ضم غور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية يعتبر الثمرة التي يسعى نتنياهو لقطافها في أعقاب إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الإثنين 18 تشرين ثاني (نوفمبر) الجاري الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية سلوكا مشروعا؛ مجددا بذلك حالة التوتر والقلق الذي توج فيه نتنياهو حملته الانتخابية في 13 أيلول (سبتمبر) الماضي بإعلان نيته ضم غور الأردن للسيادة الإسرائيلية مباشرة بعد تشكيل حكومته التي ستعقب فوزه في الجولة الثانية من انتخابات الكنيست 16 أيلول (سبتمبر) الماضي.
ضغوط إسرائيلية
إعلان بومبيو دفع نتنياهو من جديد للمسارعة لعرض قانون ضم غور الأردن للسيادة الإسرائيلية على الكنيست أسوة بالجولان المحتل واضعا العلاقة الأردنية ـ الإسرائيلية على المحك؛ علاقة باتت ترزح تحت ضغوط كبيرة بفعل عمليات التهويد اليومية للقدس الشرقية والتي تسارعت في أعقاب نقل الإدارة الأمريكية الحالية لسفارة الولايات المتحدة إلى القدس.
تحركات الإدارة الأمريكية وضعت الأردن من جديد وحيدا في مواجهة الكيان الإسرائيلي في ظل غياب العمق العربي المنشغل بأزماته؛ ففي الوقت الذي يطلق فيه بومبيو تصريحاته الداعمة للاستيطان في الضفة الغربية تبدو دول الخليج العربي منشغلة بالكامل بتطورات الأوضاع في إيران على خلفية الاحتجاجات الداخلية؛ إلى جانب انشغالها بزيادة عدد وتعداد القوات الأمريكية في السعودية ودخول حاملة الطائرات العملاقة (يو أس أس أبراهام لينكولن) مياه الخليج العربي لتنضم إلى الأسطول الخامس معلنة بذلك التزامها بحماية الممرات البحرية وحرية الملاحة في الخليج العربي .
ليست دول الخليج العربي الوحيدة المنشغلة بأزماتها سواء البينية (حصار قطر) أو الإقليمية (إيران وحرب اليمن)؛ فمصر منشغلة بالكامل بتطور الأوضاع الأمنية في ليبيا وبأزمة سد النهضة وتداعياتها على علاقات دول وادي النيل (أثيوبيا ومصر والسودان) وأخيرا بصراعاتها مع تركيا في شرق المتوسط ليجد الأردن نفسه وحيدا ومنعزلا عن بيئة عربية منشغلة بصراعات بينية وإقليمية .
في ضوء هذه الحقائق فإن الأردن يتعاطى مع عمق افتراضي ذي أبعاد قانونية محضة ممثل بالمجتمع الدولي ومؤسساته الأممية على رأسها الأمم المتحدة؛ تارة للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين بخوضه معركة الأونروا باعتبارها معركته؛ وتارة بالدفاع عن الحقوق العربية والإسلامية في القدس الشريف؛ ثم عمق أوروبي مناهض لسياسة ترامب في الضفة الغربية؛ عمق يمتاز بالهشاشة ومحدودية الفاعلية في ظل غياب أدوات التأثير الاقتصادي والعسكري والجيوسياسي؛ فالتداعيات القانونية محدودة التأثير منزوعة من الإجراءات والعقوبات الاقتصادية أو الأمنية .
يفاقم الأزمة غياب سوريا والعراق التي باتت محكومة بمسار إقليمي يصعب على الأردن الانخراط فيه؛ في المقابل فإن الأردن يواجه حرجا في التعامل مع فصائل المقاومة الفلسطينية في ظل التحالفات والتأثير والنفوذ الاقتصادي والسياسي الغربي والأمريكي الكبير في المنطقة؛ معادلة باتت تخضع لضغوط متولدة عن السلوك الأمريكي والإسرائيلي والأهم من ذلك البيئة المضطربة في سوريا والعراق ولبنان .
تداعيات مقلقة
الضغوط والتحديات الإقليمية ومحدودية تأثير العمق السياسي والقانوني للمملكة يحمل تداعيات مقلقة على المشهد الداخلي الذي انعكس على شكل جلسة صاخبة في البرلمان الأردني مثيرا المزيد من القلق حول مستقبل الأردن وموقعه في المعادلة السياسية الآخذة في التشكل.
قلق حول طبيعة التداعيات المترتبة على القرارات الأمريكية والإسرائيلية بتوسيع الاستيطان وشرعنة وضم غور الأردن والقدس؛ حقيقة تعني غياب الشريك الفلسطيني وتحول الأردن إلى المعادل الموضوعي لهذ الشريك من ناحية سياسية بالنسبة للكيان الإسرائيلي وأمريكا؛ مسألة تحمل دلالات سلبية بارتدادات قوية على الساحة الداخلية لتفرض ضغوطا كبيرة تدفع نحو ضرورة البحث عن تموضعات جديدة يصعب الاستجابة لها.
الأردن بات ضحية المزاودات الأمريكية والإسرائيلية التي تجاوزت 40 عاما من مفاهيم السلام الأمريكية التي أرساها كسينجر؛ مزاودات أطاحت بإستراتيجية مستقرة رسمت معالم السياسة الأمريكية خلال عقدين من الزمن عبر اتفاقات (كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة)؛ حقائق قابلها الأردن بخيارات تبدو محدودة حتى اللحظة مرتكزة على تقديم الاحتجاج في المحافل الدولية في الأمم المتحدة والاعتماد والشرعية الدولية كعمق سياسي وقانوني ودبلوماسي والاستفادة إلى حد كبير من الموقف الأوروبي .
ختاما: خيارات الأردن محدودة التأثير في ظل غياب العمق العربي والشريك الفلسطيني التقليدي الذي فقد دوره ومكانته وفاعليته؛ فهل يتجه الأردن نحو الانفتاح على القوى الإقليمية الصاعدة كتركيا وإيران والقوى الفلسطينية المحلية كحماس؛ أم أنه سيحافظ على هامش المناورة التقليدي الذي بات ضيقا ومحدود الفاعلية؟ أسئلة ستجد طريقها من جديد إلى الساحة الأردنية تغذيها السياسات اليمينية في الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية المضطربة.