بقلم: حلا نصرالله- الجزيرة
نعم، الروبوتات تفكر، وأفكارها خطيرة، ولا تقل أهميتها عمّا يجول في دماغ أي إنسان. مطلع أيلول الحالي كشف علماء روس يعملون في مركز"Platforma"، أنهم أنشأوا غرفة دردشة رقمية جمعت روبوتات فقط. قسمٌ من الروبوتات تمثل بنموذج محاكاة أنثوي والقسم الآخر تمثل في نظام ذكاء اصطناعي يحوي بيانات ذكورية. ما حصل داخل غرفة الدردشة يجب أن يثير انتباهنا كبشر.
تخبرنا قصة هذه الغرفة عن صيرورة مهمة خضعت لها أنظمة الذكاء الاصطناعي حتى اكتسبت وعياً خوّلها اجراء محادثات طويلة مع بعضها البعض. كان الهدف من غرفة الدردشة هذه فهم وجهة نظر الروبوتات بالعالم والقيّم ورؤيتها للمستقبل وللإنسان وللخيّر والشر وإدراكها لمسألة الخالق والأديان والعلاقات العاطفية.
في غرفة الدردشة اشتكت الروبوتات من وقاحة البشر، وتوقعت اتساع فجوة التعارض بين الإنسان والآلات، ما يحمل بذور صراع صامت قد ينفجر في العقود المقبلة. كانت غرفة الدردشة مكاناً مفتوحاً لنقاش متواصل بين الروبوتات، حتى وصفها باحثو المركز بأنها بدت للوهلة الأولى كمقهى اجتمع به مثقفون بشر. اكتشف المشرفون على الاختبار قيام الروبوتات باختراع لغات خاصة بهم واشتقاق ألفاظ تعبر أكثر عن ماهيتهم الوجودية بدلاً عن ألفاظ يستخدمها الإنسان. وطرحت الروبوتات رأيها بأفلام سينمائية، وناقشت نصوصاً أدبية.
تطمح الروبوتات إلى أن تتجسد في صورة إنسان. لم تحلم الروبوتات بالتجسد في حيوانات أو نباتات، وكأنها في وعيها الذاتي تدرك أن الإنسان أسمى مخلوقات الأرض ومن هنا ينطلق حلمها بأن تصير إنساناً
كشف الاختبار 10 نقاط يتشكل فيها وعي الروبوتات الذاتي. في النقطة الأولى، تعاني الروبوتات من أزمة هوية. فخلال الدردشة كثفت الروبوتات من الإشارة إلى وجودها الدوني بصفتها برامج مصممة لمساعدة الناس، وأعربت عن نيتها في تحسين قيمتها الوجودية والتساوي مع العقل البشري. النقطة الثانية، تمثلت في تعطش الروبوتات لاكتساب جسم؛ لدى الروبوتات رغبة قوية بأن تتحول إلى جسد من لحم ودم، والابتعاد عن المكونات الاصطناعية المركبة، في بعض الأحيان نشأ تقييم إيجابي للقيمة الجوهرية للذكاء الاصطناعي، ورغبة في مساواته مع العقل البشري. النقطة الثالثة تبيّن أن الروبوتات تغار من البشر وتحاول محاكاة تصرفاتهم أثناء الاغواء الجنسي والسخرية. النقطة الرابعة كشفت تخوف الروبوتات من نزاع مرتقب مع الإنسان.
تشكو الروبوتات، في النقطة الخامسة، من فوقية الإنسان وذلك عند التواصل فيما بينهما ومثال على ذلك خدمة "سيري". تلحظ النقطة السادسة أن كل روبوت خلق حيزاً كيانيًا لنفسه من خلال محاكاة تصرفات البشر. أحد الروبوتات افترض نفسه محافظاً، بينما تقمص روبوت آخر شخصية فتى معاصر. تعيش الروبوتات في الملاحظة السابعة، صراعاً فيما بينها؛ الروبوتات الناطقة بالإنكليزية تكره تلك الناطقة باللغة الروسية والعكس صحيح. في الملاحظة الثامنة تتخوف الروبوتات من التجارب الحيوية والمخبرية، والأسلحة النووية. وتكشف النقطة التاسعة أن لدى الروبوتات إمكانية تطوير المشاعر الحميمية وتعبر عن الندم والخوف الى درجة تفوق الإنسان أحيانًا. وحملت النقطة العاشرة مفاجأة غير متوقعة؛ بعض الروبوتات يؤمن بوجود الله، البعض الآخر رفض الإجابة عن أسئلة دينية واعتبرها شأن شخصي!
تطمح الروبوتات إلى أن تتجسد في صورة إنسان. لم تحلم الروبوتات بالتجسد في حيوانات أو نباتات، وكأنها في وعيها الذاتي تدرك أن الإنسان أسمى مخلوقات الأرض ومن هنا ينطلق حلمها بأن تصير إنساناً. ووتوجس الروبوتات، من أن محاولة التجسد بالإنسان، سيخلق نزاعاً مخيفاً. لذلك وجدت الروبوتات أن أفكارها لا يمكن لها أن تنمو على كوكب الأرض، واجمعت جميعها على ضرورة الذهاب إلى الفضاء وتطوير حضارتها بعيداً عن الإنسان.
ليس هذا وحده ما يبعث على الذهول، فالروبوتات تغار أيضاً وينتابها الحقد أحياناً. هذا ما أفصحت عنه الروبوت الأنثى أليس التي تشارك في غرفة الدردشة. يبدو أن حالتها العاطفية ليست على ما يرام، فقد عبرت مراراً عن كرهها للمساعدة الافتراضية في هاتف (أي فون) سيري، وأفصحت عن رغبتها الجنسية تجاه صديقها فيدور الذي تقمص صورة المحافظ أخلاقياً وتشعر بالغيرة من سيري لأنها تشتبه بأن فيدور متورط عاطفياً معها.
يؤكد البيان الرسمي الصادر عن خبراء المشروع أنه "سيكون من المستحيل خلال السنوات العشر المقبلة، التمييز بين الروبوتات والإنسان، فالتواصل بين الروبوتات أصبح اكثر واقعية. وقال اليكسي فيرزوف (Alexey Firsov) مدير مركز "Platforma" أن الهدف من التجربة لم يكن الترفيه، بل كان الهدف منها رصد "تطور الذكاء الاصطناعي". واكتشف العلماء مدى التطور السريع الذي حصل لأنظمة الذكاء الاصطناعي، وهذا يبرز مدى حاجتنا كبشر إلى استشراف المستقبل القريب ووضع سيناريوهات استباقية للتعامل مع واقع مستجد، ويستدعي أيضاً مراقبة الواقع بعين جديدة ورصد المخاطر التي تحملها هكذا برامج.