبت فيحاء خنفر
ثلاثة أسابيع ولايزال الجدل مستمراً حول قضية الشابة إسراء غريب التي توفيت في ظروف غامضة؛ بعد تعرضها للعديد من الإصابات بأنحاء متفرقة من جسدها ومنها كسر في العمود الفقري، لينتهي بها الأمر جثة هامدة، بعد أقل من ١٠ أيام على مغادرتها المشفى.
وكأي قضية رأي عام أحدثت ضجة؛ دارت حولها الإشاعات، فقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الروايات حول القصة، وربما تضارب رواية العائلة على لسان صهرهم عزّز ذلك وزاد الشكوك، ولكن ذلك لا يلغي أيضا أن الكثيرين تداولوا القضية بشكل غير مسئول بتوجيههم أصابع الاتهام ونشر تفاصيل متسرعة، وتداولها بشكل هجومي دون تحري الدقة في أي منها.
تجاوُز القضية فلسطين والاهتمام بها عربياً يضع على عاتق المؤسسة الأمنية الفلسطينية مسئولية أكبر في التعامل مع القضية، ولا يخفى استياء الرأي العام من تأخر الإعلان عن تقرير الطب الشرعي، ونتائج التحقيق، ومما زاد هذا الاستياء ما نُشر حول استقالة أطباء مختصون بالطب الشرعي والذين من المفترض أن يشاركوا بكتابة التقرير الطبي الخاص بالشابة إسراء.
يصعب على أي متابع استقصاء الحقيقة الكاملة، ولكن بعض التفاصيل تعطي مؤشرات على تعرض الشابة لضغط هائل، وفي هذا المقال لم يتم توجيه الإتهام لأحد ولا تبرأة أحد في الوقت ذاته، وإنما الهدف هو وضع تفاصيل تم تحري الدقة منها صحفيا ومهنيا، بين أيديكم، حول ما جرى داخل أروقة مستشفى بيت جالا الحكومي-الحسين خلال تواجد إسراء غريب في إحدى غرفه.ف
الشهادات المدرجة في الأسفل تم أخذها والتحقق منها من أفراد تواجدوا داخل المستشفى طيلة فترة وجود إسراء، ولم يتم الانقاص منها إلا بعض الألفاظ والتفاصيل الخادشة، احتراما لإسراء أولاً وللذوق العام ولعائلتها. إليكم التفاصيل:
"يا جبَار يا الله" كان الصوت يقترب في ممَر أحد أقسام مستشفى بيت جالا الحكومي, أدرك الجميع هناك وصول شابة ملأ صراخها المكان وكان يغلب على كلامها مناداة لله!
بضعة أيام كانت مليئة بالتفاصيل بدأت منذ لحظة وصول الشابة إسراء غريب(21 عاماً) إلى مستشفى الحسين في بيت جالا مساء السبت 10 آب, أثار صراخها استغراب الناس والطاقم الطبي في المشفى, ودارت الأسئلة بين نزلاء القسم والزوار حول تلك الفتاة التي لا يتوقف صراخها, إحدى المريضات سألت ممرضة عن القصة فأخبرتها "شكلها ملموسة", كان أفراد عائلتها المرافقون لها يتصرفون بشكل عاديّ وهم والدتها وأخويها إيهاب وبهاء, مشوا بالقرب من سريرها متجهين إلى الغرفة التي ستبيت بها, وكان أخاها إيهاب يضع يده على رأسها لطمئنتها ويمشي مع سريرها, وبحسب شهود عيان أُدخلت إسراء للغرفة محدثة ضجة ومضت الليلة الأولى والصراخ لم يهدأ معظم الوقت إلى أن بدأ صباح اليوم الثاني.
11 آب
إسراء نائمة وعلى السرير المجاور تغفو والدتها ويظهر عليها التعب, بينما ينام إيهاب على الأرض, وفي نهار ذلك اليوم غادرت الأم, ولم يروي أحد شيئا عن مغادرتها ولكنها بحسب النزلاء لم تعد للمشفى بعد قضائها الليلة الأولى بجانب ابنتها.
جاء أفراد من الشرطة لغرفة إسراء وتحدثوا إليها, سُمع صوتها من خارج الغرفة تقول "وقعت من البرندة" سألها أحدهم "مين وقعك طيب؟" فأجابت بانفعال " وقعوني هم بعرفش مين", ولم يتضح للقريبين من غرفتها على ماذا أقفل التحقيق, وهل اعتقد رجال الأمن أنها "ملموسة" حسبما قيل أو أنهم أخذوا أقوالها حرفياً!. المصدر
غادر رجال الأمن وتبعهم أخواها, وتُرك الباب مفتوحاً, اقتربت سيدة من باب غرفتها فنادتها إسراء وطلبت منها الدخول قائلة "تعالي بدي أحكيلك" ثم سألتها "خالتي إنتي مسلمة؟" وبعد إجابة السيدة بنعم, قالت إسراء "إحكي عشان أصدق أشهد أن لا إله إلا الله" فرددت السيدة الشهادتان فوراً, فردّت إسراء "خالتي إقرأي معي قرآن و إحكي الله أكبر", ثم أخبرتها انهم يتهمونها بالجنون والمس, فحاولت السيدة رفع معنوياتها باستنكار أقوالهم وأخبرتها بأنها طبيعية ويجب ألا تستمع لأحد.
حاولت السيدة الاستفسار عن سبب صراخها و ما حصل معها، وكانت إجابة إسراء "وقعوني عن البرندة" وعندما سألتها من هم؛ أجابت إسراء بأنها لا تعرف, قاطعهما شاب ثلاثيني دخل الغرفة, سألته إسراء من يكون فأخبرها أنه أتى ليقرأ القرآن, فرفضت فوراً قائلة "مابدي تقرأ قرآن أنا بقرأ لحالي", تجاهل كلامها واقترب من السرير المجاور ليأخذ المصحف الموضوع عليه, فقالت إسراء بانفعال شديد للسيدة "إشهدي إشهدي هيو بدو يقيم القلم من جيبته ويخربش ع القرآن زي محمد الصافي", أما الشاب فوجه كلامه للسيدة مستأذنناً منها المغادرة بينما كان يخرج قلماً من جيبه.
أقفل الباب وسُمع صوت إسراء من الخارج تصرخ "تقرأش قرآن, إطلع برا, إيهاب تعال خليه يطلع أنا مش مجنونة..", مرت نحو 45 دقيقة, وكان أخواها قد أتيا وانتظرا في الممر ثم خرج الشاب ودخلا وأقفلا الباب, وبعد قليل جاءت سيدة برفقة فتاتان؛ خمّن الموجودون أنهن بناتها, اقتربت من غرفة مجاورة لإسراء وسألتهم إن كانت هنا, فأخبروها أنها في الغرفة المجاورة, فتوجّهن نحوها وطرقن الباب, ولم يفتح أحد, سألتهن والدة أحد المرضى عن قصة إسراء فأخبرتها الزائرة أنها وقعت عن الدرج! و أثار جوابها استغراب الموجودين حيث سمعوا أنها وقعت من شرفة المنزلٍ, وقالت الزائرة أنها قريبة إسراء, ثم جاءت ممرضة وأخبرتهن بأن الزيارة لإسراء ممنوعة فغادرن.
لم يظهر على أخوة إسراء أي تصرفات غريبة, وكانوا ملازمين لها طوال الوقت لكنهم كانوا يغلقون باب غرفتها باستمرار, وكانوا يتجنبون الحديث مع أحد أو حتى الرد على تمنيات السلامة لأختهم, فكانوا يتجاهلون كلام الناس أو يجيبون باقتضاب شديد. وأصبح جميع من في القسم يعلمون بوجود فتاة تعاني من كسر في ظهرها إثر وقوعها عليه, وكان معظمهم يعتقد أنها ممسوسة أو مطربة عقلياً لذلك تصيح بشكل دائم, وأحياناً كانت تنام بتأثير المسكنات.
ابتداءً من اليوم الثاني (11 آب) أصبح تواجد صهر العائلة "محمد صافي" دائم, وبدا من كلام إسراء وصراخها أنها ترفض وجوده, وفي منتصف الليل خرج أخواها للممر بينما بقي زوج أختها معها في الغرفة, وقد أظهرت صورة تسربت من المستشفى أحد إخوتها ممدداً على الأرض أمام الباب بينما أخته تصرخ في الداخل بوجود الصافي.
"أعطيني ياه, إيهاب تعال تخلينيش معه لحالي..إبعدوه عني, ليش بتضربني" صرخت إسراء بشدة, وعاد البعض للسؤال عنها بسبب صياحها الهستيري, فبرّر أخوها أنهم يقرأون عليها القرآن ليذهب المسّ!
12 آب
نامت إسراء مع طلوع النهار, بعد نحو 5 ساعات على الحالة الهستيرية التي بدت عليها من صراخ متواصل بدأ منتصف الليل. بعد استيقاظها سمع الناس إسراء وهي تكبّر وتهلّل أحياناً, وأحياناً أخرى تعود للصراخ, وكان الجميع حولها قد سلّم لحقيقة أنها "غير طبيعية" وأنها تعيش تهيّؤات, وما إن جاء الليل حتى أعيدَت التفاصيل مشابهة لليلة السابقة.
"إيهاب ماتخليني معه لحالي, إطلع برا, إبعدوه عني", دخل إيهاب وخرج أكثر من مرة تاركاً صهره برفقة إسراء وكلّما خرج كانت تكرر نفس الكلام, لم ينم أحد من المحيطين بغرفة إسراء وكان الجميع يأسف لحالتها فيسألوا إخوتها عنها والإجابات تتمحور حول الجن والمس.
ثلاث ليالٍ مرت لم يغب صراخ إسراء من أجواء المشفى, وكلما حضر أناس للقسم سألوا عنها, وكانت الإجابة باستمرار "ملبوسة", إحدى السيدات توجهت لإخوتها وزوج أختها ونصحتهم بالمتابعة مع طبيب نفسي وأخبرتهم أنها مرت بتجربة نفسية سيئة حبسها زوجها على إثرها في غرفة ولكنها تعافت بعد ذلك, فأجابها محمد الصافي باستنكار "إنتي خربتي بيوت لما تعبتي؟, هاي البنت عملت بلاوي.."وطلب منها ومن سيدة أخرى معها عدم التدخل.
13 آب
في غرفة مجاورة فتحت المريضة م.أ عيناها وتفاجأت بوقوف شابة ترتدي روب المشفى ولا شيء غيره بجانب سريرها, يبدو عليها التعب ويتضح جرح فوق حاجبها الأيمن, وتلونت يداها بعدة كدمات حمراء وزرقاء, لم تخفِ المريضة دهشتها وخوفها فهي تسمع صوتها باستمرار وتعلم أن ظهرها مكسور لا تقوى على الوقوف, بادرت إسراء بالحديث و سألتها "خايفة مني؟", أنكرت الفتاة, فعادت للقول "والله إنك خايفة مني..", أكدت الفتاة أنها ليست خائفة فطلبت منها إسراء النوم في غرفتها وعللت ذلك بأن هنالك من يعمل لها سحراً! حاولت الفتاة أن تفهم أكثر وكان جواب إسراء "بتعرفي محمد الصافي؟" نفت الفتاة فأكملت إسراء "محمد الصافي واحد بخافش الله بعملي سحورات" , ثمّ توجهت بخطوات ثقيلة بطيئة إلى النافذة, فنهضت الفتاة بسرعة وأغلقتها, تضايقت إسراء وقالت لها "مفكرتيني مجنونة وبدي أرمي حالي من الشباك؟؟ صدقتيهم إني ملبوسة؟" نفت المريضة م.أ ذلك وبررت أنها تشعر بالبرد, فعلقت إسراء "الدنيا شوب كيف بردانة يعني", أمسكت الفتاة روب إسراء لتغطي ظهرها وتفاجأت بوجود كدمات كثيرة عليه ولاحظت أن أسفل ساقيها لونها أزرق, وسألتها عن سبب عدم ارتدائها ملابسها فأجابت "بحطو أواعيي بالمرحاض.. وبعملوا سحورات".
سألتها عما حصل معها وعن كسر ظهرها فأجابت إسراء "هم وقعوني عن البرندة, بس مابعرف مين.." لم يؤخذ كلامها على محمل الثقة لأن المريضة كانت موقنة أن إسراء تعاني من اضطراب ما يؤثر على وعيها, وبينما يتحدثن جاءت والدة المريضة م.أ برفقة سيدة أخرى وشهقت لدى رؤيتها إسراء واقفة, وقالت "إسراء؟؟؟ إنتي مشيتي حبيبتي؟؟.." فطلبت إسراء منهم البقاء معهم في الغرفة وأخبرتهم أنها تخاف البقاء لوحدها في غرفتها, سألتها الأم عن السبب فقالت : "بعملولي سحورات هناك ".
طلبت إسراء مساعدتهن لتستلقي على السرير الفارغ, وبعد قليل حضر والد المريضة برفقة سيدتان فتفاجأ عندما رآها وسألها عن صحتها, ودار بينهم حديث كانت إسراء تبدو مرحة بعض الشيء وفي بعض كلامها كانت تبدو غير مفهومة كأن إدراكها مشوّش, وفجأة قالت للرجل "إسمع عمي, أنا بحكو عني متكبرة, ومجنونة, وبحكو مريضة نفسياً, أعطيني أسلم عليك", مدّ يده فقبّلتها وقالت "عشان أثبتلك إني مش متكبرة", ثم طلبت منه فتح النافذة فسألها عن السبب فقالت موجهة كلامها للجميع" ليش إنتو كلكم خايفين مني, أنا مش مجنونة أنا هم دبّوني, وقعوني.." سألها من أوقعها ولم تجب..!
عاد إخوة إسراء برفقة محمد الصافي وقد أنهوا إجراءات نقلها إلى مستشفى الخليل، وجدوا أختهم مستلقية في الغرفة المجاورة وتتحدث فدخلوا إليها, وقالت إسراء مباشرة "انت يمحمد؟!, جيت من كندا؟ ليش حاطت إديك ع خواصرك إلي, محمد الصافي علمك هاي الحركة؟", فقال "لا أنا كل صوري هيك وأنا حاطت إيدي ع خصري"، وفهم الموجودون أن الأخ الثالث هو محمد وقد عاد من السفر للتوّ, قالت له إسراء باستنكار "محمد تعال سلم عليّ بدكش تسلم علي؟", فأجابها "بديش أسلم عليكي", تابعت " ليش, إنت بتحبنيش من جماعة محمد الصافي؟؟!" سألها أحد إخوتها "ليش طلعتي من الغرفة؟!" أجابت "لإنكم بتسوولي سحورات جوا",فغادر إيهاب وعاد ممسكها حجابها واقترب منها ليلبسها إياه, فتناولته ورمته بوجهه وقالت "روح روح انصرف بعرف إنك بتسوييلي سحورات إنت ومحمد الصافي".
احتدّ الجدال بينهما وأخذت تصرخ "كلكم من جماعة محمد الصافي, كلكم بتردوا عليه وبتردوش علي أنا..", و عندما حاول إخوتها إخراجها رفضت مغادرة الغرفة, فصاح بها محمد "يلا يا إسراء خلص", فقالت "لا بديش أطلع معك مش إنت صرت من جماعة محمد الصافي؟؟أنا بديش ياك", فقال "وأنا أساسا ما بحبك" فبصقت عليه, فأشار لرقبته مهدداً اياها وقال "أصبري بس نروح محنا بعد شوي طالعين والله لاقتلك".
توجهت إسراء بنظرها لسيدة في الغرفة وقالت"خالتي الخطية برقبتك ليوم الدين تدعي ع محمد الصافي.." سألتها السيدة من يكون, فقالت "إسمه محمد إسماعيل الصافي ضلك إدعي عليه لإنه دمرنا"..
اقترب محمد الصافي منها حاملا منديلها وقال "البسي البسي يا وقحة يا سـ..,"
قالت "اسمع أنا بعرف ربنا منيح وأنا ربنا بدوش ياني ألبسه لإنك إنت حاطت عليه سحورات وأشياء بتقزز منك.." فرد بغضب "إنتي وحدة وقحة بتشلحي أواعيكي وطالعة بدونهن"
فصرخت إسراء "اسمع إنت اللي بضل تشلح قدامي..ولكم بشلح قدااامي سـ..."
"انتي وحدة مجنونة محدش برد عليكي .."
"أنا مجنونة؟؟ أنا مجنوونة؟"
تدخلت سيدة وسط الشجار وقالت "لا إنتي مش مجنونة كلهم المجانين وانتي العاقلة"
قالت إسراء "ليش مش راضيين تصدقوني .."
قرر أخوة إسراء وصهرهم إنهاء الجدال بإخراج أختهم من الغرفة فأخذوا يحاولون جرّ السرير المستلقية عليه فكان تحريكه صعباً, "مش رايحة بديش أطلع" قالت لهم إسراء بحزم, فحملوها على الفرشة ونقلوها إلى غرفتها, وبعد قليل جروا سريرها إلى الممر وكانت مغطاة لغاية رأسها, وعندما أصبحت بموازاة أحد الغرف أزالت الغطاء عن وجهها وظهرت يداها مقيدتان وقالت للناس "اطلعوا إشهدوا, اطلعوا محمد الصافي شو بسوي فيي" فغطو وجهها مجددا وابتعدوا بالسرير!.
توجهت سيدة ارتابت من الموقف لعامل نظافة وسألته عنها فأخبرها أنهم نقلوها بالسيارة وقام أحدهم بضربها خلال إدخالها..
وغادرت إسراء المشفى بتاريخ 13 آب, لتعود مجدداً بتاريخ ٢٢آب، ولكن جثة هامدة على أحد أسرة الطوارئ, ومن هنا بدأ الجدل حول وفاتها، ما دفع الجهات الأمنية فيما بعد لإصدار قرار بفتح قبرها وأخذ عينات للفحص والتحقيق في وفاتها.