يسعى ضحايا قوات خليفة حفتر، الجنرال الليبي المتقاعد، وقائد قوات شرق ليبيا، لمقاضاته أمام المحاكم الأمريكية، خاصة أنه يحمل الجنسية الأمريكية وكان عميلاً سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية.
حسبما نشرت صحيفة The New York Times الأمريكية، فإن الجنرال المتقاعد الذي يسيطر الآن على فصيل عسكري في ليبيا، متهم بتعذيب ليبيين، ولم يعد أمام ضحاياه سوى اللجوء إلى النظام القضائي الأمريك؛ للتصدي له، وذلك أمام المحكمة الفيدرالية في فرجينيا، وهو ما حدث الثلاثاء 18 فبراير/شباط 2020
تعذيب حتى الموت: وفقاً لشهادات الضحايا، فقد قال ليبيان إن أفراد عائلتيهما عُذبوا حتى الموت على يد قوات حفتر في أكتوبر/تشرين الأول 2014، عندما اندلعت الفوضى في ليبيا، مؤدية إلى حرب أهلية جديدة. وتسعى هاتان العائلتان إلى الحصول على تعويض من حفتر وأبنائه.
في سياق متصل، فإن قانون حماية ضحايا التعذيب (Torture Victim Protection Act)، الذي مُرر في عام 1991، يسمح لعائلات ضحايا عمليات القتل خارج نطاق القانون والتعذيب، بمقاضاة المسؤولين عن ذلك. ويستهدف القانون من يمارسون التعذيب بوضوح مستخدمين السلطة الحكومية.
مقومات نجاح المقاضاة: رغم أنه فشلت كثير من القضايا الأخرى المرفوعة بموجب ذلك القانون في اكتساب زخمٍ، بسبب قلة الأصول المتاحة أمام المحكمة لتستحوذ عليها إذا نجحت الدعوى، فإن حفتر وأبناءه يملكون ما لا يقل عن 17 ملكية في ولاية فيرجينيا، تساوي إجمالاً ما لا يقل عن 8 ملايين دولار، وفقاً للدعوى القضائية.
يساعد الماضي المعقد لحفتر ؛ لكونه مواطناً ليبياً يحمل الجنسية الأمريكية، في جعله معرَّضاً للإجراءات القانونية في المحاكم الأمريكية.
خلال فترة حكم الرئيس ريغان، كان حفتر عميلاً للمخابرات المركزية الأمريكية، أملت الولايات المتحدة أن يقود انقلاباً على الديكتاتور الليبي، العقيد معمر القذافي. ويحارب حفتر الآن، الذي تحاصر قواته العاصمة الليبية طرابلس، الحكومة الانتقالية ويقود الفصيل الذي تدعمه روسيا وأغلب العالم العربي وتعارضه أوروبا والولايات المتحدة وتركيا.
محادثات جنيف: إلى ذلك تواصلت، الثلاثاء 18 فبراير/شباط 2020، المحادثات بين الفصيلين في جنيف برعاية الأمم المتحدة، بعد يومٍ واحد من موافقة الاتحاد الأوروبي على بدء حظر توريد السلاح إلى ليبيا.
في حين لا تتضح طبيعة عمل حفتر مع المخابرات المركزية، مثله مثل معظم العمليات الجاسوسية. وبعدما كان مساعداً للقذافي، انقلب عليه في عام 1987 ووظَّفته المخابرات الأمريكية. لكن الانقلاب المُخطط لم ينجح، وجيء بحفتر وجماعته المتمردة إلى الولايات المتحدة في النهاية. ثم استقر حفتر وأبناؤه في شمال فيرجينيا، حيث اشتروا عدة ملكيات.
ثورة فبراير/شباط: وعندما بدأت ثورة ليبيا ضد حكومة القذافي في 2011، واستَدعت تدخَّل الولايات المتحدة وحلف الناتو، عاد حفتر إلى ليبيا وشكَّل فصيلاً قوياً.
أما في عام 2014، ومع وجود حكومة انتقالية عقب مقتل القذافي، شن حفتر وقواته عملية موسعة على بنغازي في ليبيا، سماها “معركة الكرامة”، هدفت إلى إخراج المليشيات الإسلامية المتطرفة. وخدم ابنا حفتر، خالد وصدام، بوصفهما ضابطين تحت قيادته، وقادا القتال في بنغازي.
ضحايا الجنرال: خلال هجومٍ في أكتوبر/تشرين الأول، حوصرت عائلتان في أعمال العنف تلك. وفي الدعوى القضائية المقامة ضد حفتر، قال المدَّعون إن قوات الجنرال المتقاعد استولت على منزل عائلة السيّد. عندما اندفع الأب عادل سلام السيد وابنه إبراهيم إلى المنزل؛ لإنقاذ أفراد الأسرة الآخرين، قُبض عليهما واختُطفا. في اليوم التالي، وُجدت جثتاهم مصابتَين بجروح توضح تعرضهما للتعذيب.
بعد يومين، هاجمت قوات أخرى بقيادة حفتر منزل آل الكرشيني، وقتلت اثنين من أفراد الأسرة. واعتقل ستة أشقاء من العائلة، بتهمة أنهم أعضاء في تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وبحسب الدعوى، فإن إبراهيم الكرشيني، الذي أُصيب بالفعل في عينه من جراء الهجوم على المنزل، جُرّد من ملابسه ثم تعرض للضرب على رأسه بالمواسير والكابلات وعصا المكنسة. ثم، وعلى مدار الساعات السبع والنصف التالية، تعرض للصعق بالصدمات الكهربائية.
تفاصيل مدمية: وفقاً لروايات الضحايا، فإن إبراهيم الكرشيني أُطلق سراحه في نهاية المطاف، إلا أنه وفقاً لدعواه القانونية فقدَ عيناً من جراء الاعتداء. وعُثر على جثة شقيقه مصطفى بعد أيام، وتبين أن يديه كانتا مقيدتين خلف ظهره مع وجود أثر لثقوب رصاصات في رأسه وصدره. أما بالنسبة لعلي، الشقيق الآخر، فقد قُتل رمياً بالرصاص، وأصيب ثلاثة أفراد آخرون من الأسرة.
كيفن كارول، وهو محامٍ لدى شركة “Wiggin and Dana” للمحاماة، ويمثل العائلتين، قال: “في أكتوبر/تشرين الأول 2014، تعرض 10 رجال من هذه الأسر للسجن أو الضرب أو الصعق بالكهرباء أو الرمي بالرصاص على يد قوات حفتر. ومن ثم، من غير الممكن أن تحظى هذه العائلات بمحاكمات عادلة في بلد يخضع لسيطرة حفتر إلى حد كبير”.
عريضة الاتهامات: تتهم الدعوى حفتر ورجاله باستخدام الجيش الوطني الليبي لشن “حرب جزافية ضد الشعب الليبي”، وتعذيب وقتل مئات دون أي إجراءات قضائية.
أما المتحدث باسم حفتر، فقد صرح بأنه لم يكن على علم بالدعوى من الأساس، ورفض التعليق على ما جاء فيها.
من جهته، قال فيليب ناصيف، مدير برنامج كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية، إن قوات حفتر تستخدم عمليات الاختطاف والتعذيب والاغتصاب بانتظام؛ في محاولة لممارسة السيطرة على ليبيا.
أضاف ناصيف: “الوضع سيئ على الصعيد الميداني في ليبيا”.
ناصيف علق على صعوبة الوضع، قائلاً إن السجلات الورقية قليلة في غمار الفوضى الليبية، وهو ما يجعل من العسير للغاية فهم الحجم الكبير لانتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث هناك.
تابع: “صحيح أننا نوثّق هذه الانتهاكات بأفضل ما نستطيع، لكننا نعلم أنه مجرد غيض من فيض، ومن الممكن أن يكون هناك كثير من الانتهاكات التي تحدث دون درايتنا، معظمها في المناطق التي تسيطر عليها قوات حفتر”.