الرئيسية / الأخبار / عناوين محلية
حكاية نداء العزة... شهادة ما بين الحلم والواقع
تاريخ النشر: الأربعاء 09/10/2019 14:02
حكاية نداء العزة... شهادة ما بين الحلم والواقع
حكاية نداء العزة... شهادة ما بين الحلم والواقع

كتبت:آلاء أبو ذراع, أنوار رمضان
"دخلت إلى البيت ورأيت نداء بشكل مختلف كانت هالة من النور تحيطها, تلعب مع أخواتها وبنات الجيران ويزينوها بأبهى الملابس, سمعت أختها تقول لها"والله انك عروس وبنزبط فيكي", ابتسمت نداء قائلة" عشان إذا استشهدت أكون نظيفة وحلوة".هكذا استهلت أم أسامة السيدة الخمسينية ذكرياتها عن ابنتها الشهيدة .
وأردفت بصوت مرتعش يظهر غصة قلبها من طيف الذكريات الذي هاجمها دفعة واحدة, قائلة"مهما حاولنا النسيان لا نستطيع, ذكريات نداء محفورة في قلوبنا خاصة هذا الموقف الذي حصل قبيل استشهادها, ذكريات تعود بنا إلى الماضي المؤلم, لكن حتى بعد مرور 17 عاما على استشهادها نحيا بذكرياتها تلك, نداء ما زالت باقية فينا ويتذكرها الصغار قبل الكبار".
من هي
منذ أن تفتحت عيناها على هذه الدنيا بتاريخ 3/8/1986, وهي لاجئة في مخيم العزة "بيت جبرين" الذي يتربع في قلب بيت لحم, بعد أن شردت عائلتها من قرية بيت جبرين, وهي بلدة عربية فلسطينية تقع في شمال غرب مدينة الخليل على بعد 21 كيلومتر.
نداء هي الأخت الوسطى لـعائلة عددها خمسة (3اناث و2 ذكور), كانت تحب الحياة والمزح والحركة كثيرا وكانت جدية في نفس الوقت "جريئة وتقول الحقيقة والصدق دوما".
واستذكرت خوله العزة والدة الشهيدة, ابنتها بالقول" انتقلت لتكمل دراسة الصف العاشر إلى مدرسة بيت لحم على الرغم من أنها طالبة جديدة في مدرسة غريبة عنها, إلا أن طبعها الاجتماعي وحبها للتعرف على الناس جعلها تتأقلم مع الجو الجديد وتتعرف على جميع المعلمات".
أردفت أم أسامة مبتسمة" كانت تتحدث مع جميع آهل مخيم العزة حتى الرجال لقولها أن جميعنا واحد وكل الناس أقاربي لذلك سأتحدث مع الجميع، بخلاف أخواتها كان الجميع يعرفها".
كغيرها من الأطفال كانت تحلق بها أحلام الطفولة البريئة, فكانت تحلم بان تصبح ملاك للرحمة أو جندية تحارب بقلمها.كانت دائما تقول لأهلها" أريد أن أصبح ممرضة كي أداوي وأسعف الجرحى, وصحفية كي اكتب عن معاناة الناس".
حلم بسيط لكن سلبها منه المحتل وبات حلم يصعب تحقيقه, لكنه منحها حلمها الأكبر فنالت الشهادة وكان العاشر أخر صفوفها .

 

هدم المنزل
في إطار أحداث انتفاضة الأقصى, أصبحت مخيمات الضفة الغربية حدث لعمليات الاحتلال العسكرية, فكانت الاجتياحات اليومية والمتكررة هي جزء من حياة المواطنين في مدينة بيت لحم ومخيماتها, وخاصة بيت جبرين مسقط رأس الشهيدة.
بعد أحداث الانتفاضة بشهر اوكتوبر عام 2001, اقتحمت مجنزرات الاحتلال مخيم العزة, وجهت المجنزرات الإسرائيلية نيران أسلحتها باتجاه بيوت المواطنين, وبسبب حجمها الكبير ووجود بيت نداء في الأطراف واقتحمت المجنزرة حصون المنزل مما أدى إلى هدم البيت بالكامل و أصيبت نداء وأختها في شظايا متفرقة.
وقالت العزة"بعد هدم المنزل استأجرنا بيت في نفس المخيم لعدم رغبة أولادي بالخروج منه بالتزامن مع اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيمات عايدة والعزة والدهيشة".
مشاعر طفلة
يا قدس هيهات أن يتحقق حلمُ
الأعداء ما دام فينا قلب ينبض
يا قدس إن لهفة القلب بداخلنا والدليل
على ذلك الطفل الرضيع حاول أن يحمل الحجر
ولتعلم أمريكا أن دمنا غالي ولكن دمنا من أجلك يا قدس يهون
بالكتابة والشعر كانت نداء تلجأ إلى دفترها كلما غضبت من الأوضاع الصعبة التي كنا نعاني منها في فترة الانتفاضة ."شهيد ورا شهيد" وحزنها يتجدد مع كل قطرة دماء تسيل من أبناء مخيمها ووطنها.
ولكن أكثر ما أحزن نداء هو استشهاد الطفل محمد الدرة الذي قتل على يد الاحتلال الإسرائيلي وهو في حضن أبيه الذي لجأ إلى برميل إسمنتي يقيه زخات الرصاص المتعمدة من الجيش الإسرائيلي وهو لا يحمل حجرا أو سلاحا ليدافع فيه عن نفسه وعن ابنه.
ما بين الحلم والواقع
الاجتياحات متكررة, والأوضاع في المخيمات لا تهدأ, المنازل مهدمة على رؤوس ساكنيها والمشافي لا تخلو من الجرحى, وفي كل منزل شهيد. ومع كل شهيد يسقط كانت نداء تتألم لحالهم كأن جزء من روحها هي التي تخرج, كانت تطلب دائما من أهلها أن تذهب إلى رؤية الشهداء وتوديعهم قبل تشييعهم إلى مثواهم الأخير.
هل كانت تحدثكم عن ما يجول في خاطرها؟أخاطب أم أسامة متسائلة، فتقول كانت دائما تردد على مسامعنا رغبتها في الاستشهاد وطلب الشهادة من الله .فكانت بيوم تلعب مع أخواتها أمام الشبابيك المحاصرة من خلفها الجيش الإسرائيلي, كنت أحذرها وأخواتها من رصاصة طائشة وأذهب حتى سمعت بينهم شجار من التي ستستشهد أولا.فتقول نداء بصوت مرتفع" ارتاحن ولا وحدة فيكن بتستشهد إذا حدا بستشهد فهو أنا ".
هل يعقل أن تتحقق الأحلام؟ لا بتأكيد إنها أضغاث أحلام(تتساءل أم أسامة وتجيب بنفسها), ولكن هل من الممكن أن يحلم ثلاث أشخاص بنفس الحلم في الليلة نفسها.كل الإشارات في تلك الليلة تشير إلى أن حدث ما سيصيب هذا البيت .

تحقيق الحلم
بيت متوهج..رائحة عطر زكي تحوم في الإنحاء.. كل شيء مرتب كأن متأب وفي وضع الجاهزية لما سيحدث.مع كل هذه الإشارات كانت الآم تترقب فحدسها يخبرها بأن شيء ما هناك سيحدث لإحدى بناتها خاصة بعد الحلم المشترك الذي لم يبح أحد به.
مواجهات بالقرب من بيت العزة, بينما كانت نداء تقف مع اختها على الشباك وتتحدث مع صديقتها عن الشهادة (حديثها الدائم في الفترة الأخيرة كما قالت والدتها).
"نداء أدخلي أنتي وأختك بلاش تتصاوبن". صرخت الأم بخوف على بناتها, ما إن أنهت جملتها وإذ برصاصة  غادرة تقتحم جسد نداء من الخلف.
ركضت أم أسامة بهلع عندما سمعت صوت تأوه ابنتها, التي كانت على الأرض وتسبح بدمائها, لم تمهلها الرصاصة الغادرة كثيراً حتى انتقلت روحها إلى بارئها بتاريخ 9-3-2002
قالت أم أسامة "لم نستطع أن ندفن نداء في مقبرة الشهداء تلبية لوصيتها التي طلبتها قبل أيام من استشهادها بسبب الأوضاع في المنطقة, شيعنا جثمانها إلى مقبرة بيت ساحور ".
ورغم حزنها تقول أم أسامة" نداء طلبت الشهادة ونالتها , لا أمل شيء سوى ان يتقبل الله شهادة نداء ويجعلها طير من الجنة".
تداري دموعها بابتسامة على شفاهها تبين ووجعها الدفين في أعماق قلبها وروحها يقولون الأم تصبر لكن الله هو الذي ينزل عليها الصبر والثبات.
نالت شهادتها ولبت نداءات القدس التي كانت تكتب لها في قصائدها:
إليك يا قدس
يا قدس اصبري فقد حان وقت تحريرك
يا قدسُ نعلم أنك تنادي على شبابك
واعلمي أيضا أن كل شاب وشابة
فلسطيني سيأتي يوم ويقتلع هذه الشوكة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا قدس إن الموت بيننا موزعٌ
نرفض الحياة ما دمت أسيرة
فلسطين ها قد جاء عرسك
فثمن مهرك غالي يدفعه الشباب
فلسطين حياتنا فداك ما دمنا محبيك
وقلوبنا فدى القدس الحبيب
 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017