الرئيسية / مقالات
بعد عام على مقتله....هل سيظل خاشقجي يؤرق السعودية؟
تاريخ النشر: الثلاثاء 01/10/2019 10:43
بعد عام على مقتله....هل سيظل خاشقجي يؤرق السعودية؟
بعد عام على مقتله....هل سيظل خاشقجي يؤرق السعودية؟

إسطنبول / إحسان الفقيه / الأناضول

قد يكون التطور الأبرز تزامنا مع مرور عام على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، هو ما أفصح عنه فيلم وثائقي بثته محطة بي بي إس، مع اقتراب الذكرى، من إعلان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان تحمله المسؤولية عن الجريمة البشعة، وإن أنكر علمه بها.

الفيلم الوثائقي عبارة عن حوار مطول أجرته المحطة على هامش سباق سيارات في السعودية في ديسمبر/ كانون الأول 2018 مع بن سلمان، أي بعد أكثر من شهرين على اغتيال خاشقجي.

وقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية في 2 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

أنكرت الحكومة السعودية في البداية علمها بالحادث، لكنها اعترفت بعد عدة أيام بأن فريقا سعوديا يضم عددا من العاملين في دوائر حكومية حساسة يقفون وراء الحادث.

وتواصل حكومة الولايات المتحدة ضغطها على السعودية لمحاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي، والذين حتى الآن يخضع منهم أحد عشر شخصا للمحاكمة في السعودية، فيما تشير تقارير إلى أن أغلب الجلسات والإجراءات تتم بسرية كاملة وتعتيم إعلامي.

كما ان محمد بن سلمان رغم نفيه علمه بالجريمة، لا زال يواجهخ اتهامات قوية.. فبعد أشهر من التحقيق، تحدثت مقررة الأمم المتحدة المعنية بشؤون حالات الإعدام خارج القانون، أغنيس كالامار، في 19 يونيو/ حزيران الماضي عن أن هناك "أدلة موثوقة" على أن ولي العهد السعودي "متورط" في اغتيال خاشقجي.

وفي يوليو/ تموز الماضي طالبت "كالامارد" وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بكشف ما لديها من معلومات استخباراتية بشأن مقتل خاشقجي.

الوكالة في مرات عدة أكدت مسؤولية ولي العهد المباشرة عن الحادث، لكنها لم تفرج عن ما لديها من أدلة حتى الآن.

وخلص تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية صدر في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي إلى أن ولي العهد "من المحتمل" أن يكون "قد" أمر باغتيال خاشقجي، لكنّ مسؤولين سعوديين ينكرون ذلك ويتهمون فريق الاغتيال بـ "تحدي" أوامر إعادة خاشقجي إلى السعودية وهو على قيد الحياة.

مع ظهور ولي العهد في صدارة المشهد السياسي بالسعودية في عام 2015 وإطلاق رؤية 2030 للمملكة عام 2016، نظر إليه القادة الغربيون والأمريكيون على أنه قائد شاب طموح قادر على تغيير الصورة النمطية للسعودية إلى دولة أكثر انفتاحا في جوانب دينية واجتماعية، ما يجعلها الدولة الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية، لكن اغتيال جمال خاشقجي ألحق أضرارا بالغة أولا بسمعة السعودية وثانيا بسمعة الأمير الشاب الذي ينظر إليه حتى الآن بأنه صاحب القرار الفعلي في المملكة وأنه الملك القادم.

**مع وضد

ووجه مجلس النواب والشيوخ مرارا انتقادات حادة للسعودية وولي عهدها على خلفية حادثة مقتل خاشقجي، لكنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو ومسؤولين آخرين دافعوا عن ولي العهد بشكل غير مباشر، متعللين بعمق العلاقات الاقتصادية والتحالف الوثيق الممتد لأكثر من ثمانية عقود بين البلدين، والمصالح الإستراتيجية الأمريكية في ديمومة العلاقات مع السعودية.

على الصعيد الخارجي، فإن السعودية باتت في مواجهة تحديات إضافية على خلفية الحادثة من مقربين من ولي العهد، سواء ما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الحليف التاريخي الأوثق، أو محاولات ولي العهد جذب الاستثمارات الأجنبية لتمويل المشاريع الكبرى التي ضمّنها في رؤية 2030.

**انقسامات الادراة الامريكية

أدى مقتل خاشقجي إلى انقسامات حادة في دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة، حيث تسعى وكالة المخابرات المركزية ومشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لفرض عقوبات على السعودية وولي عهدها، دون أية استجابة حقيقية من فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض ومستشار الأمن القومي ووزارتي الخارجية والدفاع.

هذا، مع عدم اعتراض على بعض الإجراءات العقابية مثل وقف "جزئي" لبيع الأسلحة للمملكة وفرض عقوبات على 17 سعوديا مقربين من ولي العهد متهمين بالضلوع بالجريمة.

**العلاقة في ظل ترامب

تعمقت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بشكل أكبر بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض بالتزامن مع إجراءات أكثر حزما اتخذها ولي العهد السعودي في ما يتعلق بالأمن الإقليمي، والتهديدات الإيرانية عبر الحرب في اليمن ضد جماعة الحوثيين الحليفة لإيران بتعاون أمريكي استخباراتي ومعلوماتي.

وأيضا تزويد التحالف العربي بقيادة السعودية بأسلحة وتوفير الوقود للطائرات المقاتلة جوا، التي تقوم بها طائرات أمريكية، توقفت عن مهماتها قبل أيام، بناء على طلب سعودي.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2018، أقرّ مجلس الشيوخ قرارا بإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن وإلقاء مسؤولية مقتل جمال خاشقجي على ولي العهد.

**أزمات داخلية وخارجية

شهدت السعودية خلال عام بعد مقتل خاشقجي أعمق الأزمات الداخلية والخارجية متعددة الأبعاد، وأكثرها تعقيدا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تبعه من اتهامات وُجهت للسعودية بالوقوف وراء هذه الأحداث، والتي فرضت على المملكة سلسلة من الإجراءات في جوانب عدة شملت مناهج التدريس والنظم المالية والخطاب الديني وغيره.

ولفتت حادثة مقتل خاشقجي أنظار العالم إلى الحديث عن انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان بممارسة التعذيب بحق ناشطين وناشطات حقوقيين، وحملات الاعتقال التي طالت المئات من المفكرين والدعاة ورجال الأعمال وقادة الرأي.

**حرب اليمن

كما لفت مقتل خاشقجي أكثر العالم للوضع في اليمن، حيث كان متحفظا على التدخل السعودي.. ولا تزال السعودية لليوم تعاني على الصعيد الخارجي من تداعيات الحرب الأهلية في اليمن وعدم إمكانية الحسم العسكري بعد خمس سنوات على قيادتها للتحالف العربي لدعم الشرعية، إلى جانب الانعكاسات غير المحسوبة لحادثة مقتل خاشقجي سواء على الداخل السعودي أو على صعيد علاقات المملكة مع دول العالم، الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

يضاف إلى كل ذلك، إخفاق السعودية في مواجهة هجمات إيران وجماعة الحوثي الحليفة لها على البنية التحتية للطاقة والمنشآت والمرافق الحيوية.
وأدت حادثة مقتل خاشقجي إلى عودة الحرب اليمنية إلى دائرة الاهتمام الأمريكي في الأوساط المعارضة للرئيس دونالد ترامب، في سياق انقسام حاد داخل الكونغرس، نجح الفريق المعارض في انتزاع قرار يقضي بإنهاء المساعدة الأمريكية للحرب في اليمن، مع "توبيخ" لولي العهد بصفته المسؤول عن مقتل خاشقجي.

ومع ذلك، يبدو من المرجح استمرار العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والسعودية طالما حافظ الملك سلمان بن عبد العزيز على قدراته في تثبيت نظام الحكم القائم وعدم الانزلاق إلى أوضاع غير مستقرة في الداخل السعودي، والأهم داخل الأسرة الحاكمة المتحالفة معها منذ أكثر من ثمانية عقود. 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017