الرئيسية / الأخبار / فلسطين
نداء العزة
تاريخ النشر: السبت 05/10/2019 21:23
نداء العزة
نداء العزة


تقرير: تسنيم ياسين
خاطفاً الأنظار كان قيس ذو العامين يدور بين أسلاك الكاميرات، يفسد لقطة هنا وأخرى هناك متمرداً على أوامر جدته في الجلوس والسكون، وهي التي عرفت تمرداً من نوع آخر من بنت بطنها التي رفضت الاستكانة والاختباء من زخات الرصاص أثناء اجتياح مخيم عزة أو بيت جبرين لتصبح فيما بعد خبراً.
نداء العزة، فتاة أصرت على حفر اسمها على جدران مخيمها، فدارت في فلك سير الشهداء حتى صارت واحدة منهم، وطُبعت في ذاكرتها صورة الطفل الشهيد محمد الدرة، وإيمان حجو، لتصبح هي بعدهم صورة أخرى لجرائم الاحتلال.
"منذ طفولتها كانت كثيرة الحركة، انتماؤها للوطن أكبر من سنها، تلاحق سير الشهداء وحكاياتهم وتظل تلح علي كي تزور المستشفى وتراهم في الثلاجات، كانت تحلم أن تصبح ممرضة أو صحفية لتنقل الحدث كما تقول ولكنها لم تعرف أنها ستصبح حدثاً"، تقول والدتها.
يوم الثامن والعشرين من أيلول عام 2000 اندلعت شرارة انتفاضة الأقصى التي كانت بداية فصل جديد من فصول المقاومة والتغول الصهيوني في دماء الفلسطينيين، فكان مخيم عزة الواقع في قلب مدينة بيت لحم ساحة معارك عنيفة ترقبها نداء من نافذة بيتهم على أطراف المخيم.
اقتحم الاحتلال المخيم وبدأ بهدم البيوت لفتح طريق لقواته بين الممرات الضيقة التي كانت تحمي المقاتلين، فكان بيت عائلة نداء، الذين فقدوا أباهم عام 1996، هدفاً للاحتلال بقذيفة أدت لإصابة نداء بشظايا في صدرها وظهرها فيما أصيبت شقيقتها شذى بيدها وصدرها.
غادرت العائلة المنزل إلى مخيم الدهيشة، وحينما عادوا كان المنزل قد أزيل بالكامل بجرافات الاحتلال، فاستأجروا منزلاً جديداً قريباً من القديم في سياسة الند التي أتقنها الفلسطينيون ضد الاحتلال.
تروي الوالدة أم محمد: "كل يوم كنا على موعد مع شهداء جدد من جيراننا وأقاربنا، ومنهم جارنا محمد براقعة الذي كان من ذوي الاحتياجات الخاصة فترك أبناءه الذين كانوا أصدقاء نداء بعده أيتاماً".
يوم الاستشهاد تذكره الأم بتفاصيله، فمنه حوار دار بين نداء وصديقتها، ترويه لنا: "يوم استشهادها بتاريخ 9 آذار عام 2002 كانت تتحدث إلى صديقتها التي تجلس على النافذة تنصحها بالنزول كي لا يغتالها، فرفضت البنت قائلة: "خليني أستشهد"، فردت عليها نداء: "انت مش رح تكوني شهيدة بس اللي بصلي بستشهد"، فسمع الحوار والد الفتاة ونقله إلي ضاحكاً على جرأة نداء.
لم تمر ساعات حتى أصيبت نداء برصاصة في ظهرها، في البداية لم أصدق نداءها حتى اقتربت مني مع أختها ثم سقطت على الأرض ولم تصل إلى المشفى حتى كانت قد ارتقت كما أحبت، شهيدة مثل محمد الدرة وإيمان وبقية الأطفال".
يوم الثامن من آذار عام 2002 ذاع خبر استشهاد الشباب سائد عيد وجاد سالم وعيسى أبو فرج في مخيم الدهيشة، فأصرت نداء أن تزورهم في الثلاجة وبكت كثيراً حتى أخبرها خالها أنه سيذهب لدفنهم فقررت أن تذهب معه، لكنها استشهدت في ذلك اليوم، ووضعت بدلاً منهم في الثلاجة حتى حان موعد دفنها في مقبرة شهداء المخيم.
الشهداء يخطون التاريخ بدمائهم، ينقلونه لنا نقياً خالياً من حماقات تصر على تغييبهم من الذاكرة، ولكنهم يصرون دوماً على صرامة الحضور ويفرضون أنفسهم حقيقة وأجوبة لا حياد عنها.
 

 

المزيد من الصور
نداء العزة
نداء العزة
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017