أصبحت وحدات «الحشد الشعبي» في العراق في مواجهة مفتوحة مع المحتجين الذين يتظاهرون منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مُطالبين بإجراء إصلاحات كبرى، وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، اتُهم الحشد بالمشاركة في حملة قمع الاحتجاجات.
عاد اسم الحشد الشعبي بقوة يوم الأحد الفائت 5 يناير/كانون الثاني، عندما شهدت محافظة ذي قار مقتل اثنين من المتظاهرين، كانا من بين محتجين آخرين في اعتصام يعترضون على محاولة مسلحين إدخال نعش رمزي لساحة الاعتصام لقاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع لقوات الحرس الثوري الإسلامي، الذي اغتيل في مطار بغداد الدولي في 3 يناير/كانون الثاني الماضي.
قال أحد المتظاهرين في ذي قار لموقع AL Monitor الأمريكي، مشترطاً عدم الإفصاح عن هويته خوفاً من الانتقام: «عندما رفضنا دخول المسلحين إلى ميدان الاحتجاج هددونا برمينا بالرصاص. أطلقوا الرصاص الحي علينا في مناوشات مع المتظاهرين».
أحرق المتظاهرون مقرات وحدات الحشد الشعبي في المحافظة رداً على إطلاق النار، حسبما أظهره مقطع فيديو تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي.
في اليوم نفسه الذي شهد الهجوم المسلح على المتظاهرين خلال جنازة رمزية لسليماني، أحرق أنصار وحدات الحشد الشعبي خيام المتظاهرين في محافظة البصرة في الجنوب، للأسباب نفسها.
حساب على موقع Youtube يبدو أنه ينتمي إلى عضو في الحشد الشعبي أو مؤيد له، نشر مقطع فيديو للخيام المحترقة في البصرة، معلناً أن هذا هو عقاب «المتظاهرين الذين احتفلوا بوفاة الرجلين»، وفق قوله.
من جانبه، قال حسام الخميسي، أحد الناشطين في البصرة لموقع AL-Monitor: «المتظاهرون اعترضوا على جنازة (رمزية) لسليماني والمهندس، مما دفع كتائب حزب الله إلى إطلاق الرصاص الحي عليهم وإحراق خيامهم، بالإضافة إلى قتل رجل وإصابة آخر».
يعتقد الخميسي، الذي يشارك في الاحتجاجات في العراق منذ عام 2015، أنَّ «وحدات الحشد الشعبي ستزيد من قمع الاحتجاجات في الأيام المقبلة».
بدوره، نفى مصدر من الحشد الشعبي، في مقابلة أجراها مع موقع AL-Monitor الاتهامات واسعة النطاق بشأن مشاركة وحدات الحشد الشعبي في حملة القمع.
وسط هذا التصعيد، تشاركت قنوات على تطبيق Telegram قريبة من الحشد الشعبي، معلومات قال موقع AL-Monitor إنه لم يتمكن من التحقق من صحتها، تفيد باحتمالية إقدام المتظاهرين العراقيين على حرق مقار وحدات الحشد الشعبي في بعض المحافظات.
يمكن أن ينذر هذا ببعض المواجهات المفتوحة الكبرى بين ميليشيات الحشد الشعبي المسلحة وبين المتظاهرين.
في ضوء ذلك قالت لقاء مكي، الباحثة في مركز الجزيرة للدراسات لموقع AL-Monitor: «ما حدث في ذي قار والبصرة يُعتبر مؤشراً على أن وحدات الحشد الشعبي جاهزة الآن لاستخدام أسلحتها بحرية ودون مساءلة، إذ لا توجد سلطة رادعة باستثناء التأثير المحلي الهزيل»
أشارت الباحثة إلى أن المتظاهرين يتم «اتهامهم بالخيانة التي تُعتبر بالنسبة للحشد الشعبي عذراً صالحاً لمهاجمتهم. أعتقد أن وحدات الحشد الشعبي ستستفيد أيضاً من الوضع المتوتر مع الولايات المتحدة لقمع الاحتجاجات».
على جانب آخر، تثير التصريحات الأمريكية بشأن الاحتجاجات في العراق استفزاز فصائل الحشد الشعبي التي تدعي أن واشنطن هي المسؤولة عن تنظيم المظاهرات المستمرة.
من جانبه، قال عقيل عباس، الأستاذ المساعد في الجامعة الأمريكية في السليمانية، لموقع AL-Monitor، إن «بعض قادة وأعضاء وحدات الحشد الشعبي يرون أن الوقت مناسب لسحق الاحتجاجات في ضوء الوضع الحرج في البلاد. إذ يجب على المتظاهرين كبح جماحهم لفترة أطول قليلاً لتجاوز هذه المرحلة».
حذر عباس من وجود «خطر حقيقي من أن تسعى جماعات وحدات الحشد الشعبي الأكثر تطرفاً إلى تفكيك المظاهرات».
أشار موقع AL-Monitor إلى أن الظروف في العراق تمثل فرصة مواتية للحشد الشعبي لسحق الاحتجاجات المستمرة، خاصة مع تعتيم وسائل الإعلام على المظاهرات بعد محاولة اقتحام السفارة الأمريكية ومقتل سليماني والمهندس.
أضاف الموقع الأمريكي أنه «من المرجح أن تكون اتهامات المحتجين في العراق بالخيانة العظمى منذ اندلاع المظاهرات بمثابة مبرر ديني وسياسي لقمعهم. يُعتبر هذا الاحتمال مرجحاً على الرغم من أن بعض قادة وحدات الحشد الشعبي قد صرحوا مسبقاً أن الاحتجاجات كانت مبررة ومفهومة».