يبدو أن الاحتجاجات المتواصلة على قانون الجنسية المثير للجدل في الهند لن تتوقف بالرغم من كلفتها البشرية الباهظة، إذ أدت لمصرع نحو 42 شخصاً منذ اندلاعها في ديسمبر/كانون الأول 2019 وحتى الآن، كان بعضها على يد قوات الأمن، والبعض الآخر من قبل متطرفين هندوسيين هاجموا المسلمين المحتجين، فيما أشار مسؤولون إلى العثور على آثار للرصاص في أجساد المصابين ممن تم نقلهم إلى المشافي. فكيف وصلت البلاد إلى هذه الحالة، وإلى أين ستصل هذه الاحتجاجات؟
منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، غمر الهنود الشوارع في المدن الكبرى والصغرى حول البلاد للاحتجاج على قانون الجنسية الجديد. تظاهر الهنود في مسيرات على الرغم من فرض أحكام عرفية تعود للعصر الاستعماري لمنع التجمهر. بدأت الاضطرابات في عشرات الجامعات عبر أرجاء الهند، ما أثار حملة قمعية عنيفة من الحكومة واعتقال الآلاف.
لكن المظاهرات ظلت تنتشر، وأسفرت عن واحدة من أكبر الحركات الاحتجاجية الشاملة التي شهدتها البلاد منذ عقود عديدة. وعلى الرغم من لجوء الحكومة لقطع الإنترنت والاتصالات في مناطق عديدة مثل نيودلهي، فإنها لم تنجح في احتواء هذا الاحتجاج الكبير.
منذ إعادة انتخاب حكومة ناريندرا مودي الهندوسية القومية في مايو/أيار، وهي تتبع سلسلة أشد انقسامية وصرامة من الإجراءات السياسية ضد المسلمين، مثل تجريد إقليم كشمير من حالته شبه ذاتية الحكم. وأصبحت حكومة مودي أيضاً أكثر سلطوية، بتمرير تعديل قانون المواطنة الجديد، الذي يعطي جماعات مثل الهندوس، والسيخ، والبوذيين، والجانيين، والبارسيين، من أفغانستان، وبنغلاديش، وباكستان الذين جاؤوا إلى الهند بطريقة غير شرعية، طريقاً سريعاً للحصول على الجنسية الهندية دوناً عن الأقليات المسلمة الأخرى.
قدمت الحكومة تعريفاً جديداً لهوية القومية الهندية من حيث الديانة وولَّدَت أزمةً في دستور الهند العلماني. وتعديل قانون المواطنة هو تحدٍّ لعلمانية الهند. إذ يحق للجماعات المذكورة في القانون أن يكون لهم القدرة على أن يصبحوا مواطنين طبيعيين. لكن هذا القانون غضَّ الطرف عن الجماعات المسلمة المضطهدة في الأماكن ذاتها مثل الأحمديين في باكستان. والثاني، لم يُذكر في هذا القانون سوى الدول ذات الأغلبية المسلمة، وغضوا الطرف أيضاً عن الدول التي قد تكون مصدراً محتملاً للاجئين، مثل دولتي ميانمار وسريلانكا المجاورتين للهند.
ويستثني القانون الروهينغا على سبيل المثال من المواطنة المستقبلية. تدعي الحكومة أنه في الأساس ما زال من الممكن للجماعات التي لا يشملها القانون الجديد أن تتقدم للحصول على الجنسية بالطرق الموجودة حالياً. لكن هذه الحجة تناقض الأمرين. لماذا يجب ألا يخضع جميع أفراد الفئات المضطهدة لنفس طريقة التعامل القانونية؟ وفي ضوء هذه الاعتبارات، هناك فقط استنتاج واحد يمكن الخروج به. الغرض من القانون الجديد لا يهدف فقط لحماية الجماعات المذكورة، بل لاستثناء المسلمين من التعامل المتساوي. وهذا يجعل القانون يحتمل عدم الدستورية.
تدعي الحكومة أن القانون الجديد لن يؤثر على حقوق المواطنين المسلمين الموجودين في الهند. ومرة أخرى، من الصعب أن تخالف فكرة أن الدولة يجب أن يُسمح لها بتسجيل مواطنيها. لكن كيف ستقرر السلطات من يكون مواطناً ومن ليس مواطناً في حين أن الكثير من فقراء الهند ليس لديهم أوراق تعريف؟
إذا كانت تجربة ولاية أسام، حيث نفذت الحكومة شكلاً محدوداً من هذه الممارسة، دليلاً أو منهاجاً، فإن عملية التحقق نفسها ستكون قمعية. هناك ملايين من الفقراء الذين ليس لديهم شهادات ميلاد أو أي تاريخ موثق (شهادات الميلاد انتشرت في الهند في الثلاثين عاماً الأخيرة فقط) يكافحون لإثبات أنهم مواطنون. هذه العملية بيروقراطية وتعسفية، وتركت الكثير ليعانوا في المعسكرات. في هذه اللحظة، يواجه 1.9 مليون فرد احتمالية انعدام الجنسية في أسام.
تتحدث الحكومة بنبرتين مختلفتين عن قانون الجنسية، وتسجيل المواطنين، لكن الرابط بينهما واضحٌ للغاية. هذا القانون يمكِّن الحكومة من طمأنة أي هندوسي يكون موقفه غير قانوني أنه لن يصبح بلا جنسية. ولا يمنح أي طمأنينة للمسلمين بهذا الشأن. بعبارةٍ أخرى، إنه يخلق نظاماً عنصرياً مقبولاً من الناحية القانونية، نظاماً يُعَدُّ بمثابة إهانةٍ لديمقراطية الهند العلمانية.
الخطاب المتطرف والعنصري لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حفّز الجماعات الهندوسية المتطرفة لاستهداف المسلمين في مختلف مناطق البلاد بأبشع الطرق، وكان ذروة ذلك بالتزامن مع زيارة قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للهند الأسبوع الماضي. يقول موقع The Intercept الأمريكي إن ترامب أغدق خلال زيارته للهند بالثناء على زعيم البلاد العنصري مودي، وتجاهل موجة من العنف ضد المسلمين في شوارع العاصمة الهندية نيودلهي، بسبب السياسات الطائفية لرئيس الوزراء الهندي.
أشاد ترامب بمودي ووصفه بأنه نصير “للحرية الدينية”، حتى في الوقت الذي انتشرت فيه صور للمسلمين الذين يتعرضون للهجوم في العاصمة، بموافقة أو تعاون واضح من الشرطة، كما انتشر مقطع فيديو على الإنترنت لمتطرفين هندوس يتسلقون مئذنة أحد المساجد لإزالة مكبر الصوت وتعليق العلم الذي يصور الإله الهندوسي هانومان.
وعندما سُئل ترامب عن القانون الذي أشعل هذه الاحتجاجات وفتح الباب لمعاملة 200 مليون مسلم في الهند على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية رفض إدانته. وقال لمراسل وكالة رويترز: “لا أريد مناقشة ذلك. أود أنه أتركه للهند، وآمل أن يتخذوا القرار الصحيح لصالح الشعب”.
تعتبر العاصمة الهندية مركزاً للاحتجاجات المناهضة للقانون، فيما تتركز أعمال العنف أيضاً في ثلاث مناطق ذات أغلبية مسلمة في شمال شرقي دلهي، على مسافة 18 كيلومتراً من قلب العاصمة.
ويُنسب بدء موجة العنف هذه لقياديّ في حزب بهاراتيا جاناتا، يدعى قابيل ميشرا، والذي كان قد هدّد مجموعة من المتظاهرين والمعتصمين احتجاجاً على القانون، مخبراً إياهم بأن اعتصامهم سيُفضّ بالقوة فور مغادرة دونالد ترامب للهند في 26 فبراير/شباط.
ولا تزال العاصمة دلهي على صفيح ساخن بعد أيام متتالية من الشغب. وبحسب موقع BBC البريطاني، بدأت الأمور تنحو منحىً طائفياً وتمدّد العنف إلى مناطق محيطة، في ظل تقارير عن أشخاص يتعرضون لهجوم بسبب ديانتهم.
ورصدت تقارير أجنبية حرائق، ومجموعات من الرجال يمسكون هرّاوات وقضباناً حديدية، وحجارة بينما يجوبون شوارع المدينة، وثمة مواجهات بين هندوس ومسلمين.
ويقول مراسلو BBC في الهند إن شوارع رئيسية في ضواحي العاصمة باتت تعجّ بالفوضى، حيث الحجارة وشظايا الزجاج والسيارات المحطّمة في كل مكان، فضلاً عن أعمدة من الدخان تتصاعد من البنايات المحترقة.
من جانبها، قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليت، إن من المقلق عدم مبالاة الشرطة الهندية بالاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون في البلاد. وأضافت في كلمة لها خلال الدورة الـ 43 لمجلس حقوق الإنسان أن أحداث العنف المتواصلة في الهند، أسفرت عن مصرع 34 شخصاً منذ 23 فبراير/شباط الجاري فقط.
كما عبّرت المسؤولة الأممية عن قلقها إزاء “قانون الجنسية” المثير للجدل في الهند، الذي يستثني المهاجرين المسلمين. وتطرقت إلى ورود أنباء من الهند حول عدم تحرك الشرطة هناك لمنع الاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون من قبل بعض المجموعات الهندوسية، واستخدامها العنف ضد المتظاهرين السلميين.
من جهته حذر رئيس الوزراء الباكستاني الأمم المتحدة من إمكانية مواجهة بلاده موجة جديدة من اللاجئين من الهند، ما لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف نيودلهي من احتمالية تجريدها الجنسية عن أكثر من 200 مليون مسلم.
وقال خان إن الحكومة الهندية بقيادة حزب البهاراتيا جاناتا القومي، تستهدف المسلمين والأقليات الأخرى من خلال أعمال تسجيل المواطنة، الأمر الذي قد يجعلهم عديمي الجنسية. وأوضح خان أن ذلك سيجلب مشاكل مستقبلية على بلاده لأنه قد يؤدي إلى أزمة لجوء كبيرة. مضيفاً: “نشاهد قادة الهند عندما يخاطبون المحتجين في نيودلهي قائلين لهم: اذهبوا إلى باكستان”.