فوق الأحياء العربية في القدس وبجوار المسجد الأقصى، تسعى بلدية الاحتلال في القدس لإقامة تلفريك يربط جبل الزيتون بحائط البراق ويمر بنقاط عدة في البلدة القديمة بالقدس المحتلة وحول أسوارها التاريخية، في مشروع يوصف بالمخطط التهويدي.
وبخلاف صورة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والأسوار القديمة التي تحيط بها أشجار الزيتون وتمثل وجه المدينة القديمة الذي عرفه المقدسيون لقرون، ستصبح القاطرات المعلقة (التلفريك) وأعمدة التحكم الخاصة بها وجه المدينة العريقة الجديد.
وافقت إسرائيل على مشروع بقيمة 200 مليون شيكل (57 مليون دولار) لنقل الزائرين من غربي المدينة إلى قطاعها الشرقي الذي ضمته إسرائيل، ويقول القائمون على المشروع إن هدفه ينحصر في تخفيف الازدحام المروري -والتلوث الذي يصاحبه- بسبب التدفق المتزايد للسياح، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وقال وزير السياحة الإسرائيلي ياريف ليفين في مايو/أيار 2018 عندما تمت الموافقة على الخطة "سيغير مشروع التلفريك وجه القدس مما يتيح للسياح والزائرين الوصول السهل والمريح إلى الحائط الغربي (حائط البراق)".
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن علماء آثار ومهندسين معماريين ومخططي مدن قولهم إن المخطط -إذا اكتمل- سيكون آفة تهدد جمالية ومعمارية التراث القديم للقدس.
واحتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وضمّتها لاحقا في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، وتعتبر سلطات الاحتلال القدس بشقيها عاصمة موحدة.
ومن المخطط له أن يبدأ تشغيل الخط البالغ طوله 1.4 كيلومتر بحلول عام 2021، على الرغم من اعتراضات مقدمة إلى المحكمة العليا.
فوق رؤوسنا
يفترض أن تكون محطة السكك الحديد التي تعود إلى الحقبة العثمانية -والتي لم تعد تعمل في القدس الغربية- محطة انطلاق التلفريك، وستستوعب محطة زجاجية مكونة من طابقين ثلاثة آلاف مسافر في الساعة.
ستكون المحطة الأولى في جبل صهيون (غرب مدينة القدس القديمة خارج أسوارها)، وهو موقع لمبنى قديم حيث يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وتلاميذه التقوا فيه للعشاء الأخير، وهو المكان نفسه الذي يقدسه اليهود على اعتبار أنه مكان دفن الملك التوراتي داود.
ومن جبل صهيون، ستمر القاطرات المعلقة فوق بلدة سلوان التي تعتبر مركزا للنزاع بين سكانه الفلسطينيين الذين يشكلون الأغلبية والمستوطنين الإسرائليين.
يمتلك الفلسطيني أبو إبراهيم بقالة صغيرة على الشارع الرئيسي في البلدة، ولا تبعد البقالة سوى مئات عدة من الأمتار عن أسوار البلدة القديمة.
يقول أبو إبراهيم للوكالة الفرنسية "عادة ما يوضع التلفريك فوق مساحات خالية وليس فوق رؤوس الناس".
في سلوان، سيمر التلفريك فوق حوالي 60 منزلا، على ارتفاع يبلغ في بعض النقاط 14 مترا فوق أسطح المنازل.
اعلان
وجاءت المصادقة على المخطط بعد تدشين الحدائق التوراتية بالقصور الأموية، وتدشين شبكة الأنفاق بساحة البراق لتتمدد تحت القدس القديمة وعين سلوان، والمصادقة على مخطط لإقامة متنزه في جبل الزيتون المطل على القدس القديمة، وتنوي إسرائيل ربط مشاريع استيطانية تحاصر المسجد الأقصى بواسطة خط التفلريك المزمع إنشاؤه.
مدينة ملاهٍ
ستكون المحطة التي تلي سلوان بالقرب من الحائط الغربي في مجمع سياحي متعدد الطوابق، يتم تمويل بنائه من قبل جمعية "إلعاد" الاستيطانية التي تسعى إلى زيادة الوجود اليهودي في القدس الشرقية الفلسطينية بشكل رئيسي.
يترقب المرشد السياحي ميشيل سيبان تشغيل التلفريك الذي يقول إنه سيسهل الوصول إلى المدينة القديمة المزدحمة بالسكان والممرات الضيقة.
ويضيف "أصبح من المستحيل على المرشدين الوقوف، لا يمكن إلا للحافلات الاقتراب وإنزال السياح".
أما معارضو المشروع فيرون أن الأعمدة الفولاذية، وعددها 15، وحجرة التلفريك التي تتسع لـ72 شخصا، ستخفيان موقعا رئيسيا تاريخيا في القدس المحتلة.
وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) مدينة القدس وأسوارها ضمن مواقع التراث العالمي، في حين تعتبر إسرائيل ضواحيها المتمثلة بجبل الزيتون وجبل صهيون ومدينة داود جزءا من حديقة أسوار القدس الوطنية.
ويقول المهندس المعماري غافرييل كيرتسز الذي أدار العديد من المشاريع حول أسوار المدينة القديمة "حتى الآن توفر هذه المنطقة مشهدا خاصا للمدينة القديمة وأسوارها، وتعتبر مكانا مقدسا محميا من قبل هيئة الحديقة الوطنية".
واحتج 70 معماريا إلى جانب علماء وأكاديميين إسرائيليين في خطاب مفتوح أمام المحكمة قبل اعتماد المشروع، معتبرين "القدس ليست ديزني لاند (مدينة ملاهٍ)، فالمناظر الطبيعية والتراث ليسا للبيع"، وفق ما يفيد الناطق باسم أهالي سلوان فخري أبو دياب.
تهويد القدس
وطلب 30 من المهندسين المعماريين والأكاديميين الدوليين البارزين من الحكومة الإسرائيلية التخلي عن الخطة، وكتبوا في عريضة أن "اختيار التلفريك ليس مناسبا للمدن القديمة التي تتمتع بمشهد خاص منذ مئات أو آلاف السنين".
من جهتها، نددت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي بالمشروع الناشئ باعتباره محاولة لفرض الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية و"انتهاكا واضحا للطبيعة الثقافية والتاريخية والروحية والجغرافية والديمغرافية للقدس".
ووجدت وجهة النظر الفلسطينية مؤيدين لها من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية مثل منظمة "عيمك شافيه" التي تعارض استخدام علم الآثار لأغراض سياسية.
ويقول مدير المنظمة يوناتان مزراحي "أصبح صناع القرار مهووسين بتهويد المدينة وهم ينسون حماية القدس التي يحبونها كثيرا".
اعلان
ويضيف "أولئك الذين ينادون بكل ما هو خاص وفريد بالقدس يعارضونها من اليسار إلى اليمين"