بقلم: عيسى قراقع
عندما يأتي نهار فلسطيني واحد لا موت فيه، وليلة لا حلم فيها، تبلغ الأسيرة هبة اللبدي ذروة السماء في إضرابها المفتوح عن الطعام كأنها ترى حريتها خلف السحاب.
هي الملكة الكنعانية التي فتشت دولة الاحتلال الإسرائيلي عنها طويلا، نبشت الحجارة والصخور وشنت خمس حروب دمويات للقبض عليها، نسفت البيوت وجرفت الأرض وشنت حملات الاعتقالات، حاول الإسرائيليون إسكات التاريخ واختراع أساطير وممالك ولغة عسكرية، أغلقوا الجسور والموانئ والمطارات، أين هبة اللبدي؟ امرأة عادت من الذاكرة وخرجت من الغياب.
هي ملكة فلسطين التي تحمل جوعها وصبرها وتطرق باب المستحيل، اعتقلوها يوم 20/8/2019، عذبوها قمعوها قصفوا جدائلها، حاولوا ان يسقطوا من قلبها عطش الحياة، فانفجرت في الكون كل ينابيع النساء.
دولة الاحتلال الإسرائيلي تعتقل الملكة هبة اللبدي، قاضي المحكمة العسكرية برر اعتقالها بأن لها صوت يوصل الماضي بالحاضر والزمان بالمكان، صوتها يقلق دولة إسرائيل، صوتها يصعد إلى الفضاء يعانق الضوء، ملكة تصهل في الوعي وتوجع ذاكرة الإسرائيليين، هي على اتصال بكل الملكات الكنعانيات، هي الوعد والكبرياء.
الملكة هبة اللبدي صمدت على مدار 25 يوما في غرف التحقيق، وكانت تغني: لا غرفة التحقيق باقية ولا زرد السلاسل، سمع العالم صوتها ألملكوتي، صوت عميق صاعد من جوف الأرض كأنه صوت القيامة المهيب.
الإسرائيليون لازالوا غير قادرين على اكتشاف سلاح مضاد لسلاح الجوع والإضراب المفتوح عن الطعام، لا سلاح لهبة الروح إذا انطلقت من اجل الكرامة، جرب الإسرائيليون كل شي، ما هذا الشئ الذي يسمى إضراب؟ تساءل أطباء السجون، بعضهم قال إنها قنبلة فراغية تحدث فراغا يجرد دولة إسرائيل من الأرض التي اغتصبوها، تسقط الخرافة والرصاصة والجرافة والأسلاك الشائكة.
الملكة هبة اللبدي تحاصر دولة إسرائيل الآن، تستعيد روحها استعادة بطولية، فليستعينوا بكل قوانينهم العسكرية الجائرة، بأحكام الطوارئ والقوانين العرفية، ليستعينوا بما كتبوه في توراة الملك من فصول الإبادة والهمجية، وحدها الملكة هبة اللبدي تكتب تاريخ شعبها، ومن أية زاوية في الزنزانة ترى القدس تجلس على سورة الإسراء.
الملكة هبه اللبدي تخوض ملحمتها الإنسانية ضد الاعتقال الإداري مع ستة أسرى آخرين، كم مرة تولد السماء في أحضان أنثى داخل السجن؟ وكم مرة يشتعل الهواء على أصابع الشجر؟ هبة توقظ الغابات الهائمة في البراري، ولأول مرة يحلم الليل كثيرا في النهار.
في فلسطين وحدها هناك ملكة فلسطينية تعادل في صمودها قوة الغارة، تقلب موازين القوى، تصرخ في وجه دولة البرابرة: اشبعوا بجثتي إداريا، هذه الأرض لنا، فقيدوني واشبحوني واعزلوني فأبواب حريتي مفتوحة مهما طال الطريق، ألم يسمعوا صوت الحجارة؟ جيل يستيقظ في غرف التحقيق ينتفض، يفيق يفيق.
الملكة هبة اللبدي تدفع بأنوثتها كلها إلى الساحة، تمر الأيام والساعات، الملكة في الحصار، الملكة مقيدة محشورة معزولة، وتمر الساعات، الملح والماء ينقلان الوجود الإنساني من مرحلة إلى مرحلة، سيكتب المؤرخون يوماً: ان الثورة يسطرها جسد أنثى مضربة عن الطعام، الثورة وان طوقتها الجدران والقضبان فلها أجنحة.
من يقرع باب الزنزانة الآن؟ مائة سجان ومائة باب وجلاد يحبسون ملكة فلسطين هبة اللبدي في زنزانة ضيقة، الليل والتعذيب والمرض يجتمع على أنثى علمت حريتها المشي خلف الحلم وبعد الجدران.
على العالم ان يتعلم من هبة اللبدي العلاقة الحميمة بين الحمامة والأقبية، على العالم ان يقرأ صوت هبة اللبدي ليعرف الفلاحة وطعم التراب، وكم في هذه الأرض من ورد وحب وجمال وسنبلة.
الملكة هبة اللبدي هي كل الملكات: فاطمة البرناوي، سميحة خليل، رسمية عودة، لينا جربوني، اسراء جعابيص، ربيحة ذياب، زهرة قرعوش، لطفية حواري، نادية الخياط، زكية شموط، تيريز هيلسا، لمياء معروف، عايشة عودة، عطاف عليان، خالدة جرار، ماجدة السلايمة، فاطمة الجعفري، ايمان الخطيب، روضة بصير، مريم الشخشير، اميرة موسى، اميمة الاغا، آمنة منى، عبير الوحيدي، كفاح عفيفي، حنان مسيح، احلام السمحان، سمر صبح، سعاد الاسطل، فيولا ساعاتي، ختام خطاب، سامية الطويل، خديجة ابو عرقوب، سميحة تايه، فاطمة الكرد، بشرى المعاني، فاطمة الحلبي، شروق دويات، نورهان عواد، امل طقاطقة، فدوى العباسي.... ملكات يتركن على انوثة الارض عطرهن المالح، وفي كل منهن اكثر من فجر يفتح ذراعيه للحب والهواء، للسماء بخار نسائي واغنيات.
ملكات ملكات، شهيدات، اسيرات، معلمات، طالبات، عاملات، فلاحات، امهات، حوريات، من قال ان التاريخ لا تكتبه سوى النساء وتتوجه الولادات والانتفاضات؟.
أيها الناس: جددوا البيعة للملكة هبة اللبدي كي تعرفوا كيف تجتازون السياج.