الرئيسية / مقالات
الأمة تصارع بقائها
تاريخ النشر: الأثنين 30/12/2019 17:44
الأمة تصارع بقائها
الأمة تصارع بقائها

تشير الأبحاث العلمية والحقائق التاريخية والأثرية أن الأرض العربية هي أول من سٌجّل على ترابها النشاط الاّدمي ونشوء الحضارات الإنسانية , حيث كانت موطن الحضارات الأولى التي علمت البشرية كل علوم الطبيعة وقوانين الحياة وأبداعات الإنسان في شتى الميادين ..وكانت الأرض العربية على مدار العصور وتوالي الأزمنة عرضةً لتكالب ومؤامرات الأمم الأخرى بهدف النيل من إسهاماتها الإنسانية الرائعة وسرقة كنوزها العلمية ومقدراتها الحضارية...ولكنها وبرغم حجم الإستهداف بقيت حيةً عصية على الموت تستأنف دورها الريادي وعطائها الإنساني وتستعيد ألقها الرسالي الخالد تجاه الأمم.
وحديثاً تواترت الدسائس والمؤامرات وزادت حدتها على أمتنا العربية وتحديداً في نهايات العهد العثماني الذي حكم الوطن العربي قرابة الأربعة مئة عام من الإهمال والتهميش وتركه جسداً خاوياً وهشاً وضعيفا متهالكاً لا يقوى على مجابهة التحديات بسبب سياسات التمييز والتطنيش التي مارسها الأتراك بحق البلاد العربية التي خضعت لسلطتهم المغلفة بستار الخلافة والدين, مما جعل بلادنا عرضة لتكالب المتاّمرين الذين من فكوا يحيكون المؤامرة تلو الأخرى بحق الوطن العربي الذي خرج تواً من حكم الإتراك ليواجه بضعفه وهزله فلول المستعمرين ومصيره الملبد بواقع التقسيم والإنتداب كما خطط ورسم له في إتفاقيات سايكسبيكو وسان ريمو وتفاهمات كامبل ووعد بلفور المشؤوم الذي أعطى الحركة الصهيونية الإجرامية الحق في إقامة الوطن الخرافي لليهود في فلسطين , وكذلك تقاسم الإنتداب وإلاستعمار على كافة الأقطار العربية بالتساوي بين أقطاب القوى الإستعمارية الغربية, وسطو ايران الفارسية على الأحواز والجزر العربية الثلاث في الخليج العربي, وتركيا التي إقتطعت لنفسها لواء الإسكندرون السوري , وسطوة إسبانيا على سبتا ومليلا المغربيتين , ولا ننسى في السياق سرقة إثيوبيا وسيطرتها على إقليم أوغادين الصومالي العربي.
وبالتزامن مع ما تتعرض له أمتنا العربية من مؤامرات ومشاريع إستعمارية خبيثة في العصر الحديث شهدت البلاد العربية مخاضاً ثورياًّ ونهضوياً أسفر عن إستقلال العديد من الأقطار العربية , وبقاء بعضها خاضعاً للهيمنة الإستعمارية بصورة غير مباشرة ,إضافة للجرح الفلسطيني الذي ظل نازفاً مع تصعيد الإحتلال من جرائم الإبادة والتطهير العرقي وتغول الإستيطان والتهويد الذي يكاد يبتلع كامل الإراضي العربية المحتلة برغم ما يسمى مشاريع التسوية السلمية التي حاكتها الدول الكبرى وضللت البعض الفلسطيني والعربي فيها بهدف التغطية والتورية على مشاريع تصفية القضية الفلسطينية تماماً.


ومما لا شك فيه أيضاّ أن حزب البعث العربي الإشتراكي شكل طليعة النضال العربي في معركة مصير الأمة وبقائها حية تقاوم أعدائها.. يشاركه في ذلك فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية, وكذلك حركة القوميين العرب والناصريين واليساريين العرب حيث سعى الحزب ومنذ التأسيس لبناء أوسع جبهة عربية على طريق الكفاح المسلح لإسترداد الحقوق العربية المغتصبة وفي المقدمة منها قضية العرب المركزية (فلسطين)..وكان العراق بقيادة فارس الأمة الشهيد صدام حسين بمثابة العمق الإستراتيجي للثورة العربية ضد الإحتلال والإستعمار , وشكل طيلة عقود من الزمن مظلةً لكل الأحرار والثائرين العرب , وصخرةً كأداء في مواجهة كافة المشاريع الإستعمارية والمؤامرات الصهيو أمريكية التي تستهدف الأمة وكيانها الوجودي , مما عرض العراق لأكبر هجمة إستعمارية وأوسع تحالف عدواني ضم ثمانون دولة على رأسها دول كبرى وعظمى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي تفردت بقيادة العالم بمنطق القوة والغطرسة وأدت في المحصلة النهائية لتدمير العراق وتخريبه.
اليوم وفي ظل معمعان ما تشهده ساحة العراق بعد إحتلاله وتدميره وكذلك سوريا واليمن وليبيا ولبنان والسودان والجزائر وفلسطين وما تشهده من إنفلات إستيطاني وتسعير في مشاريع التهويد ,إضافة لحالة التفكك العربي الغير مسبوق وإنتشار الفتن وتفشي ظواهر الطائفية والمناطقية المقيته . أضافة لحجم الأطماع المريبة للأم المجاورة في الجسد العربي وتحديداً ايران وأطماعها الفارسية المعروفة والتي تشي بمجملها بحالة الإحتضار والنزاع الأخير للأمة في معركة بقائها ووجودها, ووصلت الأمور الى حالة من الإحباط الشديد إنعدمت معها كل أسباب الأمل حتى أطلت علينا ثورة الجماهير العطشى للحرية والكرامة في ساحات ومدن العراق ولبنان بالتزامن مع ثورة الجماهير العربية في مغارب الأرض العربية ومشارقها يحدوهم الأمل بزحف عظيم يزلزل الأرض تحت أقدام الغزاة والمستعمرين وحميرهم من الذين يعيشون بين ظهرانينا , ويطيح بفلول الخونة والعملاء والسراق والفاسدين , ويقطع دابر الطامعين والأيادي الخبيثة التي إمتدت في الجسد العربي تعبث بأمنه وإستقراره وقيمه ومعتقداته بهدف إماتته وبسط الهيمنة على مقدراته وثرواته ومكنوناته الحضارية والدينية والرسالية .
وحتماً أن ثورة الشعب في العراق ولبنان سوف تواصل زحفها المقدس وتمتد لباقي أقطار الأمة ..وجهتها دحر الإستعمار وذيوله وكنس الإحتلال وتحرير كافة الأراضي العربية المحتلة وتحقيق كامل أهداف الأمة في الوحدة والتحرير والنهوض بواقعها نحو مستقبل زاهر واّمن تسوده قيم الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص.
بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
بيت فوريك – فلسطين المحتلة
كانون أول - 2019

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017