مما لاشك فيه أن المجازر الاسرائيلية الجارية في قطاع غزة طرقت مسامع الرأي العام في شتى أصقاع المعمورة، رغم أن دولة الإحتلال وحلفاؤها يبررون هذه المجازر في كل مرة تحت ذرائع أمنية وحجج واهية، في هذه السطور السريعة لن أخوض في تعداد المجازر التي ارتكبها الإحتلال خلال العدوان الحالي في ما أسماه الإعلام العبري "الجرف الصامد" سابقاً و "الحرب" حالياً، بل ستحمل السطور إجابة مباشرة على التساؤل في العنوان: إستهداف المدنيين هل هو تخبط إسرائيلي أم مخطط ممنهج؟!.
في الحقيقة إنه مخطط ممنهج، وما يثير حفيظتي هو أن معظم وسائل الإعلام الفلسطينية حتى تلك التابعة لما يعرف بـ "الاعلام المقاوم" تصر مرارا وتكرارا على وصف المجازر الاسرائيلية بأنها "تعكس تخبطا وعشوائية"، وفي الحقيقة إن هذا غير دقيق، فمنذ دير ياسين في النكبة الفلسطينية يشهد الشعب الفلسطيني عمليات إبادة جماعية ممنهجة، فلا يخفى على الصغير قبل الكبير أهداف إرتكاب العصابات الصهيونية لمجزرة "دير ياسين" فقد حفظها الطالب الفلسطيني كحفظه لأمه وأبيه في المدارس الإبتدائية في إطار مساق التربية الوطنية، والذي أصبح خارج المنهاج في مراحل متقدمة من الثانوية !.
وهذا مناحم بيغن صاحب كتابة "التمرد" يقول في مذكراته بشكل صريح: "لولا دير ياسين، لما قامت إسرائيل"!، وكان بيغن زعيم عصابة الأرجون الصهيونية، برفقة عصابة "شتيرن" قد إرتكبوا المجزرة بإتفاق مسبق مع عصابة "الهاغاناه" وراح ضحيتها قرابة 260 فلسطينيا بريئا، وكانت المجزرة مقدمة لهجرة آلاف الفلسطينيين خوفا بعد أن دبت مجزرة دير ياسين الرعب في قلوبهم.
أما الدلالات الأخرى الدامغة على أن دولة الإحتلال تستهدف المدنيين بمخطط مسبق وممنهج وهذا المخطط ليس وليد 2008 في غزة ولا حتى 2014، فإن قوات الثورة الفلسطينية بقيادة الشهيد ياسر عرفات صمدت 80 يوما في بيروت، بعد حصارٍ أسطوري وصمود بطولي، ثم خرجت قوات الثورة من بيروت، لترتكب قوات جيش الاحتلال مجزرة "صبرا وشاتيلا" بعد 27 يوما من الصمود الأسطوري الفلسطيني في بيروت.
إن أي فلسطيني تافه يُمكنه أن ينجر وراء الرواية الاسرائيلية سيكون قد ظلم نفسه وظلم عقله قبل أن يظلم غيره، فدولة الإحتلال ليست قرية بدوية مع إحترامي للبداوة، هي تمتلك أقمارا صناعية، وجواسيسا على الأرض وجواسيسا في السماء "الطائرات الزنانة"، وهي تعرف ماذا يوجد فوق الأرض، وتحاول بسياسة الأرض المحروقة أن تضغط على ما تحت الأرض !.
اليوم في غزة لا تزال المجازر الاسرائيلية تتواصل بكل وحشية ضد المدنيين، فماذا تريد طائرات الاحتلال امريكية الصنع من قصف سوق البسطات في الشجاعية وهي تعلم أنه يعج بالمواطنين المدنيين، وتدرك إدراكا يقيناً أن صاروخا واحدا كفيل بإرتقاء عشرات الشهداء؟! ماذا تريد من كل هذه المجازر السابقة والحالية واللاحقة ؟!.
هي ببساطة وكل حرفٌ له معناه: تريد أن تقول للشعب الفلسطيني عبر كل المراحل التاريخية، إن أي مقاومة لكم ستنتهي بمجزرة، وستستمرون بفقدان أبنائكم وأحبابكم ما لم ترفعوا الرايات البيضاء.