بعد أسبوعين من اندلاع الاحتجاجات في إيران بسبب ارتفاع أسعار البنزين، ربما تكون الاضطرابات قد تراجعت لكن الاستياء لا يزال متصاعداً، مثل الهدوء الذي يسبق العاصفة التي قد تهب مرة أخرى في المستقبل المنظور.
ارتفعت أسعار الوقود في إيران دون سابق إنذار منتصف ليل الجمعة 15 نوفمبر/تشرين الثاني. فارتفع سعر الوقود المدعوم من الحكومة بنسبة 50% والبنزين المعفى من الضريبة بنسبة 300%. وفي ظهر ذلك اليوم نفسه، بدأت الاحتجاجات في بعض البلدات صغيرة والمناطق الفقيرة في المدن الكبرى، ووصلت إلى ذروتها يوم السبت.
ووفقاً لتقارير رسمية، اندلعت الاحتجاجات في 28 محافظة من أصل 31 محافظة إيرانية وأكثر من 100 مدينة. ولمواجهة هذا الموقف، قطعت الحكومة الإنترنت في البلاد لمنع المتظاهرين من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ووفقاً لوزير الداخلية الإيراني، رحماني فضلي، تعرض أكثر من 50 مركزاً عسكرياً للهجوم، وأُحرق 731 بنكاً، و140 مكاناً عاماً، و70 محطة وقود، و307 سيارات خاصة، و183 مركبة عسكرية، بحسب تقرير لموقع Lobe Log الأمريكي.
أما العدد الدقيق للأشخاص الذين لقوا حتفهم فلم يُعلن عنه. وأوردت منظمة العفو الدولية في تقاريرها أنه وقعت 143 حالة وفاة أثناء هذه الاضطرابات؛ لكن إيران نفت ذلك. غير أن المسؤولين الإيرانيين أكدوا أن هذه الاحتجاجات كانت هي الأكبر والأعنف في البلاد خلال السنوات الأخيرة. وقدّر الناطق باسم اللجنة البرلمانية الإيرانية المعنية بالأمن القومي والسياسة الخارجية، نغوي حسيني، عدد الاعتقالات بأكثر من 7000 حالة.
وأعلنت السلطات الإيرانية أن أعمال الشغب والحرائق في البنوك كانت من عمل المتمردين والمعارضين للثورة وأعداء إيران. بل إن جهاز الاستخبارات الإيراني تحدث في تقاريره عن اعتقال عملاء للمخابرات المركزية الأمريكية ضالعين في الاحتجاجات. ورغم أن احتمال محاولة المعارضة في المنفى، مثل منظمة مجاهدي خلق ومؤيدي الملك المخلوع بهلوي، استغلال الاحتجاجات الشعبية قائم، لا يمكن إنكار حقيقة أن الناس غير راضين عن الوضع الاقتصادي الحالي.
تذرعت الحكومة الإيرانية بأمور مثل العدالة الاجتماعية ومساعدة الفئات الأقل دخلاً، فضلاً عن ضبط استهلاك الوقود ووارداته، والمشكلات البيئية باعتبارها الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار الوقود. وأعلنت أنها ستفيد من الدخل الناتج في تقديم دعم شهري لـ60 مليون شخص من سكان إيران البالغ عددهم 84 مليون نسمة.
إلا أن معظم الخبراء الاقتصاديين عارضوا هذه الخطة. وهم يعتقدون أنه كان من الممكن أن تتلقى الفئات الأقل دخلاً مساعدة حكومية من خلال زيادة الضرائب على الفئات الأعلى دخلاً. ويقول العالم الاقتصادي الإيراني محمود جَمساز إن سياسات الحكومة أدت إلى اختفاء الطبقات الوسطى ويقطن إيران الآن أقلية غنية وأغلبية فقيرة.
يقول عالم الاجتماع الإيراني الشهير عماد أفروغ: «من المنظور الاجتماعي السياسي، لم يعد لدينا طبقة متوسطة. لدينا طبقة حاكمة تتخذ القرار، وطبقة دُنيا كبيرة يتعين عليها الامتثال».
وحتى أولئك الاقتصاديون الذين يتفقون مع رفع أسعار الوقود يعتقدون أنه كان ينبغي تنفيذ ذلك خطوة بخطوة بزيادة قصوى تبلغ 20% سنوياً. ويعتقد معظم الخبراء أن هذه الخطة نُفذِّت لموازنة العجز الحكومي بالنظر إلى انخفاض مبيعات النفط والقيود على الصادرات الأخرى وأرباح العملات الأجنبية؛ رغم أن الحكومة الإيرانية تنفي ذلك بقوة.
أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى تآكل رأس المال الاجتماعي الصغير الذي تركه روحاني. وقد وصف المتشددون ذلك بأنه حماقة من الحكومة وبدأوا في استغلاله لإضعاف المعتدلين. ولذا، يبدو أن المتشددين والمحافظين هم من سيفوزون بالانتخابات الإيرانية المقبلة.
وانتقد بعض المحامين والمشرعين طريقة اتخاذ قرار رفع الأسعار، لأن من اتخذ القرار جهاز لا مكان له في الدستور الإيراني وشكّله المرشد الأعلى للثورة بعد أسابيع قليلة من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي يُعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
إذ وافق المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي بفروعه الثلاثة التي يرأسها رئيس البلاد ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية على الخطة التي أقرها المرشد الأعلى؛ رغم أن البرلمان هو من يجب أن يصدق على مثل هذه القرارات. ويدل هذا بالتالي على تهميش البرلمان والامتناع عن اتباع الإجراءات الصحيحة لاتخاذ القرارات بطريقة ديمقراطية وشفافة.
لا بد أن اندلاع الاحتجاجات والاضطرابات في إيران أدى إلى استنتاج الإدارة الأمريكية أن حملة ممارسة أقصى قدر من الضغط تنجح وأن استمرارها سوف يأتي بإيران جاثية على ركبتيها. وفي غمرة نشوتها بالاحتجاجات، تزيد من ابتعادها عن المشاركة في المفاوضات. وأياً كان الأمر، فمن الخطأ أن نتوقع استسلام قادة إيران بلا قيد أو شرط للولايات المتحدة، بحسب الموقع الأمريكي.
وبعد تهدئة الاضطرابات، أشار المرشد الأعلى لإيران في خطاب له إلى أنه «من الضروري أن يعلم الأصدقاء والأعداء على السواء أننا نجحنا في صد العدو في الحرب العسكرية والسياسية والأمنية. والإجراءات الأخيرة كانت مشكلات أمنية، وليست من الناس. وقد نجحنا في صد العدو في مجالات مختلفة، وبعون الله، سننجح بالتأكيد في صد العدو في الحرب الاقتصادية».
ومهما كانت محصلة هذه الحرب، فإن الأمر الواضح هو أن أطرافها بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية. وحتى الاتحاد الأوروبي يبدو أنه يقترب من معسكر الولايات المتحدة.
رغم أن قوات الأمن كانت قادرة على سحق الاحتجاجات بدرجة أعنف أكبر بكثير من السابق، إلا أن الاستياء أكبر وتأثير أسعار الوقود على السلع الأخرى قد يزيد الطين بلة وقد تندلع الاضطرابات مرة أخرى على نطاق أوسع وبدرجة أكبر.
وقد أكدت الحكومة أن أسعار السلع الأخرى لن ترتفع. لكن المؤشرات والأدلة الاقتصادية تقول عكس ذلك. إذ ارتفعت أسعار النقل في المناطق الحضرية، وارتفعت معها أسعار الفاكهة الآن ومن الممكن أن تحذو حذوها السلع والخدمات الأخرى.
ورغم أن المحتجين في أعقاب انتخابات 2009 كانوا في أغلبهم من الطبقات الوسطى التي تقطن المناطق الحضرية، كانت قاعدة المتظاهرين في الاحتجاجات الأخيرة، وكذلك المحتجين في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، في الغالب من الطبقات الأقل دخلاً والشباب العاطلين عن العمل الذين يعيشون في أطراف المدن. وهو ما تعتبره المؤسسة الإيرانية أمراً خطيراً، إذ إن هؤلاء ليس لديهم ما يخسرونه ومن المستبعد أن تتحسن حياتهم فيما يتعلق بالتوظيف والعيش الرغد.
على أن عوامل مثل الافتقار إلى القيادة بين المحتجين، وغياب بديل محتمل للنظام الإيراني الحالي، وعدم وجود هدف استراتيجي بين المتظاهرين، والخوف السائد بين الناس من اندلاع حرب الأهلية وانهيار البنية التحتية بالكامل، واستخدام الحكومة للقوة المفرطة ومجموعة من الأساليب لقمع الاحتجاجات لا توحي بإمكانية تغيير النظام في الوقت الحالي.