نابلس/ لبابة ذوقان/ الأناضول- 

كما عُرف عن ألعاب أطفال فلسطين على مر النكبات والحروب والانتفاضتين التي عاشوها منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لأرضهم، والتي تتخذ طابع العسكرية والقتال، اختار أطفال الضفة الغربية بالونات على شكل صواريخ “المقاومة”، كلعبة مفضلة لهم منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.
وانتشرت بالونات على شكل الصواريخ التي تطلقها الفصائل الفلسطينية، معبأة بغاز الهيليوم في أسواق الضفة الغربية، فكانت محط أنظار الأطفال وحتى الكبار، الذين أعجبوا بفكرتها، وأقبلوا على شرائها بشكل لافت وكبير.
حسن عيسى توقف عند أحد باعة البالونات، وأشار في حديثه للأناضول إلى “أن شراء مثل هذه البالونات الصاروخية تعزز حب الجهاد ومحاربة الاحتلال الإسرائيلي في نفوس الأطفال”.
وأضاف: “الصواريخ التي ضربتها المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة على إسرائيل، رفعت رأسنا ورأس العرب كلهم، لذلك يجب أن نربي أولادنا على الجهاد، وأن تكون ألعابهم سببا في ذلك وتعلقهم أكثر بالمقاومة”.
الطفل ياسر قطاوي (10 سنوات) استوقفته البالونات خلال سيره في سوق مدينة نابلس مع والده، ليطلب منه أن يشتري أحدها.
وعن سبب رغبته في شرائها، قال ياسر للأناضول:”رأيت صواريخ مثلها في غزة، يضربوها على إسرائيل، وأنا أحب المقاومة”.
ولعل ما يميز أطفال فلسطيني عن غيرهم من أطفال العالم، هي الألعاب التي فرضت طبيعتها عليهم، انعكاسا للواقع الذي يعيشونه في ظل الاحتلال الإسرائيلي، والتي من أبرزها لعبة “يهود وعرب” والتي تعد من الألعاب الشعبية الفلسطينية.
كما يهوى أطفال فلسطين اقتناء الألعاب العسكرية البلاستيكية، كالمسدسات والبنادق والطائرات وغيرها، ليحولوا ساحة لعبهم لميدان معركة بين فريقين “يهود وعرب”.
وفي أحد أحياء مدينة نابلس، انتشر عدد من الأطفال حاملين بنادق ومسدسات بلاستيكية، فيما حمل آخرون البالونات الصاروخية، لتبدأ معركتهم بين “الإسرائيليين والعرب”، في لعبتهم اليومية والمفضلة لديهم.
استوقفت الأناضول أحد الأطفال الذين حمل بالونا صاروخيا، لتسأله عن سبب اختياره لهذه اللعبة، فقال:”هذا صاروخ قسام (نسبة إلى كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس)، سأضربه على اليهود، وعندما أكبر سأحمل صاروخا حقيقيا وأقصف به تل أبيب كما فعلت القسام”.
مدرب التنمية البشرية مخلص سمارة، قال إن “سر إقبال الأطفال على شراء هذه البالونات والألعاب التي تحاكي صواريخ المقاومة يعود للحالة العامة التي تعيشها الأسر الفلسطينية من تضامن والتفاف حول تلك المقاومة”.
وأضاف: “لمشهد سقوط صواريخ المقاومة على تل أبيب وحيفا يوميا جو خاص لكافة الأسر ومن بنيهم الأطفال”.
ولفت سمارة إلى أن “جيل انتفاضة الحجارة وما بعدها وحتى ما قبلها، عرف الأطفال البنادق البلاستيكية كأحد أشكال مجاراة ما يجري على أرض الواقع من صراع  بين المقاومة والاحتلال، فوجدناهم يتفاخرون بشراء الأسلحة البلاستيكية لتكون لعبتهم التي تجسد الصراع بين المحتل والاحتلال نفسه”.
وخاض الشعب الفلسطيني انتفاضتين الأولى امتدت بين العام 1987، وانتهت مع العام 1993 مع توقيع اتفاق أوسلو ما بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وسميت بانتفاضة الحجارة. فيما اندلعت الانتفاضة الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000 واستمرت لنحو 4 سنوات وأطلق عليها “انتفاضة الأقصى”.
وعن البالونات الصاروخية التي انتشرت في عدة محال تجارية بالضفة الغربية، قال مدرب التنمية البشرية: “الأطفال وجدوا في مثل تلك الألعاب فرصة ليعيشوا أجواء المقاومة الباسلة المشرفة، في الوقت الذي يجدون فيه كل من حولهم يشيد بتلك الصواريخ”.
وحول انعكاس ذلك على عقلية الطفل، قال:”هناك بعد تربوي ونفسي يتمثل بأن الطفل الذي ينشأ في أسرة تعيش تفاصيل الحدث الوطني بكافة تفاصيله وتقوم بمتابعة الهم الفلسطيني، فإن ذلك ينعكس هذا الطفل الذي يتشرب منهم معاني الوطنية والانتماء، هذا من جهة”.
وتابع:”من ناحية أخرى، عندما يرى الطفل ذويه متعلقين قلبا وقالبا بالمقاومة ويتابعون أخبارها، يجد نفسه هو الآخر متشبعا بالأفكار الوطنية،  ليقوم بعدها باقتناء مثل تلك الصواريخ والألعاب البلاستيكية التي يباهي بها الجميع، وهي في الحقيقة تعبير عن مكنون رائع داخل هذا الطفل”.
وبيّن سمارة أن تلك الألعاب ترسخ كثيراً من القيم الوطنية والمباديء التي تعجز عنها مؤسساتنا التربوية والإعلامية، خصوصا إذا تزامن مع وجود بيئة وتربية وطنية داخل البيت نفسه.
ولتلك الألعاب أثرا نفسيا وتربويا، قد يصاحب الطفل طوال حياته، حسب سمارة، الذي أضاف:”يقال في المثل الشعبي من شب على شيء شاب عليه، لكن ليس من الضرورة أن يحمل هذا الطفل صاروخا في المستقبل ولكنه على أقل تقدير سيكون منغمسا بالهم الوطني، ومتابعا لكل ما يجري في بلده من صراع مع المحتل، ويعرف ما هو الطريق الصحيحة التي يجب السير فيه وطبيعة العلاقة مع المحتل”.
وتشن إسرائيل منذ السابع من الشهر الجاري عملية عسكرية ضد قطاع غزة أطلقت عليها اسم “الجرف الصامد” قبل أن تتوسع فيها وتبدأ توغلا بريا محدودا الخميس الماضي.
ومنذ بداية العملية وحتى صباح الثلاثاء ، قتلت إسرائيل 582 فلسطينيا، وأصابت أكثر من 3 آلاف آخرين، معظمهم من النساء والاطفال والمسنين، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
في المقابل، أسفرت العملية، عن مقتل 18 جندياً إسرائيلياً ومدنيان، فضلاً عن إصابة نحو 485 معظمهم بـ”الهلع″، إضافة إلى إصابة 90 جندياً، وفق الرواية الإسرائيلية، و30 قتيلا من الجيش الإسرائيلي، وفق رواية حماس.