mildin og amning mildin 30 mildin virker ikke"> mildin og amning mildin 30 mildin virker ikke">
في خضم العدوان الجاري على قطاع غزة، والقمع الاسرائيلي الدموي للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، تثار مسألة قانونية وأخلاقية هامة تتعلق بحدود حق الدفاع عن النفس، وبواجب المجتمع الدولي بتوفير الحماية للفلسطينيين. تركز إسرائيل في خطابها الإعلامي والدبلوماسي على حقها في الدفاع عن النفس في مواجهة ما تصفه بأنه عدوان مستمر يستهدف مدنييها تشنه فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. قيل الكثير من قبل خبراء القانون الدولي عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، أبرزه بأن إسرائيل هي قوة احتلال عسكري يقع على عاتقها -وفق التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949- واجب حماية المدنيين الخاضعين لسيطرتها. بهذا المعنى، وبما أن قطاع غزة لا يزال من الناحية القانونية والفعلية خاضعا للاحتلال الاسرائيلي، فإن حجة إسرائيل بالدفاع عن النفس باطلة، إذ لا يمكن لدولة أن تمارس حق الدفاع عن النفس بوجه شعب يخضع لسيطرتها وأمنه الفدري والجماعي هو مسؤوليتها.
لكن ماذا بشأن حق الفلسطينيين بالدفاع عن أنفسهم في الضفة الغربية كما في قطاع غزة، وبكل الوسائل؟ وماذا بشأن واجب المجتمع الدولي بتوفير الحماية لشعب يتعرض لعدوان يرقى إلى جريمة الحرب؟ في الإجابة على السؤال الأول سأقدم ترجمة (مع قليل من التصرف) لرأي قانوني أخلاقي -وإلى حد ما سياسي- لاثنين من أبرز الخبراء والمتابعين للصراع الفلسطيني-الاسرائيلي. يقول نورمان فنكلستين بأن اتهام المقاومة الفلسطينية بارتكاب جريمة حرب باستخدامها للمقذوفات الصاروخية ضد أهداف داخل إسرائيل هو اتهام في غير محله. يقوم هذا الاتهام على أساس أن هذه الصواريخ هي سلاح لا يميز indiscriminate (بحكم عدم دقته). إن عدم التمييز هو المبدأ الأول لاعتبار أي عمليات حربية هجومية جريمة حرب، وهو ما دفع منظمة هيومان رايتس واتش لاعتبار استخدام الصواريخ من قبل المقاومة الفلسطينية جريمة حرب. لقد تورط في مثل هذه القراءة المشوهة لمبدأ عدم التمييز ممثل فلسطين في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إبراهيم خريشة.
يثير فنكلستين نقطة جوهرية وهي أن هذا المبدأ هو مبدأ نسبي يعتمد على التكنولوجيا المتوفرة لتحقيق درجة عالية من الدقة. وفق هذاا الاعتبار فإن أية وسائل قتالية قليلة الدقة هي وسائل غير تمييزية، مما يجعل الدول الغنية فقط والدول القادرة على بناء أو شراء التقنيات عالية للدقة تحتكر استخدام وسائل عالية الدقة في الدفاع عن نفسها بوجه الهجمات الجوية (مثل توفر القبة الفولاذية للاسرائيليين!!!!). إن مثل هذا التفسير يجرد القانون الدولي من علته الأساسية وهي وضع الحق فوق القوة. فالدول أو الشعوب التي لا تمتلك مثل هذه التقنيات سيكون محكوما عليها إما بانتظار الموت دون رد فعل، أو ساتخدام ما بحوزتها من وسائل دفاعية غير متطورة. لقد دافعت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وغيرهما من الدول، عن حقها في اللجوء إلى السلاح النووي كوسيلة للانتقام المسلح. وفق هذا المنطق فإن لأهل غزة الحق باستخدام المقذوفات الصاروخية لإنهاء حصار غير قانوني يتعرضون له منذ أكثر من سبع سنوات، وللرد على القصف الاسرائيلي الإجرامي للمدنيين. فإذا كان من حق أي دولة أن تدافع عن وجودها باستخدام السلاح النووي، فإن للفلسطينيين الحق باستخدام الوسائل المتاحة أمامهم للدفاع عن حقهمم في الوجود وحقهم في تقرير المصير. في قطاع غزة يصبح هذا الحق أشد وضوحا اخذين بالاعتبار الموت البطيء والممنهج الذي يواجهه الفلسطينيين في القطاع بسبب الحصار وتكرار العدوان المميت عليهم من الة الحرب الاسرائيلية في الأعوام 2008-2009، و2012.
يقارن كريس هيدجيز بين ادعاءات إسرائيل، وبين ادعائات صرب البوسنة عندما ارتكبوا الفظائع في ساراييفو. يقول هيدجيز: أذا أصرت إسرائل على استخدام ذروة الصناعات العسكرية ضد مدنيين لا حول لهم، فإن لهؤلاء المدنيين حق أصيل في الدفاع عن أنفسهم وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. تنص هذه المادة على أن ميثاق الأمم المتحدة لا ينطوي على أي اعتبارات تحول دون الحق الفردي او الجماعي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة (فلسطين وقطاع غزة جزء أصيل منها هي دولة عضو في الأمم المتحدة) في الدفاع عن النفس. إن على المجتمع الدولي والحال هذه أن يعمل على إيقاف إسرائيل عن هجومها على القطاع ورفع الحصار عنه، أو أن يقر بحق الفلسطينيين في الدفاعع عن النفس، وليس العكس.
ومثلما حدث في ساراييفو في التسعينيات من القرن الماضي، فإنك عندما تتعرض للإبادة على يد الة حرب عملاقة، وحين لا يأتي أحد لنجدتك، فإن عليك أن تفعل ذلك بنفسك. عندما تتعرض غزة، مثلما تعرضت ساراييفو في العام 1995 لالاف الأطنان من القنابل ونيران القناصة، لن تجد أحدا في القطاع -مثلما لم يوجد أحد في ساراييفو- يدعو لمقاومة غير عنيفة. في هذا الشأن يطرح هيدجيز سؤالا وجيها وهو عند أي رقم من القتلي (الشهداء) والجرحى وهم بالالاف في غزة يصبح الدفاع عن النفس حقا مشروعا؟ 5000، 100000، أم 20000؟ وعند أية نقطة يصبح للفلسطيني الحق الأولي في الدفاع عن وحماية عائلته وبيته؟ إن ثورة الفلسطينيين في غزة هي تأكيد للذات أمام الإبادة. إن للفلسطينيين القليل من الخيارات في غزة، ولكنهم بالحد الأدنى يستطيعون اختيار كيفية موتهم. إذ ما دام المجتمع الدولي لا يقف في صف الفلسطينيين فإن على الفلسطينيين فعل ذلك بأنفسهم كما فعل سكان ساراييفو.
في الحالات المشابهة لساراييفو، ومن بينها حالة الفلسطينيين في مواجهة الة الحرب الاسرائيلية، لا بد من اللجوء إلى مبدأ حديث في العلاقات الدولية، وهو مبدأ "مسؤولية الحماية" The Responsibility to Protect، ويشار له اختصارا R2P. تبلور هذا المبدأ تحديدا عقب جرائم الحرب وعمليات الإبادة التي مورست في رواندا 1994 وساراييفو (سيربرينيتشا) 1995-1996 وغيرها من الصراعات المسلحة. يهدف هذا المبدأ إلى حماية أكثر سكان العالم عرضة لجرائم خرق القانون الدولي. يحدد المبدأ خمس حالات تستدعي التدخل: الإبادة الجماعيةgenocide، جرائم الحرب، التطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية. لقد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع على تبني هذا المبدأ في العام 2005 لتحوله إلى معيار norm في العلاقات الدولية بعد أن كان مبادرة مدنية- قانونية غير حكومية. وفق هذا المبدأ فإن على كل الدول حماية مواطنيها من الأعمال المشار أليها (الخمسة جرائم)، وفي حال فشلت أي دولة في ذلك فإن على الأمم المتحدة واجب التدخل المحدود، ولكن العميق، من خلال "فعل جماعي حاسم وفوري" لحماية السكان من هذه الجرائم.
إن هذا المبدأ رغم كونه معيار norm وليس قانون فإنه متجذر في القانون الدولي المتعلق بحالات الحرب وحقوق الإنسان. في جوهره يقوم المبدأ على أن السيادة ليست حق، وبأن على الدولة (كشخص قانوني) أن تعمل على حماية المدنيين والسكان من الجرائم المنصوص عليها في المبدأ. إن عدم قدرة، أو عدم إرادة الدولة في الدفاع عن السكان بوجه هذه الجرائم يحول هذه المسؤولية للمجتمع الدولي. في الحالة الفلسطينية فإن الدولة التي تتحمل هذه المسؤولية هي إسرائيل باعتبارها الدولة (الشخص القانوني) الذي يتحمل عبء الحماية وفق التزاماتها كقوة احتلال عسكري حسب اتفاقية جنيف الرابعة. لا زالت إسرائيل هي القوة التي تحتل قطاع غزة والضفة الغربية باعتبارهما وحدة إقليمية- قانونية واحدة، وعليها تقع مسؤولية الحماية، فما بالكم أن تقوم هي بممارسة الجرائم المنصوص عليها في هذا المبدأ. لقد أكد مجلس الأمن الدولي على معيار R2P في قراريه رقم 1674، و 1894 في الأعوام 2006 و2009 على التوالي، وفي حالات محددة استند مجلس الأمن إلى هذا المعيار في معالجته لصراعات مسلحة حول العالم مثل قراره رقم 1706 عام 2006 بشأن دارفور في السودان، وقراره رقم 1975 عام 2011 بشأن ساحل العاج، وقراراته 2085 و2100 في مالي في عامي 2012و 2013.
ارتكبت إسرائيل جريمة حرب في قطاع غزة في ثلاث مناسبات: 2008، 2012، وفي عدوانها الحالي. في حالة 2008 واليوم ثمة أدلة كافية لإدانة إسرائيل على الأقل بواحدة من الجرائم المنصوص عليها في مبدأ R2P. نص على ذلك تقرير القاضي الدولي غولدستون عقب عدوان 2008-2009، وفي العدوان الحالي تؤكد العديد من المنظمات الحقوقية وأبرزها أمنستي إنترناشونال على أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية. لست مختصا في القانون لأحدد الكيفية التي يمكن من خلالها تحضير ملف متكامل يطالب مجلس الأمن الدولي باللجوء إلى هذا المعيار الهام لتأمين الحماية للفلسطينيين في كل المناطق المحتلة، لكنني أعلم جيدا، كما يعلم الكثيرين بأننا فرطنا بالفرصة في العام 2008 عندما أسقطنا من خياراتنا ملاحقة تقرير غولدستون حتى النهاية، ومن المحظور علينا اليوم التفريط بالإمكانية الجدية الكامنة في هذا المبدأ وتفعيله، إذ لا يكفي - بل ربما لا يجدي- الإعلان عن غزة منطقة كارثة إنسانية، فما يحدث هناك ليس بفعل بركان ولا هزة أرضية.
أستاذ السياسة الدولية والسياسات المقارنة في جامعة النجاح الوطنية، نابلس