في المساء المتأخر من يوم الجمعة، مركبتان من طرازين مختلفين غالبا ما يفضلهما محدثو النعمة، حركة سير نشطة وكثير من الناس يتمشون في شوارع المدينة. المركبتان في حالة سباق هستيري، ولا تدري عندها إن كانا يتصارعان أم أنهما "رفاق سوء لبعضهما" ويستخدمان الشوارع العامة لممارسة هذا العار وهذا العهر. مضخمات صوت مزعجة وسرعة لا تقبل بأقل من الموت الفوري لو وقع الحدث المشؤوم.
استمر السباق وشتمت ما استطعت في نفسي هكذا أشباه رجال لا يمتلكون من الرجولة إلا ما فاضت به الهرمونات في أجسادهم النجسة القذرة. بعد دقائق، التقيتهم على محطة التزود بالمحروقات، فعرفت أنهما يتسابقان على سبيل "المتعة" لا على سبيل التناحر. بدأ احدهما يضغط على دواسات الوقود ليصدر أصواتا من مضخم المركبة هي أنكر بكثير من صوت الحمير، أما هو فبدا لي كأنه أنكر من الخنازير. سألت إن كانت السرعة بهدف قيادة المعركة في غزة أو تنظيم عمل منظومة صواريخ مثلا، فأجاب بطريقة توحي بضياعهم بين رجولتهم المفقودة وأنوثتهم المنشودة أنهما يتسابقان، فأبديت إعجابي الشديد بالسباق ولكن بلهجة فيها الاستهزاء الواضح والسخرية المكشوفة.
انتهيت من التزود بالوقود وصعدت إلى مركبتي وبدأت بالحركة، فإذا بموال فرقة العاشقين الشهير في الإذاعة "كانوا ثلاثة رجال، تسابقوا عالموت"! شعرت بحسرة عمرها قرابة الثمانين عاما حين قارنت بين ذاك السباق وسباق اليوم والإثنان سباق موت للأسف. أولئك الثلاثة الرجال تسابقوا إلى الموت لنحيا بعدهم، وهؤلاء الخنيثين المقززين المقرفين يتسابقون ليصنعوا لنا موتا بالمجان. أية مقارنة وأية مفارقة عجيبة هذه.
إلى متى سنبقى نعاني من ضياع هؤلاء الضائعين بين الحس واللاحس، بين إحصائهم في تعداد البشر وهم في أخلاقهم من الخنازير أو التماسيح. أين الأمهات اللاتي ربت هؤلاء وأين الآباء البيولوجيون لهم؟ من هم الآباء الذين ربوهم بهذه اللاأخلاق!!
إذا كانت محاربة مطلقي الألعاب النارية ليست أولوية، ومعاقبة هؤلاء العابثين بقوانين السير ليست أولوية، ومحاربة الفساد ليست أولوية، والتغاضي عن الاعتداء على الممتلكات العامة لأن حمايتها ليست أولوية، فما هي أولوياتنا؟