خلال الاسبوع المنصرم فقط وضمن متابعة نبض الشارع الفلسطيني من حيث الفعل، المفعول به، الفاعل، رد الفعل، من حيث الدم النازف والكلمة الخطابية أو المكتوبة، من حيث المبادرة كجزء من مهام والمزاودة عليها كنمط حياة، من حيث انتهاء المدة والصلاحية للفرد أو المؤسسة وولادة أجيال خلقوا فضاؤهم بعيداً كل البعد عن انهيارات فردية بمواقعهم وكراسيهم ومؤسساتهم بتنوعها والوانها المختلفة بمهامها التي نجهل ما هي؟!
حاولت قدر المستطاع أن لا أخون الكلمة التي أكتبها وذلك من خلال سلخها أو ولادتها كفعل أو مساحة ما لها حيز إنتاجي، حاولت أيضاً التواصل مع "الضحية" التي اعتبرتني أنا "الضحية" مستنكرة بأنها هي ما هي عليه الآن، وذلك من خلال رد السؤال"نحن بخير وأنتم؟!" "الأمور تمام انقصف بيتنا بس كنّا طالعين منه وإحنا هلا في منطقة هادية ما فيها اشتباكات فيها بس قصف طيران"... وبين كل تلك المشاهدات والرّكام بغباره الذي تكون بداخلي قررت أن أكتب عن النور في غبار الرّكام.
الكنائس المسيحية في غزة لم تفتح أبوابها لأبنائها النازحين، وإنما مارس النازحون العبادة والشعائر الدينية من قراءة القرآن.. الصلاة .. إقامة موائد رمضانية رغم شُح الامكانيات، وهناك في مساحة جغرافية ما يقتل العربي المسلم أخاه العربي المسلم.. يقتل العربي المسلم أخاه العربي المسيحي، وكأننا أتقنّا قتل أنفسنا بأنفسنا دون أن نعلم بأن هناك من يقتل أنفسنا بيدنا لا بيده!!
شلال الدماء الفلسطيني منذ ولادة تفجر ينابيعه وحتى كتابة هذه الكلمات تجده يتجدد بقصصه المؤلمة لم ولن تشاهدها بصانعة أفلام "هوليوود" فبكل قطرة دم تسيل لا تلد فقط معها دموعنا وقهرنا اليومي وإنما قصص لم يسجل "العالم الحر!!" قصص مثلها مع احترامي للتجارب العالمية التحررية، وبالرغم من ذلك هم تحرروا أما نحن مازلنا لا نستطيع أن نرتقي الى طهارة نبع شلالات دمنا النازف بروايته الأسطورية اليومية، وهنا بالتأكيد السؤال لماذا؟ لكن جواب سؤال الى متى سيبقى شلال الدم ينبع؟ هو الأهم بالنسبة لي/ لنا.
خلال المآسي المختلفة التي تعرضنا لها أرض وشعب، تكشف تلك المآسي حالة الخلاف والنزاع والقطرية المقيتة درجة البشاعة في الوطن العربي، وهروبها عن واجبها الأخلاقي اتجاه مصائبنا التي تعصف بنا، لكن الأشقاء لم يتحملوا مسؤولياتهم. وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن الشعب الفلسطيني صامد على الرغم بأن الأغلبية في الوقت الحالي أصبحوا أذن صماء وعين عمياء عن الحقيقة.. فقط الحقيقة ليس أكثر أو أقل.
غزارة وصخب المشهد الدموي جعلت جميع أجزاء الجسد الفلسطيني أن يستنفر ليتحرك كل حسب طاقته وإمكانياته، هناك من رفع العلم الفلسطيني كفعل مقاوم في بلد ما، وهناك من قدم روحه بأشكال مختلفة للأرواح التي تذبح، وهناك من قدم ما بجيبه لشراء دواء أو طعام أو ... أو....، وهناك من واصل الليل بالنهار لإنتاج ملصق أو "فيديو" يساند عملية التحرر، وهناك من أطلق حملات متنوعة غير مرئية على الواقع لكنها مساندة للروح والجسد الفلسطيني، وهناك وما أكثرهم اختفى ولم يكتفي بالاختفاء بل لعن وأحبط من يعمل وينتج كنوع من المزايدة أو تقليل من قيمة العمل، وهناك من اكتفى بتصريحاته الإعلامية الخاوية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وهناك من هو تائه يحمل شعار "معاهم معاهم .. عليهم عليهم".
على الرغم من حالات التشرذم التي تسود بقايا النظام السياسي الفلسطيني بمكوناته جميعاً، إلا أن الإنسان الفلسطيني أينما تواجد على كوكب الأرض يعلم جيداً ما عليه من مسؤوليات اتجاه قضيته الأم، وعلى الرغم من غياب "المايسترو والنوتة الموسيقية" إلا أن العزف استمر ويستمر بشكل دائم كل حسب قدراته كم تحدثت بالفقرة السابقة، فتخيلوا معي ماذا سيحدث لو كان هناك وجود "للمايسترو والنوتة الموسيقية"؟ تخيلوا معي لو كل منا يعلم أداة عزفه ومتى عليه أن يستخدمها؟ ومع من؟ وأين؟ ومتى؟ لهذا كله انطلق شبابنا في جميع أجزاء الجسد الفلسطيني الممتد من أم الفحم.. جنين.. حيفا.. نابلس... طولكرم.. شيكاغو... بيت لحم.. عكا... باقة الغربية.. باريس.. إربد.. مخيمات الشتات.. عمان.... بشكل حملات مختلفة حتى ولو تشابهت إلا أنها تحاول وحاولت أن تفعل ما لم يفعله من يجب أن يفعلوا ما عليهم فعله.