عشية العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة منتصف كانون أول الماضي نَشِطَت معظم الهيئات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في نشر مختلف أنواع وأشكال المواد الإعلامية التي تركزت بشكل عام في محاولة بث روح الطمأنينة لدى المواطنين ودعوتهم لعدم القلق، لأن هناك استعدادات وجاهزية عالية لدى هذه المؤسسات عموماً لمواجهة أية تداعيات قد تتسبب بها العاصفة الثلجية القادمة. وهو الأمر الذي أشاع حالة من الثقة والإرتياح لدى المواطنين، بل ربما حالة مما يمكن تسميته "الإسترخاء" وعدم القلق، و عدم وجود ضرورة لأية إستعدادات خاصة من قبل المواطنين.
ما كادت العاصفة تبدأ حتى بدأت حقيقية هذا الكلام في الظهور، والتهاوي شيئاً فشيئاً، وتكشّفت أمام المواطنين كل الحقائق وهي عارية ومجردة من كل أنواع "المونتاج" الإعلامي. وإتضح أن مجمل الإستعدادات لم تكن،في معظم الأحوال، إلا عبارة عن غرف وقاعات "طوارىء" جرى ترتيبها وتنظيمها في غاية الدقة أمام الكاميرات والميكروفونات ليس أكثر. ولأهمية الإبتعاد عن التعميم، ومن أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح وعدم الإجحاف بكل الجهود التي بذلها الكثير من العاملين الميدانيين والمتطوعين في عدد من المجالات. وبما انه ليس هناك متسع في هذه المقالة لتناول كل الجوانب، لذلك سأكتفي هنا بتناول أحدها، عسى أن يتاح لي تناول جوانب أخرى في مقالات لاحقة.
منذ اليوم الأول للعاصفة إنقطع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة من مدن الضفة الغربية، وبقيت بعض هذه المناطق بدون كهرباء عدة أيام. وهذا يعني التأثير على مجمل جوانب عديدة أخرى، حيوية وأساسية، في حياة المواطنين، فمثلا إنقطاع الكهرباء يعني الحرمان من التدفئة لعشرات آلاف العائلات ومن بينهم الأطفال وكبار السن وغيرهم، في هذه الأجواء الباردة، وهو ما تسبب في حالة من الغضب والإحتقان لدى فئات واسعة من المواطنين، بل إن بعضهم ذهب للحديث عبر مواقع التواصل الإجتماعي للدعوة الى مساءلة المؤسسات والشركات المعنية. وخلال عدد من الأيام اللاحقة إنهمكت الكثير من وسائل الإعلام في مناقشة وتداول هذا الأمر وعلى نطاق واسع، عبر تحقيقات وتقارير ومقابلات وبرامج مفتوحة تستضيف خلالها كل الأطراف ذات العلاقة، ومن بينها المؤسسات والشركات المعنية التي كرّست إهتمامها هي الأخرى للدفاع عن نفسها عبر سلسلة من الردود تركزت حول أمرين: الأول هو القول أن السبب الرئيسي في إنقطاع الكهرباء يعود في النسبة الأكبر منه للجانب الإسرائيلي، حيث أنه المصدر الرئيسي للطاقة الكهربائية. أما الثاني فهو القول أن العاصفة كانت أقوى من كل التوقعات، وأن الإستعدادات جرت على أساس مواجهة عاصفة أقل حدة.
في إعتقادي أن هناك عدد من العناوين التي ينبغي التساؤل عنها وهي أولاً: لماذا تم في معظم الحالات تغييب دور المواطنين خلال الإستعدادات السابقة للعاصفة؟ والإيحاء لهم أن الأمور ستكون ضمن سيطرة الهيئات والمؤسسات المختلفة، وأن كل ما على المواطن فعله هو الإكتفاء بمتابعة والإلتزام بتعليمات الهيئات المختلفة، لدرجة أن معظم المواطنين لم يفكروا بإقتناء حتى شمعة إضاءة. ثانياً: لماذا تم الإيحاء بأن الإستعدادات كاملة ومكتملة، ولم يتم ذكر الجانب الإسرائيلي وعلاقته بالموضوع إلا حين "وقعت الواقعة"؟ ثالثاً: إذا كان الإحتلال هو المصدر الرئيسي للطاقة فما هو حقيقة دور الهيئات والشركات الوطنية؟ سواء في الوضع العادي أو خلال الأزمات؟ رابعاً: لماذا يتم تحميل المواطنين مجمل الخسائر التي تسببت فيها العاصفة، وحتى تلك المرتبطة منها بالمنشآت العامة والمملوكة لهذه الهيئات والشركات؟
التساؤلات الأربعة في الفقرة أعلاه تعتبر محاور رئيسية يتفرع عنها الكثير الكثير من التساؤلات والاسئلة الأخرى التفصيلية. لكنها يمكن ان تقع ايضا تحت عنوان عام وعريض يتمركز حول موضوع المساءلة والمحاسبة. وبعد مضي ما يقارب الشهرين على تلك العاصفة الثلجية التي أطاحت أولاً بـ "القصور الورقية" التي بناها البعض، المواطنون عانوا وعايشوا الألم والمعاناة وتحملوا الخسائر والأضرار كاملة، ولا زالوا يتحملون، ومع ذلك لا زالوا صامدين، ليس فقط أمام العاصفة الثلجية، وإنما أيضا أما عواصف التضليل التي يمارسها البعض. ولا زالوا يطالبون بأن يكون هناك وقفة محاسبة ومساءلة، تضع النقاط على الحروف. وإذا كان هناك من يعتقد أن العاصفة مضت وأخذت معها كل تفاصيلها فإنه واهم، فطالما يكتوي المواطن بإرتفاع الأسعار والتكاليف في كل المجالات وفي مقدمتها الكهرباء، فإن الحقيقة الأساسية التي ينبغي إدراكها أن هناك جمر اً كامناً تحت الرماد.