توالت الهزائم البرلمانية والصفعات السياسية على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمس الاثنين على خلفية إستراتيجيته للخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق بنهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وقبل انعقاد البرلمان منحت الملكة إليزابيث الثانية موافقتها الرسمية على قانون يمكن أن يرغم الحكومة على تأجيل البريكست إذا لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق مع بروكسل للخروج من الاتحاد الأوروبي.
ومع مصادقة الملكة يصبح المشروع المدعوم من نواب المعارضة والمعارضة الداخلية لحزب المحافظين قانونا، ومن ثم باءت محاولات جونسون تعطيل القانون أو التملص منه بالفشل بعد مصادقة إليزابيث عليه.
وكان مجلس اللوردات (الغرفة العليا غير المنتخبة من البرلمان) ومجلس العموم المنتخب (الغرفة الأولى للبرلمان) قد وافقا الأسبوع الماضي على مشروع القانون الذي يجبر رئيس الوزراء على أن يطلب من الاتحاد الأوروبي تأجيل البريكست إذا لم يكن ثمة اتفاق انفصال بحلول 19 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
كما تلقى جونسون صفعة ثانية أمس بعد رفض البرلمان للمرة الثانية على التوالي قرار إجراء انتخابات مبكرة، حيث صوت ٢٩٣ فقط لصالح القرار في حين يحتاج تمريره إلى موافقة ٤٣٤ نائبا، وهي الانتخابات التي استمات جونسون في سبيل الدفع باتجاهها، لكن رفض البرلمان ضيق الخناق عليه، وزاد من صعوبة مهمته في ادعاء تمثيل الشعب.
وشهدت جلسة التصويت تبادل الاتهامات بين جونسون والمعارضة التي وصفه رئيسها جيرمي كوربن بأنه رئيس وزراء لا يمكن الوثوق به، وأنه يدفع البلاد للهاوية، في وقت قال رئيس كتلة الحزب الأسكتلندي إن أسكتلندا صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي وإن رئيس الوزراء قد خسر ثقة الأسكتلنديين. كما وصفت زعيمة حزب الأحرار الديمقراطيين جونسون بأنه يمارس الألعاب الصبيانية ولا يكترث بالمصلحة الوطنية العليا.
كشف المستور
وصوت النواب أمس على قرار لإجبار الحكومة على نشر الوثائق السرية المتعلقة بتداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، في هزيمة برلمانية جديدة لرئيس الوزراء المحافظ.
وتطلب المذكرة -التي أقرت بأغلبية 311 صوتا مقابل 302- من الحكومة كشف المداولات بين المسؤولين حول خطتهم المثيرة للجدل بتعليق عمل البرلمان خمسة أسابيع.
وأصر جونسون على أن يعلق مبكرا أعمال البرلمان اعتبارا من فجر اليوم الثلاثاء حتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مؤكدا قبل تعليقه أنه لن يطلب تمديدا إضافيا للبقاء في الاتحاد الأوروبي، في تحد صارخ لمطالبة وإرادة المؤسسة التشريعية، الأمر الذي قد يعرضه للملاحقة القضائية.
وفي هذه الأجواء، أعلن رئيس مجلس العموم (البرلمان) جون بيركو أنه سيتنحى عن منصبه، بعد عشر سنوات قضاها في إدارة جلساته.
وقال بيركو -خلال حديثه في البرلمان- إن سنواته العشر التي أمضاها في منصبه قاربت على الانتهاء، وإن الخدمة كانت "أعظم شرف وامتياز" له، مؤكدا أنه إذا لم تجر انتخابات مبكرة فإنه سيترك منصبه في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وفي معرض تحليله للمشهد السياسي، قال فرانسيس إليوت المحرر السياسي بصحيفة تايمز إن رئيس الوزراء استمر في تلقي الهزائم. واعتبر أن ذلك "يعني أنه لا يمكن إجراء الانتخابات حتى النصف الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل على أقرب تقدير، لأن النواب لن يعقدوا جلساتهم من جديد إلا في 14 أكتوبر/تشرين الأول للموافقة على الانتخابات، فبموجب قانون البرلمان فإن المدة المحددة التي تجري الانتخابات فيها تكون بعد 25 يوما من حل البرلمان".
وسيسعى جونسون -حسب إليوت- إلى طمأنة حكومته بأنه سيظل يفي بوعده "النجاح أو الموت" في سبيل مغادرة الاتحاد الأوروبي يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل رغم التشريع الذي يمنع الخروج بلا صفقة والذي أصبح قانونًا أمس.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال المحلل السياسي والأكاديمي أحمد عجاج "المشهد غريب جدا برفض رئيس الوزراء الامتثال لقرار البرلمان، وإصراره على موقف بالخروج باتفاق أو بدون اتفاق".
وأضاف "جونسون بدأ يجد نفسه محاصرا لأن التفافه على الدستور غير المكتوب، وتلاعبه بالإجراءات سيدفع المعارضة أيضا لممارسة نفس نهجه، وبالتالي منعه من تحقيق مراده، معبرا عن استغرابه من نهج رئيس الوزراء في الوقت الذي فقد فيه الأغلبية بعد طرد ٢١ عضوا من أعضاء حزبه مما يجعل مهمته مستحيلة، ويجعل السيناريوهات كلها واردة الحدوث".
سيناريوهات
أما السيناريوهات المطروحة فتتوزع على أربعة: الأول أن يذهب جونسون في 17 أكتوبر/تشرين الأول المقبل إلى بروكسل وينجح في الحصول على اتفاق للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يبدو صعبا في ظل عدم تقديمه أي مقترحات جديدة خلاف ما قدمته رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي.
أما السيناريو الثاني فهو أن تسقط الحكومة أو أن يستقيل جونسون قبل ٣١ أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ومن ثم الدعوة لانتخابات مبكرة، إلا أن إجراء هذه الانتخابات سيتم في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل أي بعد موعد الخروج المقرر في ٣١ من الشهر المقبل مما يعني أن بريطانيا ستطلب تمديدا جديدا إلى ما بعد الانتخابات.
والسيناريو الثالث هو الخروج من دون اتفاق نهاية المطاف، وهو الأمر الذي يسعى له جونسون والجناح اليميني بحزب المحافظين الذي سيطر على مقاليد الحزب.
أما السيناريو الرابع فيعد آخر الاحتمالات التي يمكن اللجوء اليها وهو الدعوة لاستفتاء ثان، ويعد إلغاء لنتائج استفتاء ٢٠١٦، وهو أمر حذر قانونيون وسياسيون من تبعاته على الديمقراطية البريطانية.
المصدر : الجزيرة