كتب سامر عنبتاوي
نحن الفلسطينيون لا نعيش في جزيرة نائية ، بل نحن في قلب العالم نتأثر كثيرا و نؤثر قليلا ، ليس لأننا محدودي العدد و المساحة ، و ليس لضعفنا ، بل لعدم القدرة على التعامل مع ما في العالم من حسابات و تغيرات و موازين قوى و تحالفات .
بعد ما ألقت بنا الحياة على ظهر قارب تتقاذفه الأمواج في بحر هائج ، من الطبيعي أن نسأل أنفسنا ،، هل استطعنا الإمساك بالمجاديف جيدا ؟ و هل عرفنا الوجهة و استعملنا البوصلة ، و في ظل هيجان البحر مرت بنا مراكب كثيرة ، فهل ميزنا العدو من الصديق فيها ؟ فتبادلنا التعاون مع الصديق و تجنبنا العدو و المتواطيء ، باختصار ، هل رسمنا المسار و امتلكنا الحكمة ؟؟
أردت الدخول في هذه المقدمة للوصول إلى تحليل واقعنا الحالي ، فحتى اللحظة نختلف و نتجادل و نكيل التهم لبعضنا البعض حول الحلفاء و الأعداء ، الأصدقاء و المتربصين و نفتقد القدرة على التمييز بين الغث و الثمين ، رغم حاجتنا الملحة لتعزيز التحالفات بدل خلق الأعداء .
نحن اليوم في عالم متغير نواجه أخبث و ألد الأعداء ، حركة صهيونية تتربع على أرضنا بأقصى أشكال العنصرية و القمع ، تريد إنهاء وجودنا و ردم قضيتنا ، مدعومة و بشكل سافر من الولايات المتحدة الأمريكية و بكل صلافة و دون تحفظ ، و بالمقابل نعادي من يساندنا و نساند من يعادينا ، بدل أن نعمل ليل نهار على خلق أكبر جبهة على المستوى الإقليمي و بدعم قوى و دول عالمية أهم ما يجمعها رفض السياسة الأمريكية الإسرائيلية .
السؤال المطروح في الأحداث الأخيرة ما الذي جرى ؟ و للتوضيح و الفهم أكثر أقول أن المواجهة في المنطقة أفرزت نتائج ينبغي دراستها جيدا وفق مباديء يحكمها الأسس التالية :
١ - أن شعوب المنطقة تواجه خطر وجودي يتعلق بالحاضر و المستقبل ، و أن هذا الخطر جوهره دولة الإحتلال المدعومة أمريكيا و بشكل مطلق .
٢ - أن هذا الخطر يستهدف في الأساس الفلسطينيين و قضيتهم ، و في نفس الوقت يستهدف شعوب المنطقة و كياناتها و مواردها و خيراتها.
٣ - أن الفرز في العالم أصبح بين القوة الأمريكية و حلفائها ، و في المقابل شعوب العالم و جزء هام من قياداتها يستشعر هذا الخطر و ضرورة مواجهته .
٤ - أن المنطق و العقل السليم يدعونا إلى بناء تحالفاتنا بعقلية علمية منفتحة تواجه هذا الخطر الوجودي .
٥ - أن العالم تحكمه المصالح و المنفعة ، لذلك فإن هدفنا يجب أن يكون الإستفادة من االأطراف التي تلتقي مع مصالحنا و البعد عن من يناقضها .
٦ - أن أحد أهم أهدافنا يتعلق في زيادة حجم الأصدقاء و الحلفاء و عدم جلب المزيد من الأعداء .
٧ - أنه يجب أن لا نركن إلى أن العالم تشغله قضيتنا فقط و أن لا نتوقع منه أن يسير على أهوائنا و مقاييسنا .
٨ - أن القضية الفلسطينية في جوهرها قضية حق و ضمير و إن لم نحسن الدفاع عنها و تكوين جبهة للدفاع عنها فإن الحق و المنطق لا يحكم هذا العالم و بالتالي ستدفع قضيتنا أثمان التناقضات العالمية و قصور أدائنا و توجهاتنا .
في التطورات الأخيرة برز اسم إيران و انقسمنا بين مؤيد و معارض لسياساتها و تكوينها و تعريف مكوناتها و أهدافها ، و برزت أسئلة كثيرة ، هل إيران دولة حليفة و صديقة أم هي دولة توسعية عنصرية تسعى للسيطرة على منطقتنا ايديولوجيا و منفعيا ؟ و هل نتعامل معها بتحالف أم باعتبارها لا تقل عداوة عن الإحتلال بل قد تزيد حسب بعض التحليلات ، و أسئلة كثيرة تناولها الكثيرين و أصبحت أحد أوجه الخلافات العميقة التي تعصف بنا.
و للإجابة على ما سلف يجب أن نبدأ بتعريف ماهية هذه الدولة ،،،
هي دولة إقليمية كبيرة قامت فيها ثورة نهاية السبعينات حولتها من أكبر حلفاء أمريكا إلى دولة إسلامية تنصب العداء للولايات المتحدة و دولة الإحتلال ، فبادرت باحتلال السفارة الأمريكية و طرد الإسرائيلية ، ثم زُجت بحرب ضروس عبثية مع العراق بتوريط أمريكي و تواطؤ خليجي ، أدت إلى أعداد كبيرة جدا من الضحايا ، و هدر المال و الموارد في كلتا البلدين بدل تكوين قوة موحدة في مواجهة المخاطر التي تهدد البلدين ، و قد كتب منظر الصهيونية المسيحية كيسنجر عن الموضوع و سياسة الإحتواء المزدوج لطحن قوة البلدين و منع إمكانية توحد قواهما و قال أن المنتصر سنعرف كيف نتعامل معه فتم استدراج العراق لإحتلال الكويت تمهيدا لتحطيمه و احتلاله من قبل الأمريكان ، و لن أدخل في التفاصيل أكثر و تحميل المسؤوليات لأنها تحتاج إلى أكبر من هذا المقال بكثير ، و لكن أقول أن إيران بدأت بعد ذلك بتطوير قواها و بناء قدراتها و التأثير الكبير في المنطقة .
إيران دولة دينية مذهبية و أنا أؤيد الدولة المدنية ، و لست راضيا عن أسلوب الإدارة الداخلية و الحكم فيها ، و لكن هذا يبقى خيار شعبها و بالانتخاب ، و هي دولة كبيرة إقليميا و لها مصالحها ، و تسعى لعلاقات وطيدة مع المحيط و باتجاه من تلتقي معهم فكريا و في المواقف و التوجهات ، هذه حقائق يجب الإقرار بها قبل تحديد نوع العلاقة معها .
و حتى لا أطيل أكثر انتقل إلى العلاقة و الموقف من إيران ، هي و بدون شك في مقدمة المواجهة للسياسة الأمريكية و الاسرائيلية في كافة توجهاتها و تحالفاتها و كذلك هم حلفائها ، و من هذا المنطلق فإن دولة كأيران تتمتع بميزات القوة العسكرية و التطوير الذاتي ، و تحمل مباديء دعم القضية الفلسطينية ، و تجاهر بمواجهة سياسة أمريكا في المنطقة و تبني تحالفاتها على هذا الأساس ، و تدعم المقاومة في فلسطين و لبنان ، و تدعم و تساند بكل قوة محور المقاومة و تعتبر مكسبا و رافدا من الروافد الهامة للقضية الفلسطينية و شعوب المنطقة ، و أي محاولات لشيطنة موقفها و نبش الصراع الطائفي معها سيصب في غير مصلحة المنطقة و شعوبها و فلسطين خاصة .
إن المواجهة الأخيرة بين إيران و أمريكا أثبتت عدة قضايا هامة :
١ - تماسك محور المقاومة بل تعزيزه و زيادة قوته و تأثيره .
٢ - أن سياسة و مواقف إيران لا يمكن أن تتلاقى مع المصلحة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة بل تشكل النقيض و المحرك للتحالفات في مواجهتها .
٣ - أن الرادع للمخططات الأمريكية و الصهيونية هو هذا الحلف إذ بدونه ستسهل السيطرة على المنطقة بأكملها و تطبيق ما يسمى بصفقة القرن ، و رفع العلم الإسرائيلي في عواصم معظم دول المنطقة و يصبح التطبيع و نسج العلاقات مع دولة الإحتلال في مقدمة الأحداث .
٤ - بالتأكيد أن لإيران مصالحها ، و لا يجب أبدا التبعية لها أو الإرتماء في أحضانها ، و لكن بالمقابل من الضروري جدا نسج علاقات التحالف معها لمواجهة خطر وجودي يعصف بنا جميعا ، و من هنا تكون العلاقة تحالفية بدون ارتماء أو تبعية .
٥ - إن إيران تعتبر الدولة الوحيدة في عصرنا التي هددت و نفذت هجوما على قاعدة أمريكية - بغض النظر عن حجم الخسائر - و في نفس الوقت هددت بالرد على أي رد و في نفس الموقع الذي يصدر منه الهجوم ، مما لجم أمريكا و لأول مرة عن الرد .
٦ - إن رد إيران على الإغتيال كان استراتيجيا بتعزيز محور المقاومة و رفع شعار خروج أمريكا من المنطقة مما يصب في مصلحة شعوب المنطقة و خاصة فلسطين .
٧ - أن النظرة إلى كل هذه الحقائق تفرض نبذ أي خلافات طائفية و نسج علاقات تحالف من مبدأ أن قضايانا تتطلب كسب الحلفاء و الأصدقاء لا معاداتهم .
في النهاية و رغم الجدل القائم فإننا فلسطينيا و بامتدادنا الإقليمي و العربي نمر في مرحلة دقيقة جدا ، تتطلب منا رص الصفوف و الرؤية الثاقبة و الحكيمة و كسب من في صفنا في مواجهة الهجوم الذي يهدد حياتنا ، بذلك علينا أن نعي تماما إلى أين نريد أن نصل ،، و ماذا نريد ،،،