بقلم: الإعلامية الاء كراجة
إنه واحد من تلك الصباحات الموشحة بالسواد ... أن تعمل في البرنامج الصباحي يعني أن تستفيق قبل كثيرين على أخبارنا الموجعة والمفجعة، أن تتوجه لعملك قبل شروق الشمس، وأن تتحضر للحديث عن حافة الهاوية التي يقف عليها الأسير سامي أبو دياك، لكن خبر استشهاده يقلب تحضيراتك.
وقفُت على الحد الفاصل بين الخبر العاجل قبل بدء البرنامج وبين تفاصيلي الصباحية، فمقتُ أناقتي وهندامي واتساقي الصباحي أمام هذا العالم العبثي وفوضاه، ثم أحمر الشفاه اللعين الذي يأبى الزوال بعد ساعة من التجميل المطلوب للشاشة قبل سماع الخبر، في الوقت الذي لا أرغب فيه إلا أن أواجه العالم بقبحه وبشاعته ثم بقبحه وبشاعته مرة تلو المرة، لأنه تركك وحدك يا سامي في مواجهة منظومة عنصرية فاشية نازية. تموت أمام أعيننا ... موت نتوقعه ولا نصدق أنه حان ... ولا نصدق كيف حان.
في كل مره أظن إنني اعتدت على مثل هذه الصباحات القاسية ..أظن أنني أكثر قوة الآن لمواجهتها، كل ما علي فعله أن أقنع نفسي من جديد أنني صحفية ومذيعة فحسب، وأن أبحث عن سترتي السوداء الجاهزة لهذه اللحظات، فأقدم المعلومة وأرحل. لكنني مخطئة، فالموت جديد في كل مرة. وددت فقط لو أغرق وجهي بالماء علّي أستفيق من وقع الخبر لأتمالك نفسي، أن آخذ نفساً عميقاً واحداً تلو الآخر حتى لا يخذلني النفس ولا تباغتني العبرَة التي تشق طريقها فأحاول جاهدة منعها، فيذوب معها كحل العينين، لكن لا اكتراث الآن، أريد فقط أن لا أكون شاهدة على اللحظة، فالثواني ثقيلة والكلمات صعبة، لكنني هناك ... عين الكاميرا علي والفضاء لي، لأعلن نبأ الاستشهاد نبأ الاستسلام ... نبأ العجز ...نبأ القهر، أحاول الموازنة بين إنسانيتي ومهنيتي بين غضبي وحنقي وبين التزامي بضبط النفس على الهواء، لكن صورة أم سامي تقفز في ذهني... حضنها الفارغ وأمنية الشهيد الأخيرة بالموت هناك...أمنية ظلت معلقة...وروحٌ ارتقت لم ولن تسامح أحداً.
نرى نظرتك لنا فنخبئ وجوهنا ... لروحك السلام والغفران يا سامي ...سلامٌ لم يكن بيننا... وغفرانٌ لا نستحقه.