القدس العربي”:
بعد عامين من صعوده إلى وراثة العرش السعودي، يجد محمد بن سلمان نفسه أمام تحديات تتعلق بانجازاته. ومع أنه قدم نفسه بمثابة الرجل القوي الذي يريد تحويل السعودية إلا أن حصيلة الرجل القوي فقيرة كما يقول أمبروز كيري، مدير شركة الإستشارات الأمنية الإقتصادية “ألاكو” بلندن في تقرير نشره موقع “بزنس إنسايدر”، مشيرا إلى أن وعود الأمير الشباب لم تتحقق، فنسبة البطالة اليوم عالية ويقوم رجال الأعمال الأثرياء بنقل ثرواتهم إلى خارج المملكة أما الغربيون فمترددون في وضع أموالهم فيها.
ويضيف أن الأمير الشاب الذي وقف واثقا من نفسه على المسرح الدولي أصبح ظل نفسه بل ويبدو أنه “أهين”، فسمعته الإقليمية كرجب قوي تراجعت أما إصلاحاته الإقتصادية فلم تتحرك قيد أنملة. ويعاني من ضغوط لتحمل مسؤولية مقتل جمال خاشقجي وأهين بالهجوم الذي اتهمت به إيران على منشآت إنتاج النفط والتي أدت لتوقف مؤقت لنسبة 50% من القدرة الإنتاجية.
ويكافح محمد بن سلمان من أجل الحصول على احترام في المجتمع الدولي وينظر له كشخص ضعيف من منافسته الإقليمية إيران. ولأنه نفر الكثير من المستثمرين من خلال محاولاته المغلفة بغلاف تطهير الفساد وسجن الأثرياء المؤثرين في البلاد ودوره في جريمة مقتل خاشقجي فإن عزلة وريث العرش كانت كاملة لولا الدعم المتواصل من معظم السعوديين، خاصة الشباب الذين دعموا إصلاحاته الإجتماعية. وهذه وللمفارقة من شخص ديكتاتوري يطمح لتحويل البلاد إلى دولة ليبرالية وذات رؤية متقدمة.
ويشير الكاتب لصعود الأمير المفاجئ في انقلاب قصر عام 2017، حيث ركز دعائم سيطرته على مفاصل الدولة وتبعت ذلك عملية تطهير لمعارضيه المحتملين، واحتجازه الغريب لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي كان في زيارة إلى السعودية وحملته المثيرة للجدل لمكافحة الفساد، وتبع ذلك رؤية 2030 لتحويل المملكة والتي عرضها قبل عام من صعوده للعرش وسط احتفاء وصخب وبحضور غربي واضح. وعمل في زيارة لكل من واشنطن ولندن على الترويج لخطته التي قال إنها تطمح لكسر اعتماد المملكة على النفط. ولكن صورته كرجل وحشي وقاس مصمم على جر بلاده إلى القرن الحادي والعشرين بدأت تتخذ شكلها في بعض الدوائر، فيما شكك آخرون بنوايا ولي العهد الشاب. وبدأت تثار أسئلة حول استعداده لتطبيق إجراءات تقشف بعد محاولته تخفيف آثارها من خلال مساعدات بالمليارات للمواطنين الذين احتجوا عليها. وحصل هذا في وقت كانت فيه خزينة الدولة تجف بسبب الحرب المستمرة في اليمن.
ومن أجل تمويل الإصلاح تبنى سياسة مثيرة للشك لمكافحة الفساد، حيث سجن عددا من رجال الأعمال والأمراء في فندق ريتز كارلتون، وأسوأ من هذا أخافت عملية قتل الصحافي خاشقجي المستثمرين التي امتحنت أعصابهم. ومضى محمد بن سلمان بسياسة أخرى محفوفة بالمخاطر وهي سياسة “سعودة” الوظائف واستبدال العمالة الوافدة بعمالة سعودية، وهي السياسة الموجودة قبل وصوله إلى السلطة. وهو ما خلق مشكلة للقطاعين العام والخاص، ذلك أن رحيل العمالة الأجنبية التي أجبرت على مغادرة المملكة خلق فراغا لم يكن من السهل ملئه. وهناك تقارير تحدثت عن ارتياح التجار من ميزات السياسة فيما قامت السلطات بإغلاق المحال التي لم تطبق السياسة. ولم تكن العمالة الوافدة هي التي تركت البلاد بل والمال السعودي، حيث بدأ الأثرياء الخائفين من حملة جديدة في ريتز كارلتون بنقل أموالهم سرا إلى الخارج.
ويقول الكاتب إن الأثرياء يخرجون أموالهم عبر دفعات صغيرة لئلا يثيروا انتباه السلطات. أمام الشخصيات السعودية البارزة المقيمة في الخارج فهي لا تدري إن كانت ستعتقل حال عودتها إلى السعودية أم لا.
ونقل الكاتب عن مصادر قولها إن الأمراء ورجال الأعمال السعوديين والمستشارين يتجاوزون الفترة المحددة في تأشيراتهم ببريطانيا حيث تغض الحكومة البريطانية الطرف. وهناك مخاوف حقيقية لعودتهم فسجناء الريتز الذي توصلوا لتسويات مالية مع الحكومة مقابل حريتهم لا يسمح لهم السفر، ومن أبرز هؤلاء هو الأمير الوليد بن طلال، وتظهر مقابلاته مع الصحافة ما يرى البعض أنه “عرض ستوكهولم” (وهي الحالة التي تدفع الرهائن لبناء تحالف مع خاطفيهم).
كما أن حرية حركة الأثرياء قيدت بسبب عدم قدرتهم على دفع المبلغ المطلوب منهم. ويفهم أنه تم إعادة تشكيل أرصدتهم فيما ترتبط أرصدتهم المالية في الخارج بأمناء لن يوافقوا على الإفراج عنها إلا في حالة معرفتهم أن المنتفعين منها لا يتعرضون للإكراه.
وكشفت صحيفة “فايننشال تايمز” عن ضغوط على الأثرياء السعوديين لشراء حصص في الإكتتاب العام المقبل لشركة أرامكو. إلا أن محمد بن سلمان لديه مظاهر قلق أهم في أعقاب الهجوم الإيراني على السعودية، فالرئيس دونالد ترامب لا يبدو في مزاج لجر الولايات المتحدة إلى نزاع مع طهران.
وفي ظل تردد ولي العهد مواجهة إيران بمفرده تظل المملكة عرضة للمخاطر. وأثار بقاء الحكومة التي تنقل أعمالها في الصيف من الرياض إلى جدة التي ظلت فيها بعد الهجمات الإيرانية الأخيرة.
وحتى الإمارات العربية المتحدة، حليفة محمد بن سلمان بدأت تتنازل لطهران، وقررت سحب قواتها من اليمن والتعاون مع الإيرانيين في الأمن البحري. وفي الوقت الذي حذر فيه من مخاطر عرقلة نفط الخليج على الإقتصاد العالمي، إلا أن المجتمع الدولي الذي استمع إليه ليس لديه ما يقوله أو يشارك به في مجال حراسة الناقلات أو زيادة دفاعات المملكة.
ولأنه بات يواجه إيران لوحده فإنه سيجد مشاكل أخرى تلاحقه في الداخل من زيادة معدلات البطالة 12% أو أكثر. فيما توقع صندوق النقد الدولي النمو الإقتصادي السعودي لهذا العام بحوالي 1.9% وهذا رغم كون الميزانية الحكومية الأكبر. ولم يساعده أيضا أسعار النفط المنخفضة والتوتر الأمني في الخليج. وبعد أكثر من ثلاثة أعوام على إعلانه عن رؤية 2030 ليس الأمير ما يقدمه للشعب من إنجازات، فالإستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي كان 12% مما كان عليه قبل عقد.
وتؤخر الشركات المتعددة الجنسيات الإستثمارات في السعودية بسبب ما تراه عدم استقرار لوضع الأمير. وتظهر الكآبة الإقتصادية من خلال انهيار أسعار العقارات ومراكز التسوق الفارغة، خاصة أن زيادة تكاليف المعيشة تمنع المواطنين عن الإنفاق كما في الماضي. ولعبت ضريبة القيمة المضافة دورا في هذا حيث حدت من الإستثمارات السعودية. وقررت شركة تجارة تجزئة كبير تعليق خطط التوسع بسبب الضريبة على المبيعات.
ويبدو أن خطة الأمير الرئيسية لبناء مدينة المستقبل نيوم تسير في نفس الإتجاه الذي سارت فيه خطط عمه الملك عبدالله الذي خطط لبناء ست مدن اقتصادية منها مدينة الملك عبدالله الإقتصادية التي تبدو مدينة مكلفة ولكن لا منفعة منها. ولحسن الحظ لمحمد بن سلمان فلا يزال الرأي العام يدعمه، مع أنه من الصعب التعرف على مستويات الدعم، إلا أن التعليقات على وسائل التواصل الإجتماعي تظهر تذمرا من سياسات التقشف. ومع ذلك هناك دعم لإصلاحاته الإجتماعية.
وينظر لمحمد بن سلمان كرجل حداثي في المملكة وهناك الكثيرون ممن يدعمون خططه لتخفيف القيود الإجتماعية المحافظة. وهذا الدعم وإن كان مهما له وهو يحاول إصلاح الإقتصاد إلا أنه محدود. فانخفاض أسعار النفط وتراجع الإستثمار الأجنبي المباشر ستترك أثرها بالتأكيد على محمد بن سلمان.