تُواجه بعض أجزاء إفريقيا حالياً أسوأ أسراب الجراد منذ أكثر من جيلٍ كامل، مع اجتياح أسرابٍ بحجم مُدن كاملة لدولٍ تشمل كينيا وإثيوبيا والصومال. ووصل طول أكبر الأسراب المُسجَّلة حتى الآن إلى 59.5 كم وعرض 40 كم تقريباً.
وفي وقتٍ مُبكِّر من الأسبوع الجاري، أصدرت الأمم المتحدة بياناً قالت فيه إنّ هذه هي أسوأ حالات غزو الجراد التي تشهدها كينيا منذ 70 عاماً، حسبما ورد في تقرير لمجلة Newsweek الأمريكية .
ويُعَدُّ الجراد الصحراوي من أقدم الحشرات وأشدّها فتكاً على الكوكب، إذ يُسافر لمسافةٍ تصل إلى 149 كم، كل يوم، ويأكل طعاماً طازجاً يُعادل وزنه تقريباً.
وتستطيع تلك الحشرات أن تُشكّل أسراباً شديدة الكثافة بشكلٍ لا يُصدّق، يحوي كلٌ منها عدداً يتراوح بين الـ40 والـ80 مليون جرادة لكل كيلومتر مربع. ويستطيع سربٌ يتألّف من 40 مليون جرادة أن يستهلك نفس كمية الطعام التي يتناولها 35 ألف شخص، وبالتالي يأكل السرب كافة النباتات الخضراء التي يمرُّ بها في طريقه.
وقال أومودي إيمورو، مُنسّق التأهّب لحالات الطوارئ في لجنة الإنقاذ الدولية، لمجلة Newsweek الأمريكية: “وجودك في قلب أسراب الجراد يُشبه مُشاهدة عصابةٍ من الأشرار وهي تقطع محاصيلك وكل النباتات.
إذ تأتي أسراب الجراد على كل المسطحات الخضراء، بما في ذلك المحاصيل والأشجار. مما يُدمّر سُبل عيش المُزارعين من أصحاب الأراضي الصغيرة ورُعاة الماشية”.
ويتوقّع الخبراء أنّ تلك الأسراب ستزداد سوءاً خلال الأشهر المُقبلة، وربما يزداد حجمها 400 ضعف مُقارنةً بحجمها الآن. ويتوقّعون أيضاً نقصاً حاداً في الأغذية وتأثيراً دراميتيكياً على الأمن الغذائي، خاصةً في ظل تزامن الأسراب الجديدة مع موسم الزراعة في مارس/آذار، وموسم الحصاد في الصيف.
وقال دوغ يانيغا، كبير علماء متحف أبحاث علم الحشرات بجامعة كاليفورنيا، للمجلة: “يُمثِّل الأمر أزمةً إنسانية أكثر من كونه صعوبةً اقتصادية، بالنظر إلى مدى أهمية الزراعة في المناطق المُتأثّرة. وتُهدّد تلك الأسراب الإمدادات الغذائية وسُبل عيش الناس. وباختصار، هناك العديد من الجوعى الذين سيباتون أكثر جوعاً حين تُباد محاصيلهم”.
وأعرب الخبراء كذلك عن مخاوفهم من أن تتحوّل تلك الآثار إلى نزاعات شخصية بالتزامن مع انتقال الرعاة إلى أراضٍ زراعية جديدة.
وقال سفير الأمم المتحدة إلى كينيا لازاروس أومايو في تصريحٍ له: “سيُواجه الرعاة تحدّياً حقيقياً في العثور على المراعي، وربما يتسبّب ذلك في انتقالهم من مكانٍ إلى آخر بحثاً عن المراعي، مع وجود خطرٍ يكمُن في اندلاع نزاعٍ مُجتمعي حول المراعي ورعي الأراضي والمرور من المناطق”.
ولن يكون أمام الآخرين خيارٌ سوى المُرابطة في أماكنهم.
وأضاف إيمورو: “يتمتّع رعاة الماشية في شمالي كينيا وجنوب وشرقي إثيوبيا وشمال ووسط الصومال بخيار الانتقال مع ماشيتهم إلى مناطق لم تتأثّر بأسراب الجراد على الأقل، لكن المُزارعين من أصحاب الأراضي الصغيرة لن يكون أمامهم خيار سوى التعامل مع واقع ضياع جهدهم المُضني ومصدر غذائهم”.
ونادراً ما تظهر أسرابٌ بهذا الحجم. وفي غالبية السنوات، يُعثَر على الجراد الصحراوي فقط في المناطق القاحلة وشبه القاحلة بإفريقيا، والشرق الأدنى، وجنوب غرب آسيا -وهي المناطق التي تستقبل 200 مل أو أقل من المطر سنوياً. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإنّ فترات الهدوء هذه تُسمّى بفترات الركود، حيث يندُر العثور على الجراد خارج منطقةٍ تصل مساحتها إلى 15 مليون كم مربع، والتي تضُمُّ أجزاءً من 30 دولة مُختلفة.
وقالت الأستاذة المُساعدة أريانا كيس، وعالم الأبحاث ريك أوفرسون، من جامعة ولاية أريزونا لمجلة Newsweek عبر البريد الإلكتروني: “يمُرُّ تفشّي الجراد الصحراوي بمراحل مُتعدّدة من الركود والأوبئة، وقد تستغرق كلٌ منها سنوات أو عقوداً طويلة أحياناً، ويصعب التنبُّؤ بها. وشهد القرن الإفريقي تاريخياً حالات تفش للجراد بدرجةٍ أكبر في منتصف الخمسينيات”.
وحالياً، يعيش القرن الإفريقي طفرةً كبيرة، مع زيادةٍ هائلة في الأعداد وحالات التفشي الناجمة عن سلسلةٍ من مواسم التكاثر المُواتية. وهذه الأسراب هي أسوأ ما تشهده المنطقة منذ عقود.
وشهدت مناطق شمال شرق كينيا حالات غزوٍ يصل طولها إلى 59.5 كم وعرض 40 كم تقريباً. وسربٌ بهذا الحجم يستطيع تناول نفس كمية الطعام التي يأكلها 84 مليون شخص بحسب تصريحات كيث كريسمان، كبير المُتنبّئين بالجراد في منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة، بمجلة Newsweek.
كما حذّر من أنّ الوضع قد يسوء. وهناك احتمالٌ بحدوث موسمي تكاثر آخرين على مدار الأشهر الستة المُقبلة، وخلالهما سيزداد الجراد 20 قطيعاً. مما يعني أنّ أعداد الجراد قد تتضاعف 400 ضعف بحلول الصيف، مقارنةً بحجمها في الوقت الحالي.
تنتشر أسراب الجراد بهذا الحجم نتيجة تغيُّر المناخ.
إذ تميل درجات الحرارة المُرتفعة إلى زيادة كمية الأراضي الصحراوية القاحلة وشبه القاحلة التي يسكُنها الجراد خلال فترات الركود. كما تميل أيضاً إلى زيادة أعداد الأعاصير، مما يُؤدّي إلى سنوات تكاثر استثنائية عن طريق تحفيز الأمطار الغزيرة ونمو النباتات الوفير.
وأوضح كريسمان: “خلال السنوات العشر الماضية، كانت هناك زيادةٌ في أعداد الأعاصير التي تتشكّل في غرب المحيط الهندي. وتاريخياً، تُؤدّي الأعاصير إلى تفشي الجراد. وفي حال تواصلت موجة ازدياد الأعاصير مُستقبلاً، فأعتقد أنّنا سنشهد المزيد من حالات تفشي الجراد الصحراوي وتفاقمه كما يحدث الآن في القرن الإفريقي”.
وتأتي الطفرة هذا العام نتيجة سلسلةٍ من الأحداث المُتعلّقة بالمناخ، ومن بينها الأمطار الغزيرة وحالات الجفاف والفيضانات والحرب الأهلية في اليمن.
إذ شهد القرن الإفريقي -جيبوتي وإثيوبيا والصومال وإريتريا- واحداً من أكثر الفصول رطوبةً على الإطلاق الخريف الماضي، مع فيضانات كُبرى بين شهري أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول عام 2019، وفقاً لتقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وشهدت بعض المناطق أمطاراً أكثر من المُعتاد بنسبة 400% بسبب المُحيط الهندي ثنائي الأقطاب.
وشهد عام 2018 إعصارين، في حين شهد عام 2019 ثمانية أعاصير بحسب كريسمان. في حين تشهد غالبية الأعوام إعصاراً واحداً فقط على الأكثر.
ووفّرت هذه الظروف الحارة والرطبة ظروفاً مثالية لتكاثر الجراد وتضاعف أعداده.
المشكلة أن موائل الجراد النموذجية لا تحتوي على ما يكفي من المساحات الخضراء لتلك الأعداد الضخمة، ويُجبَر بذلك على الهجرة بحثاً عن المزيد -ويفعل الجراد ذلك في أسرابٍ ضخمة ومُدمِّرة بشكلٍ لا يُصدّق.
وأشار البعض إلى الحرب الأهلية في اليمن بوصفها عاملاً في نشاط الجراد هذا العام. والسبب في ذلك هو أنّ الحرب عطّلت منظومة الاستجابة للجراد في البلاد، مما سمح للأسراب أن تنمو بوحشية وتخرج عن السيطرة وتتوسّع إلى مناطق أخرى.
وقال يانيغا: “هذا العام استثنائي، وتُعَدُّ الظروف مُواتيةً لتضاعف أعداد الجراد بمعدلات نادراً ما نراها”.
أطلقت مُنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” عملية إغاثة بقيمة 76 مليون دولار للسيطرة على الوضع.
وتخطّط لخفض أعداد الجراد من أجل تخفيف العبء عن المراعي الخضراء ومناطق المحاصيل، إلى جانب حماية سُبل عيش السكان المحليين.
ولا يمتلك المسؤولون الكثير من الوقت للتحرُّك، فهناك “نافذة وقتٍ صغيرة” قبل بدء موسم الزراعة المُقبل بحسب كريسمان. إذ يُمكن أن يُؤدي تأخير الموسم إلى تداعيات كُبرى على الصحة والأمن الغذائي بالنسبة للناس الذين يعيشون في القرن الإفريقي.
وقال يانيغا: “لا يُوجد سيناريو يخرج منه الجميع رابحين. فمحاولة عكس اتّجاه تغيّر المناخ ليست أمراً مُحتمل الحدوث، وحتى في حال نجاحنا في ذلك؛ فسيستغرق الأمر قرناً أو أكثر لإزالة الأضرار التي أحدثناها بالفعل. لذا نبحث في الوقت الحالي عن ما يُمكن اعتباره ضمادةً صغيرة لجرحٍ يُهدد استمرار الحياة”.
ومع أرجحية زيادة هذا النوع من المواقف مُستقبلاً، فيجب أن يتضمّن نهج التعامل معها تحسين القدرة على المراقبة والعلاج، بحسب كيس وأوفرسون.
وأضاف يانيغا أنّ الحل الآخر قد يكمُن في حصاد الجراد: “لدينا بعض الناس الذين يُنفقون الأموال على تغذية وتسمين الحشرات من أجل بيعها بوصفها طعاماً يُدِرّ الأرباح.
وعلى الجانب الآخر في قارةٍ أخرى، نجد نفس الحشرات التي تتكاثر بالمليارات طبيعياً وهي تتسبب في تدمير يكبد تكلفةٍ باهظة. وأسراب الجراد هذه صالحة للأكل. كُل ما علينا فعله هو أن نجد وسيلةً لحصاد ذلك الجراد عن طريق عمليةٍ تُجارية. ولن تصير تلك الأسراب مُشكلةً حينها”.