عرب ٤٨
حققت المخابرات العراقية خلال مطاردتها الطويلة لزعيم تنظيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، انفراجة في شباط/فبراير 2018، وذلك في أعقاب تقديم إسماعيل العيثاوي، وهو أحد كبار مساعدي البغدادي، معلومات للمخابرات حول كيفية إفلاته من القبض عليه لسنوات عديدة، بحسب مصدرين أمنيين عراقيين.
وقال تقرير نشرته وكالة رويترز اليوم، الإثنين، إن العيثاوي أبلغ المسؤولين، بعد أن اعتقلته السلطات التركية وسلمته للعراقيين، بأن البغدادي كان يجري أحيانا محادثات إستراتيجية مع قياديين في التنظيم داخل حافلات صغيرة محملة بالخضروات لتجنب اكتشافهم.
ووفقا لأحد مسؤولي الأمن العراقيين، ”قدم العيثاوي معلومات قيمة ساعدت فريق الوكالات الأمنية المتعددة في العراق على إكمال الأجزاء المفقودة من أحجية تحركات البغدادي والأماكن التي كان يختبئ فيها". واضاف أنه ”أعطانا العيثاوي تفاصيل عن خمسة رجال، هو منهم، كانوا يقابلون البغدادي داخل سورية والمواقع المختلفة التي استخدموها".
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قبيل فجر أمس، مقتل البغدادي بعد أن حاصرته قوات أميركية خاصة بتفجير حزام ناسف كان يحمله. وقال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إن البغدادي مات ”وهو يبكي ويصرخ“ في هجوم شنته القوات الأميركية الخاصة في إدلب شمال غرب سورية. وأضاف أن البغدادي قُتل وثلاثة من أطفاله أثناء غارة بتفجير سترة ناسفة بعد فراره داخل نفق مسدود.
وكان الطريق إلى سقوط البغدادي مليئا بإحباطات أجهزة المخابرات الغربية والعربية، التي جمعت كما هائلا من الأدلة على أماكن تواجد رجل فرض سلطته بالترهيب عبر مساحات كبيرة من سورية والعراق، وأمر رجاله بتنفيذ عمليات إعدام جماعية وقطع الرؤوس. وهو مسؤول أيضا عن هجمات مروعة عبر خمس قارات.
نقطة تحول
كان تحول متشددين مثل العيثاوي أمرا حاسما بالنسبة للعملاء الذين كانوا يحاولون تعقب البغدادي. وكان مسؤولو المخابرات العراقية يعتبرون العيثاوي، الحائز على الدكتوراه في العلوم الإسلامية، واحدا من كبار مساعدي البغدادي الخمسة. وانضم العيثاوي إلى القاعدة في العام 2006 واعتقلته القوات الأميركية في عام 2008 وسُجن لمدة أربع سنوات، وفقا لمسؤولي الأمن العراقيين.
وكلف البغدادي في وقت لاحق العيثاوي بأدوار رئيسية، مثل تقديم التعليمات الدينية واختيار قادة الدولة الإسلامية. وبعد انهيار التنظيم إلى حد كبير في عام 2017، فر العيثاوي إلى سورية مع زوجته السورية.
وقال المسؤولان الأمنيان العراقيان إن نقطة تحول أخرى حدثت في وقت سابق من هذا العام، خلال عملية مشتركة ألقت خلالها المخابرات الأميركية والتركية والعراقية القبض على كبار قادة الدولة الإسلامية، بما في ذلك أربعة عراقيين وسوري.
وقال أحد المسؤولين العراقيين، الذي تربطه صلات وثيقة بأجهزة أمنية متعددة، "قدموا لنا جميع المواقع التي كانوا يجتمعون فيها مع البغدادي داخل سورية، وقررنا التنسيق مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية لنشر المزيد من المصادر داخل هذه المناطق".
وأضاف أنه ”في منتصف عام 2019 تمكنا من تحديد إدلب كموقع كان البغدادي ينتقل فيه من قرية إلى أخرى مع أسرته وثلاثة من مساعديه المقربين".
وذكر أن المخبرين في سورية رصدوا بعد ذلك رجلا عراقيا يرتدي غطاء رأس متعدد الألوان في أحد أسواق إدلب وتعرفوا عليه من صورة. كان الرجل هو العيثاوي وتتبعه المخبرون إلى المنزل الذي كان يقيم فيه البغدادي.
وقال المسؤول إنه ”نقلنا التفاصيل إلى وكالة المخابرات المركزية التي استخدمت قمرا صناعيا وطائرات بدون طيار لمراقبة الموقع خلال الأشهر الخمسة الماضية". وقبل يومين، غادر البغدادي الموقع مع أسرته لأول مرة، حيث كان يسافر بحافلة صغيرة إلى قرية قريبة. وقال المسؤول إنه "كانت هناك آخر لحظاته على قيد الحياة".
أعداء محليون
كان البغدادي هاربا من أعداء محليين في سورية. وكانت هيئة تحرير الشام، التي كانت تعرف باسم جبهة النصرة والتي تهيمن على إدلب، تقوم بعملية بحث خاصة بها عن البغدادي بعد تلقي معلومات عن وجوده في المنطقة، وفقا لقيادي في جماعة متشددة بإدلب.
وكانت جبهة النصرة و"داعش" خصمين وخاضا معارك دامية ضد بعضهما البعض في الحرب السورية. وكانت جبهة النصرة، التي أسسها أبو محمد الجولاني، الشريك الرسمي لتنظيم القاعدة في سورية حتى انفصلت عن التنظيم العالمي، في العام 2016.
ووفقا للقيادي في إدلب، فإن هيئة التحرير الشام ألقت القبض في الآونة الأخيرة على مساعد آخر للبغدادي، معروف باسم أبو سليمان الخالدي، وهو واحد من ثلاثة رجال شوهدوا يجلسون إلى جانب البغدادي في رسالته الأخيرة بالفيديو. وقال القيادي إن أسر الخالدي كان ”المفتاح“ في البحث عن البغدادي.
وأثارت تعليقاته احتمال أن تكون هيئة تحرير الشام، التي يقول السكان المحليون إن من المعتقد أن لها صلات بالقوات التركية في شمال غرب سورية، قد نقلت ما تعرفه إلى وكالات مخابرات أخرى.
وربما خلص البغدادي إلى أن الاختباء في إدلب كان أفضل أمل له، بعد القضاء على تنظيم "داعش" في العراق وسورية. وذكر القيادي أنه ربما كان بوسعه الاختلاط في ظل التراخي الأمني ونقاط التفتيش التي تديرها الجماعات المسلحة، التي نادرا ما تقوم بتفتيش المركبات والتي زادت من فرص نجاته.
وقال إن البغدادي كان يُعتقد أنه في إدلب لنحو ستة أشهر وأن السبب الرئيسي في وجوده هناك هو الاختباء. لكنه أضاف أن البغدادي كان لا يزال يعتبر خطرا كبيرا لأن وجوده ربما اجتذب أنصاره إلى منطقة توجد بها خلايا نائمة لـ"داعش".
وذكر أن مقاتلي هيئة تحرير الشام أغاروا على بلدة سرمين، قبل نحو شهرين، بعد تلقي معلومات عن وجود البغدادي هناك لكن لم يعثر له على أثر.